رغم الغرامات المالية والإجراءات الردعية.. شبح التسممات الغذائية أضحى مشكلا يهدد الصحة العمومية للجزائريين سجلت في الآونة الأخيرة الكثير من حالات التسمم الغذائي، بسبب عدم مراعاة شروط النظافة وعمليات الحفظ والتخزين للمواد الغذائية، فأضحت هذه الأخيرة هاجسا يطارد السلطات العمومية والمواطن البسيط على حد سواء، كونها فتحت بابا واسعا يحصد في كل سنة العشرات من الضحايا ويكلف الخزينة العمومية مبالغ باهظة تنفق في التكفل بضحايا التسممات الغذائية، التي تحدث عبر الفضاءات التجارية، سواء تلك الحائزة على تراخيص قانونية، أو تلك التي تتحدى الأجهزة الرقابية للدولة، فيعمل أصحابها المستحيل من أجل الوصول إلى استنزاف أموال المواطنين. أحصت وزارة الصحة 3250 حالة تسمم في سنة ,2008 وتبقى هذه الإحصائية تقريبية بما أن الكثير من المرضى يقصدون العيادات الخاصة في حين يكتفي البعض الآخر بشراء الأدوية من الصيدليات. تعتبر اللحوم الطازجة المجمدة من المواد الغذائية السريعة التلف، هذه الأخيرة الموجهة للفرم عند الطلب، تخزن في غرفة التبريد تحت درجة حرارة تتراوح ما بين صفر وثلاثة درجات مئوية، وهذا حتى وقت فرمها، طبقا للتنظيم الساري المفعول. ولكن ما لمسناه خلال جولتنا الاستطلاعية إلى أحد محلات بيع اللحوم المستوردة المجمدة بالعاصمة، أن همّ التجار الوحيد هو الربح السريع على حساب المستهلك، وحتى المستهلكين أضحوا لا يفكرون إلا في طريقة إسكات جوعهم، فهم يتوافدون بشكل كبير على قصابات ومحلات بيع اللحوم المجمدة التي غالبا ما تفتقر لشروط النظافة، ويمكن للجميع ملاحظة ذلك بمجرد النظر، إذ يتركون هذه السلع عرضة لدرجات الحرارة المرتفعة، مع عدم احترام درجة البرودة في حفظها، دون مراعاة فقدان لونها ونكهتها وتركيبها الغذائي. وقد اقتربنا من بعض من كانوا يشترون هذه اللحوم المجمدة المفرومة وتحدثنا إليهم، والغريب في الأمر أن الجميع كان على علم بما قد يصيبهم من أضرار، حيث صرحت لنا إحدى النسوة قائلة: ''اللحوم المفرومة مفروضة علينا، نظرا لسعرها المنخفض ولا يوجد لدينا خيار آخر''، كما أفادتنا الحاجة فاطمة أن ابنها قد تعرض منذ يومين لتسمم غذائي، نتيجة تناوله ''ساندويتش'' باللحم المفروم بإحدى بيتزيريات ساحة أول ماي، ما جعله يذهب بعدها مباشرة إلى الطبيب في حالة يرثى لها، فأخبره هذا الأخير بأنه تناول شيئا فاسدا. رغم أن اللحوم المجمدة المستوردة صالحة للاستهلاك.. الأطباء يدقون ناقوس الخطر أوضحت الدكتورة حيبل، طبيبة عامة وأخصائية تغذية بمستشفى مصطفى باشا الجامعي، أنهم بين الحين والآخر يستقبلون حالات تسمم غذائي لمواطنين أصيبوا بالتسمم نتيجة تناولهم الأغذية البروتينية المطهاة من اللحوم المفرومة المجمدة، هذه الأخيرة ونتيجة مضاعفاتها الصحية السيئة على المستهلكين، أضحت مصالح الاستعجالات الطبية لمستشفى مصطفى باشا الجامعي تستقبل يوميا من حالتين إلى ست حالات تسمم غذائي، حسب الدكتورة حيبل التي أشارت إلى أن أكثر هذه الحالات تمس الأطفال بالدرجة الأولى. هذا وأضافت الأخصائية أنه بالرغم من الجهود التي تبذلها السلطات الحكومية الصحية للتأكد من التزام القصابات ومحلات بيع هذه اللحوم والأغذية بالشروط الصحية في عملها وأماكن تحضير الطعام فيها، إلا أن حالات التسمم الغذائي ولو قل عددها، إلا أنها أضحت لا تفارق المشافي العمومية، العيادات الخاصة، وحتى الصيدليات التي تستقبل يوميا بعض الحالات التي تفضل عدم الذهاب إلى الطبيب وشراء الأدوية مباشرة بنصائح من الصيادلة الذين يصفون لهم الأدوية بالنظر إلى الأعراض التي تصيبهم والمتمثلة في القيء والإسهال مصطحبة بمغص شديد على مستوى الأمعاء، وهي أعراض لتسممات غذائية، فغالبا ما يصفون لهم أدوية عامة، بعدما يتم نصحهم بالذهاب إلى الطبيب في حالة تفاقم الأعراض. وفي ذات السياق أفادت ذات المتحدثة، أن اللحوم المفرومة تزيد بها عدد الميكروبات في الغرام الواحد على مليار ميكروب، مقارنة باللحوم الأخرى، أي توجد 9 أنواع من الميكروبات تسبب التلوث الغذائي، ولعل من أبرزها تلوث اللحوم أثناء السلخ، بسبب الأدوات، الأيدي، الأرضية، الماء الملوث الهواء، وحتى العاملون في تصنيع منتجات اللحوم يجهلون الشروط الصحية الواجب اتباعها أثناء التجهيز، الطهي أو التقديم. ومن جانب آخر أوضح الطبيب بن أشهوا أن اللحوم المجمدة المفرومة لا تفقد قيمتها الغذائية على غرار اللحوم العادية، بالرغم من أنها رخيصة الثمن، إلا أن قيمتها تنقص لما يتم إدخالها إلى الثلاجة مرتين أو أكثر. اللّجنة الوطنية للحوم تدعو إلى التوعية لحماية المستهلك حذر جمعة بلال رئيس اللّجنة الوطنية للحوم، من مشكل التسممات التي كثر ضحاياها، نتيجة الاستهلاك العشوائي لهذه اللحوم المجمدة المفرومة، مشيرا إلى أن بعض التجار لا يحترمون شروط حفظ وبيع هذا النوع، غير مبالين بحجم المخاطر التي قد تعرض المستهلك للخطر، وخاصة هذا النوع من اللحوم الذي يتطلب حفظه في درجة برودة لا تقل عن 30 درجة تحت الصفر، في حال حفظه لمدة سنة، كما يتطلب درجة برودة 18 درجة تحت الصفر في حالة بيعه بشكل يومي، كما تتطلب هذه اللحوم أدوات حفظ خاصة للحفظ على رأسها البراد المجمد، والمقص الكهربائي. ودعا في ذات الشق كل مواطن إلى اتخاذ الحيطة عند استهلاك اللحوم العادية بدل المجمدة والتي قد تعرض المستهلك لخطر التسمم في حال افتقادها لشروط الحفظ والبيع عند الطحن مثلا وإعادة إدخالها في المبرد مرة ثانية بعد إخراجها منه أو وضعها تحت الشمس. مديرية التجارة.. رقابة مكثفة ومتابعة مستمرة رغم كل التدابير الاحتياطية والعقابية المعلنة من قبل وزارتي الفلاحة والتجارة، فلا أعوان المراقبة تمكنوا من قمع جشع التجار، ولا المصالح الطبية، فالسياسة الحالية أضحت تنعت بالعرجاء، طالما أن الاقتصاد أضحى قائما على الضرائب، والزيادة في الضرائب تشجع كبار المستوردين. فالمنظومة الضريبية، أدت إلى إضعاف القدرة على الإنتاج وعلى تشجيع استيراد اللحوم المجمدة، هذه الأخيرة التي استطاعت إغراق السوق وفرض أسعارها المعقولة، بالرغم من أن المؤهلات المناخية ومساحات المراعي الواسعة تكفي لتحقيق الاكتفاء الذاتي والتصدير، إلا ان توجه الحكومة وأجهزتها إلى إعادة النظر في سياسة الإنتاج الحيواني كل سنة، يعتمد على حلول ترقيعية وظرفية. وفي ذات الشأن أوضح ''بوعلجة إسماعيل'' رئيس مصلحة الغش بمديرية التجارة، انه توجد متابعة دائمة للتأكد من صلاحية المنتج، من خلال اشتراط الوزارة على التجار عند استيرادهم اللحوم الحمراء المجمدة، استيفاء جميع الأوراق الثبوتية اللازمة ضمن مواصفات معمول بها عالمياً، كشهادة المنشأ من الدولة التي تم استيراد المنتجات منها، وشهادة طبية تحدد مواصفات المنتج، لأن هناك دولا يمنع استيراد لحومها كالتي تعاني جنون البقر، مرفقة بشهادة الذبح بطريقة شرعية ''حلال'' إن كانت هذه اللحوم مستوردة من الدول الأوروبية، أما إذا كانت اللحوم المستوردة من الدول الإسلامية، فلا نطلب منهم شهادة الذبح ''الحلال''، وكذا المطالبة بتاريخ إنتاج وانتهاء الصلاحية. وإن توفرت كل هذه الشروط بعد مراقبة المنتوج المستورد الذي يأتي في حاويات التبريد، وفي درجات تبريد لا تقل عن ثماني عشرة درجة، كما تكون مرفقة بمؤشر حراري المسمى ''موشار'' مشمع، يقيس درجة تبريد اللحوم، وخاصة إذا تعرضت إلى عملية انقطاع سلسلة التبريد داخل حاويات، فتفسد خلال عملية النقل أو التخزين صولا إلى ميناء العاصمة، فيتم إرجاعها من حيث أتت، لأنها تشكل خطرا على المستهلك، وإن توفرت الشروط هنا تمنح للمستورد رخصة دخول المنتوج، ليتم وضعه في غرف التبريد سواء كانت ملكا له، أو تم كراؤها من عند أحد الخواص. مصالح قمع الغش والرقابة لولاية الجزائر تسجل 293 تدخل وغلق 3 محلات وتحرير 112 محضر رسمي للمتابعة القضائية كشف رئيس مصلحة الغش بمديرية التجارة بوعلجة إسماعيل ليومية ''الحوار'' أن فرق الممارسات التجارية وقمع الغش بمديرية التجارة قد سجلت، في آخر حصيلة تدخلات، حوالي 1733 تدخل عبر مختلف نشاطات القطاع، أسفرت في مجملها عن غلق 59 محلا تجاريا، وتحرير 658 محضر رسمي للمتابعة القضائية، أغلبها لتجار ومطاعم الأكل السريع، الذين يتلاعبون بصحة المستهلك في شروط تنعدم فيها النظافة أو المقاييس المعمول بها، والتي تهدف بالدرجة الأولى لحماية المستهلك خاصة من الأخطار التسممات الغذائية. ففي محلات بيع اللحوم الحمراء والبيضاء تم تسجيل 293 تدخل أسفرت على تحرير 112 محضر للمتابعة القضائية، وغلق 3 محلات، فضلا عن إعذارات وجهت إلى عشرات المحلات من المرتقب أن تشهد نفس السيناريو في حالة ما لم تعمل على تحسين شروط البيع السليم واحترام قواعد النظافة. مضيفا ''بالنسبة إلى المطاعم والأكل السريع سجل 536 تدخل أسفر عن تحرير 235 محضر قضائي،حولت جلها إلى المحاكم المختصة للنظر في شأنها، إلى جانب غلق 21 مطعما وتسجيل 108 تدخل، حرر بمقتضاه 59 محضرا''. 40 بالمائة من المواد الاستهلاكية في أسواقنا غير مطابقة للمواصفات القانونية ومن جهة أخرى كشف إسماعيل بوعلجة، أن ما يعادل 40 بالمائة من المواد الاستهلاكية التي تعرض في الأسواق غير مطابقة للمواصفات القانونية، مما ينجم عنها تسممات خطيرة، تهدد حياة المستهلك، وتأتي في مقدمة المواد الغذائية المسممة بنسبة 48 بالمائة، ثم اللحوم ب35 بالمائة، وأخيرا الحليب ومشتقاته بنسبة 18 بالمائة. ونظرا لذلك أصدرت وزارة التجارة قانونا تجاريا جديدا يحمل رقم 09-03 والصادر بتاريخ 25 فبراير، والمتعلق بحماية المستهلك وقمع الغش، والذي تنص معظم مواده على اتخاذ إجراءات ردعية تفرض على كافة المخالفين لقانون النشاط التجاري خلال عرض مواد فاسدة أو المنتهية الصلاحية وذلك حفاظا على أمن وسلامة صحة المستهلك، كما يحدد قواعد تحضير اللحوم المفرومة عند الطلب ووضعها للاستهلاك. فالمادة 2 منه: يجب تحضير اللحوم المفرومة عند الطلب فورا، بطلب المستهلك وتحت رؤيته، ويمنع تقطيع أجزاء اللحم مسبقا إلى قطع صغيرة لغرض تحضير اللحوم المفرومة عند الطلب. والمادة 4 تشير إلى تحضير اللحوم المفرومة عند الطلب فقط، من لحوم البقر والغنم والماعز والإبل والخيل الطازجة والسليمة والخالية من الأحشاء والأنسجة الدهنية الاحتياطية، الأغشية العضلية، السقاط، بقايا تنقية اللحوم، جروح النزف، الأجزاء ذات الألياف الوترية ولحم الرأس. المادة 6 يجب أن تخزن اللحوم الموجهة للفرم عند الطلب، في غرفة التبريد تحت درجة حرارة تتراوح ما بين 0 و3 درجة مئوية، وهذا حتى وقت فرمها. غرامات مالية.. سجن مؤقت من 10 سنوات إلى 20 سنة ومؤبد لمرتكبيها قال بوعلجة إسماعيل إن هذا القانون الجديد، يجبر التاجر على دفع غرامات مالية، فالمواد 4 و5 التي تنص على احترام إلزامية سلامة المواد الغذائية بعاقب من المادة 71 من نفس القانون والمتعلق بحماية المستهلك وقمع الغش، تحدد قيمة الغرامة المالية والتي تتراوح ما بين 200 ألف دينار إلى 500 ألف دينار، موضحا إذا تسبب المنتوج في مرض غير قابل للشفاء أو فقدان عضو أو إصابة بعاهة مستديمة، يعاقب بالمادة 83 من نفس القانون التي تنص على السجن المؤقت من 10 سنوات إلى 20 سنة، وغرامة مالية من مليون دينار إلى 2 ملايين دينار، وفي حال ما تسبب المنتوج في وفاة شخص أو عدة أشخاص يعاقب بالمادة 85 من نفس القانون والسجن المؤبد.