قرار مصر بإلغاء تأشيرة الدخول على الجزائريين، والسماح لهم بدخول تونس دون الحاجة إلى جواز سفر، بقدر ما يرحب بهما شعبيا، ينبغي أن يحتاط لهما على المستوى الرسمي من أجل حماية الجزائريين من عبث للمجاميع الإستخباراتية الغربية والإسرائيلية التي تستبيح اليوم بلدان الربيع العربي. القرار الذي اتخذه الأشقاء في تونس ومصر بالسماح لدخول الجزائريين من غير حاجة إلى جواز سفر في الأولى، وبلا تأشيرة في الثانية فيه ما يثلج الصدر، ويبعث على الارتياح لو أنه جاء في عير الظروف التي تمر بها تونس ومصر، ولولا مخزون الريبة من تقلب الأمزجة عند الحكومات العربية الذي تعودنا عليه في العقود الماضية. فقد اعتاد الجزائريون على أنواع من المعاملات السيئة من الكثير من أشقائهم العرب، لم نكن نجد لها تفسيرا منطقيا لا في ما يمكن أن ينسب للجزائريين ظلما من سلوك غير محمودة ولا في سلوك السلطات الجزائرية تجاه الزوار والرعايا العرب. فقد اعتادت الجزائر مع العرب ومع غير العرب ومع غير على احترام مبدأ المعاملة بالمثل، وكلن المواطن الجزائري لا يفهم سلوك الإدارات والمصالح الأمنية في كل من مصر وتونس، وكثيرا ما تم الاعتداء عليه من قبل الإدارات الملكية في هذين البلدين تحديدا ومعها جانب من الإعلام الحكومي والخاص الذي كثيرا ما تعامل بكثير من الشوفينية من الجزائر والجزائريين، ولم يكن يشتكي من تصرفات لا المواطن المصري ولا المواطن التونسي، بل كان يثني على الشعبين. يذكر الجميع وقائع اللقاء الكروي المشئوم بين الزائر ومصر والذي حوله النظام والإعلام المصري إلى فرصة للسب والقدح في شرف بلد مجاهد مثل الجزائر، ولم يكن النظام الساقط وحده من أساء إلى الجزائر وإلى رموزها، بل شاركته شريحة واسعة من المثقفين والفنانين ورجال السياسية من هم اليوم في الصفوف الأمامية لما يسمون بالثوار. كما أن الاعتداءات الكثيرة التي تعرض لها الجزائريون في تونس الشقيقة لم تجد من قادة النظام الجديد بجميع مشاربه الفكرية والسياسية أب تنديد أو استنكار، بما يميل اليوم بالجزائريين إلى التعامل بكثير من الشك والريبة مع القرار المتخذ في البلدين حتى مع الترحيب به، واعتباره خطوة نحو إزالة العوائق أمام تنقل المواطنين العرب بكل حرية كما هو حال الأوروبيين وله من الأسباب الكثيرة التي تنمي عنده هذا الشعور، وتدفع به إلى التعامل معه بكل حذر وإخضاعه إلى اختبار الزمن وزمن الأزمات. القرار التونسي والمصري قد تكون له دوافع موضوعية مشتركة، وأخرى تختلف من بلد إلى آخر. فمما لا يخفي على أحد أن تونس ومصر، وهما بلدان تساهم فيهما قطاع السياحة بأكثر من عشرة في المائة من الدخل القومي الخام يواجهان ركودا خطيرا في هذا القطاع له صلة بالانفلات الأمني الذي حدث بعد ثورات الربيع العربي، كما له صلة بالأزمة الاقتصادي التي تعصف اليوم بأوروبا ودول اليورو، وأن البلدين بحاجة إلى تعويض نقص تدفق السياح الغربيين بتشجيع السياح العرب وكأن السائح العربي لا يلتفت إلى أمنه وإحساسه بالأمان، ولا يخشى عليه لا من حالات البلطجة الشائعة اليوم في البلدين، ولا من الفلتان الأمني الذي يشتكي منه المصريون والتونسيون قبل الأجانب. غير أنه إذا كان القرار المصري بإلغاء التأشيرة على دخول الجزائريين يتوقف عند حدود تشجيع السائح العربي من الدول العربية ذات الدخل العالي فإن القرار التونسي له أوجه أخرى بعضها محمود له صلة بالدور الذي يريد أن يلعبه الرئيس التونسي السيد المرزوقي في إعادة تحريك مياه المغرب العربي الراكدة، وكانت فكرة إعادة فتح الحدود أمام حركة رؤوس الأموال والإفراد على رأس المهام التي حددها لتحريك قطار الإتحاد المغاربي، فإن القرار الذي لم يسبقه تنسيق ثنائي وتشاور واسع مع الحكومة الجزائرية قد لا يصمد كثيرا أمام الواقع، وقد لا يلزم الجزائر بالتعامل معه بجدية وتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل، خاصة وأن الأوضاع في كل من تونس ومصر غير مستقرة ولا تشجع في كل الأحوال على الرد بإيجابية على القرارين. فالجزائر المحاطة اليوم ببؤر مضطربة كثيرة على تخوم حدودها شرقا وغربا وجنوبا، مع الانفلات الذي حصل بعد سقوط النظام في ليبيا وسيطرة المجاميع المسلحة على الوضع في ليبيا وتدفقها نحو الصحراء الكبرى لا يسمح لبلد يحترم أمنه أن يبادر إلى فتح حدوده دون اتخاذ التدابير الأمنية اللازمة، والاطمئنان قبل ذلك على مقدار سيطرة الحكومات الجديدة على الوضع الأمني، وعليه لا يمكن أن يطالبها أحد بالمعاملة بالمثل إلى أن تستقر الأوضاع ويستتب الأمن. وهي مع ذلك لن تمنع مواطنيها من الاستفادة من هذه القرارات لمن شاء منهم ما دامت تحتفظ بحق الرقابة على حدوده ومعابرها، حتى وإن كانت الحكمة تقتضي أن ينظر إلى هذا الاحتضان الفجائي بقدر من الريبة والتشكيك. فالجزائر التي دفعت الكثير في سبيل محاربة الهجرة السرية وظاهرة الحراقة بفترض أن تتخوف من تقلق كثيرا من أن يتحول الاتجاه إلى الفضاء التونسي ومنه إلى الفضاء الليبي الذين يوفران اليوم أفضل معبر لجموع الحراقة، كما أن التدفق الذي سينتج عن القرارين قد يساعد على تشكيل شبكات جديدة للتهريب والإتجار بالمخدرات والممنوعات، فضلا عن الإخطار الأحرى التي لها صلة بانتشار الواسع للمجاميع الإستخباراتية الغربية والإسرائيلية في مصر وتنس وليبيا والتي تعمل جهارا في عملية تجنيد واسعة للشباب العربي سوف ندفع ثمنها لا حقا. ومع الترحيب الشعبي بالقرارين خاصة في هذا الوقت الذي يزداد فيه التشديد على حركة الأفراد تجاه أوروبا فإن واجب الاحتياط يفرض على الحكومة الجزائرية مرافقة القرار باتخاذ إجراءات احترازية مسبقة ما دامت لا تملك ولا ترغب في منع الجزائريين من التنقل بكل حرية في اتجاه البلدين الشقيقين.