الجزائريون هم الأقل عزوفا عن زيارة تونس بعد الثورة عرف قطاع السياحة في المنطقة العربية ركودا ملموسا خلال الموسم الجاري، بسبب الثورات العربية التي أثرت سلبا على الأوضاع الأمنية بمنطقتي شمال إفريقيا والشرق الأوسط. ولمعرفة مدى تأثير أولى “الثورات العربية” المعروفة باسم “ثورة الياسمين” التونسية، على قطاع السياحة في الدولة الشقيقة، كان لنا هذا الحوار مع ممثل الديوان الوطني السياحي التونسي في الجزائر، السيد فوزي بصلي. في البداية نود أن تكلمنا عن مدى تأثير ثورة الياسمين التي قام بها الشعب التونسي للإطاحة بنظام زين العابدين بن علي على قطاع السياحة، في ظل الظروف الأمنية الصعبة التي مرت بها معظم المدن التونسية، خاصة أن هذا القطاع يعد رئة الاقتصاد الوطني التونسي؟ في الحقيقة معادلة السياحة هي الأمن، فبدون توفر الأمن لا يمكن قيام قطاع سياحي أو تطويره، لأن الظروف الأمنية تعد أهم عنصر في تطوير القطاع، وخلال السنة الجارية واجهت تونس صعوبات كبيرة بسبب الثورة التي عرفتها في بداية السنة، وبسبب الانفلات الأمني الذي عرفته خاصة بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي، فهذه الأوضاع دفعت وكالات السياحة والأسفار العالمية إلى تفادي الوجهة التونسية حفاظا على أمن وسلامة السياح الأجانب الذين أبدوا تخوفهم من زيارة تونس رغم تعلقهم الشديد بها، لكني أعتقد أن المسالة هي قضية وقت فحسب.. بدليل أن قطاع السياحة أضحى يتطور شيئا فشيئا رغم أنه ليس بالنسق المطلوب إلا أنه يبقى مقبولا بالنظر إلى الأوضاع الأمنية، وحقيقة فقد انخفض عدد السياح المتوافدين على المدن السياحية التونسية خلال الموسم الجاري بنسب متفاوتة بحسب الأسواق، إلا أن السياح الأوربيين هم الأكثر عزوفا عن زيارة تونس، حيث وصل عدد تراجع السياح الأجانب في بعض الأسواق الأوروبية إلى 70 بالمائة على ما كانت عليه خلال السنة الماضية، كما عرفت السوق الجزائرية تراجعا هي الأخرى خلال 2011 التي تعد السنة الوحيدة التي تعرف فيها تراجعا في عدد السياح الجزائريين المتوافدين على تونس، وذلك بنسبة تراوحت ما بين 30 و35 بالمائة، وهي تعد أقل نسبة مقارنة مع باقي الأسواق العربية والأوروبية. وإذا تكلمنا بلغة الأرقام، سيدي، هل لكم أن توضحوا لنا مدى تراجع عدد السياح الأجانب المتوافدين على تونس خلال الموسم السياحي الجاري بالأرقام، خاصة منهم السياح الجزائريين الذين أضحوا في الثلاث سنوات الأخيرة يفضلون الوجهة التونسية لقضاء موسم الاصطياف؟ في الواقع، بلغ معدل تراجع نسبة توافد السياح الأجانب على تونس خلال الموسم الجاري حدود 45 بالمائة بصفة عامة، وأعتبر أن هذا الرقم هو رقم كبير جدا كونه يمثل تقريبا نصف عدد السياح الذين يزورون تونس سنويا، وهي خسارة كبيرة وضربة قاسية لقطاع السياحة التونسي، وهو ما أثر سلبا على مداخيل الخزينة العمومية خاصة بالعملة الصعبة التي تراجعت بنحو 50 بالمائة. كما تسبب ركود قطاع السياحة في إحالة آلاف العمال على البطالة التقنية خاصة في قطاع الصناعة التقليدية، حيث سجل هذا المجال أعلى نسبة من البطالة بسبب توقف نشاط عدد كبير من الحرفيين الذين يؤمنون مداخيلهم من بيع منتجاتهم التقليدية للسياح الأجانب، كما أنعشت السياحة قطاعات ونشاطات مصغرة كصناعة الفخار، الحلاقة، الرسم وحرفيي الوشم الذين يستقطبون شريحة متميزة من السياح من عشاق الوشم المعاصر أو”الحرقوس”، كما يطلق عليه التونسيون. أما فيما يتعلق بعدد السياح الجزائريين الذين توافدوا على تونس خلال الفترة الممتدة ما بين شهر جانفي وسبتمبر المنقضي، فقد بلغ عددهم أكثر من 450 ألف سائح جزائري، أي بانخفاض يقدر بنحو 37 بالمائة مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية، حيث قدر عددهم بنحو 700 ألف سائح.. لكن المؤشرات الإيجابية في السوق الجزائرية رجعت خلال شهر سبتمبر مباشرة بعد انقضاء شهر رمضان، حيث فضّل بعض الجزائريين تمديد موسم الاصطياف بقضاء عطلة إضافية خلال شهر سبتمبر، هذا لا يعني أن الجزائريين لم يزوروا تونس خلال شهر رمضان، فالإحصائيات التي وصلتنا من الديوان الوطني للسياحة التونسي تؤكد بعض العائلات الجزائرية فضلت كسر روتين شهر الصيام بقضاء عطلة تراوحت مدتها بين أسبوع و10 أيام في تونس، خاصة أنها دولة إسلامية لا يحس فيها الجزائريون بفرق كبير عن قضاء الشهر الفضيل ببلادهم، هذا رغم محافظة المجتمع الجزائري وتمسكه بالتقاليد، وهو ما أعتبره أمر إيجابيا، لأن الجزائري أضحى يشعر وكأنه ببلاده بمجرد أن تطأ قداماه الأراضي التونسية. وقد سجلنا، حسب الإحصائيات، توافد 47 ألف سائح جزائري على تونس خلال شهر رمضان مقابل 50 ألف سائح خلال نفس الفترة من العام الماضي، ما يعني أن التراجع لم يكن كبيرا وإنما بشكل طفيف جدا، ما يعني أن تونس خسرت حوالي 3 آلاف سائح جزائري خلال شهر رمضان الفارط. في تصوركم للقطاع السياحي التونسي خلال السنوات القليلة المقبلة، هل تتوقعون رجوع المياه لمجاريها واسترجاعه للانتعاش المعهود، خاصة المسجل خلال سنة 2010 التي كانت سنة ذهبية بالنسبة للسياحة التونسية؟ في الحقيقة نتوقع أن بداية تعافي قطاع السياحة التونسي سيكون في مطلع 2012، إلا أنني سأكون واقعيا فلا أتصور أن يعود إلى ما كان عليه سابقا بهذه السرعة، إلا أنه سيكون بنسق تصاعدي إلى غاية 2013 و2014، وأعتقد أن سنة 2013 ستكون سنة سياحية جيدة بالنسبة إلى تونس، خاصة أن جميع المؤشرات تؤكد أن قطاع السياحة سينتعش مجددا، فالأوضاع الدولية التي عرفها العالم بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وحرب الخليج في 2003 شكلت هزات عنيفة لقطاع السياحة العالمي بسبب تخوف الأشخاص على حياتهم وممتلكاتهم، وسجل القطاع أكبر ركود في الألفية الجديدة بسبب الظروف الأمنية، إلا أنه بمجرد التحكم في الوضع الأمني العالمي انتعشت السياحة العالمية مجددا. وفي نهاية العام الجاري بدأ قطاع السياحة في تونس ينتعش بمعدلات مقبولة إلا أنني أعترف أنه يصعب الرجوع إلى ما كان عليه خلال العام الماضي خاصة. مباشرة بعد سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، أصبحنا نسمع حكايات وروايات أبطالها قطاع طرق وسياح أجانب، بمن فيهم السياح الجزائريين، الذين تعرضوا إلى مختلف المخاطر على حياتهم وممتلكاتهم. ما مدى صحة هذه المعلومات ؟ = نعم بطبيعة الحال، كنا نسمع نحن أيضا عبر مختلف المصادر الإعلامية عن قصص عن اختطاف العرائس وسرقة ممتلكات السياح، لكني اليوم أفند مرارا وتكرار كل ما تم تداوله في بعض الصحف التي تسعى لضرب قطاع السياحي التونسي لصالح أطراف أخرى، وأؤكد للقراء الكرام أن تونس آمنة وليست ملاذا آمنا لقطاع الطرق، كما تسعى بعض المصادر للترويج له. وأطمئن السياح أن كل ما نشر أو قيل هي مجرد إشاعات يراد منها كسر السياحة في تونس. لمعرفة مدى تأثير ثورة الياسمين على قطاع السياحة، هل لكم أن توضحوا لنا مدى مساهمة القطاع السياحي في الاقتصاد الوطني التونسي؟ تونس ترتكز بصفة كبيرة على قطاع السياحة، خاصة إذا علمنا أنها تؤمّن تقريبا 8 في المائة من الناتج القومي الخام، وتدر على تونس أكثر من 20 بالمائة من قيمة العملة الصعبة، كما يوفر القطاع السياحي أكثر من 450 ألف منصب شغل مباشر وغير مباشر، ما يجعله مصدر عيش لنحو 2 مليون تونسي أي خمس سكان البلاد، إلى جانب أنه منشط لقطاعات أخرى كالصناعة التقليدية والفلاحة. ويأتي المرتبة الثانية بعد قطاع النسيج في تأمين مداخيل العملة الصعبة. بحكم تواجدكم بفرع السياحة في السفارة التونسيةبالجزائر، كيف تتوقعون مستقبل بلادنا السياحي في ظل المؤهلات الطبيعية والبشرية الهائلة التي تتوفر عليها يقابلها نقص في المنشآت القاعدية والفاعلين الحقيقيين لتطوير القطاع؟ في الواقع، الجزائر تحتكم على موارد طبيعية ومدن سياحية هائلة تمكنها أن تصبح قطب سياحي في منطقة شمال إفريقيا والحوض المتوسطي بصفة عامة، وأطن أن القرار السياسي لتطوير السياحة موجود فعلا لدى الحكومة الجزائرية بدليل تسطير مخطط تنموي يمتد إلى غاية 2025، تبقى مشكلة توفر الفاعلين الأساسيين الإرادة والثقافة السياحية خاصة لدى الشعب، فيجب خلق وعي بمدى أهمية قطاع السياحة بالنسبة للاقتصاد، وهذه المشكلة واجهتها تونس خلال السبعينيات حين كان التونسيون يعتبرون العمل في قطاع السياحة أمرا “محرما” ويمس بشرف العائلات إلا أنه في الوقت الراهن أضحى المواطن التونسي يعي مدى أهمية المنشآت القاعدية وخدمتها للسياحة، بدليل أنه خلال ثورة الياسمين تفادى الثوار والمحتجين تخريب الفنادق والمطاعم كونهم واعين بأهميتها في تأمين قوت ملايين العائلات التونسية. كيف ترون تونس خاصة فيما يتعلق بالقطاع السياحي بعد نظام بن علي، وهل تتوقعون أن الحكومة الجديدة ستحمل استراتيجية تنموية تهدف لتطوير القطاع السياحي للاعتماد عليه أكثر في ترقية الاقتصاد الوطني التونسي؟ بدون شك، أظن أن الحكومة الشرعية التي سيتم انتخابها قبل نهاية السنة الجارية ستعمل على إعطاء أهمية أكبر للقطاع السياحي، وذلك من خلال تطوير مشروع عمل يقوم أساسا على البرامج الإشهارية. كما أنه من الضروري تغيير أسلوب التوجه إلى السائح الأجنبي، فلابد من البحث عن منتجات سياحية جديدة وتنوعها لاستقطاب عدد سياح أكبر واسترجاع السياح الذين فقدتهم تونس في الآونة الأخيرة مباشرة بعد الثورة. كما أتوقع تخصيص ميزانية أضخم للقطاع بداية بالإشهار وتنمية المدن التونسية الجنوبية، إلى جانب استحداث هياكل ومنشآت جديدة تضاف إلى 800 نزل الذي تتوفر عليه تونس بطاقة استيعاب تتجاوز 240 ألف سرير. كما ألفت لكم أنه بعد فرار بن علي، ظهرت شخصيات جديدة أبدت رغبتها بالاستثمار في قطاع السياحة بتونس، وأتوقع أن يصبح قطاع أهم بالنسبة للاقتصاد الوطني لأنه إلى حد الآن لم تقم السياحة بالدور الأساسي لها، كون نظام بن علي السابق لم يعط الأهمية اللازمة لتنشيط السياحة والاستفادة من الإمكانيات المتاحة، وأتوقع أن يخدم النظام المقبل السياحة التونسية بشكل أكبر، خاصة إذا علمنا أن عددا كبيرا من الفنادق كان ملكا لعائلة الطرابلسي والموالين للنظام الفاسد.. فتغيير القيادة والنخبة في تونس سيخدم بشكل أكبر القطاع. كما تجدر الإشارة إلى أن نسبة الاشتغال في النزل لا تتجاوز 52 بالمائة خلال السنة، وهي نسبة غير كافية طالما أن الإمكانيات متوفرة، فيجب الوصول إلى نسبة تتجاوز 75 بالمائة خلال السنوات القليلة المقبلة. وفي الأخير أوجه دعوة لجميع الجزائريين لزيارة المدن السياحية التونسية، بداية بسوسة، جزيرة جربة، الحمامات المهدية، وغيرها. وأطمئن القراء أنه تم التحكم في الأوضاع الأمنية في تونس ولا تشكل أي تهديد من أي نوع كان.