تمّ عشية اول امس و خلال الأمسية الخامسة من المهرجان الدولي للسينما بالجزائر العاصمة عرض الفيلم الوثائقي الذي أحدث ضجة كبيرة عند عرضه أوّل مرة بفرنسا خاصة لدى اليهود ، و هو الفيلم الذي تناول جانبا من نضال المفكر الذي شارك في تحرير مسودة الإعلان العالمي لحقوق الانسان ، مؤيد القضية الفلسطينية " ستيفان هيسل " لمخرجته الفرنسية " كريستين سيفيزي " و المعنون " قصة تقدمي " . فخلال 52 دقيقة رصد الوثائقي محطات من حياة و نشاطات " هيسل " بفرنسا و الأراضي الفلسطينية و بعض دول العالم ، موضحا إيمانه بلوائح حقوق الانسان و طريقة تفكيره حول ما يعيشه المستضعفون في العديد من بقاع العالم ، مع دعواته لإعادة الاعتبار الى المقاومة ودعوته الشباب الى التعبير عن سخطه، مستوحياً وداعياً الى رفض الاستبداد وخطر الأمركة والليبرالية المتوحشة وديموقراطية السوق ، وترجع المخرجة مع " هيسل " إلى ذكرياته عن والده ووالدته، فهو من مواليد برلين (1917)، من والد من أصل بولندي و أم ألمانية بروتستانية ، و عاش في عائلة من الأدباء والمثقفين والفنانين ، و كان قد انخرط في المقاومة الفرنسية وذاق طعم معسكرات الاعتقال النازية بين "يوخنفال ودورا" وشارك في تحرير لائحة حقوق الانسان (1948) ، و جاء على لسان " هيسل" في الفيلم الوثائقي أنه كان معجباً ومغرماً بوالدته كثيراً وكان يعتبرها حبه وشغفه الكبير، و اعتبرها واحدة من ثلاث نساء لهنّ أثر في حياته إضافة إلى امرأته الأولى التي توفيت بالسرطان العام 1986 وزوجته الثانية. و يستمر اللقاء مع " ستيفان هيسل " في الأراضي المحتلة بفلطسن أين زار أطفال بمخيم " جريكو" ، و جلس إلى المسؤولين هناك مستمعا لمعاناتهم و منسجما مع مشاغلهم و نضالهم برفقة زوجته ، و في لسانه دائما جملة " أنا أتمنى بأن تتحقق مواد ميثاق الأممالمتحدة وشرعية حقوق الانسان حتى نتمكن من بناء عالم السلام الذي ما زلنا بعيدين عنه حتى في فرنسا " ، و كان في كل مرة خلال الفيلم يؤكد إنه مع دعم ثقافة السلام وحقوق الانسان و الوقوف في وجه جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية في نواح عديدة في العالم ، و صوّرت " كريستين سيفيزي" " هيسل " أنّه سفير فوق العادة للمظلومين ، فقد تكلم هو هن نفسه كثيرا معتبرا أنّ همه الوحيد هو الوصول إلى موقف انساني جماعي رافض للاستغلال ، وبمعايير تنطبق على الجميع ، و حسبه ، هكذا نصل باللحظة "التاريخية" الانسانية الى لحظة وجودية لانتفاضات شبابية ضد سيطرة النظم السائدة ويتحقق توازن انساني جديد بين شعوب العالم مجتمعة ، وعلى أسس المساواة المفتوحة بين الناس وعلى عوالم من الحرية أكثر من عوالم الأمن، والسلام بدل الحرب، والصدق والكرامة والعدالة الانسانية. و غاب عن الفيلم الوثائقي الإعتماد على الأرشيف كما جرت عليه العادة ، و حسب المخرجة فقد كان ذلك خيارا مواتيا لنظرتها حول الموضوع ، و بررت ذلك بأنّ الشخصية المتحدث عنها لا تزال على قيد الحياة ، و إنّ هذه هي الطريقة الملائمة من أجل طرح عدد كبير من الأسئلة التي ستقود إلى البحث أكثر في شخصية و نضال " ستيفان هيسل " ، الذي لا يزال لسان المستضعفين في العالم والمهمشين من دون تردد ولا خوف ، مستوحياً قناعته من مقولة الفيلسوف جان بول سارتر: حين يبدأ الانسان بالاحتجاج يصبح أكثر جمالاً". و ركزت المخرجة طوال فيلمها على نضال " هيسل " من أجل تحقيق حلمه بقيام دولة فلسطينية ، حيث يقول " هذا ما أريده وأرغب فيه قبل الانتقال الى الطرف الآخر والضفة الأخرى من العالم " ، و تّأتي الخاتمة بتصوير معاناة الفلسطينين مع الجدار التمييز البشري الاسرائيلي ، و شهد له في الوثائقي ثلاثة ممن عايشوه ، و كان ذلك خلال لقاء سفراء فرنسا بالوزير " برنار كوشنار " آنذاك ، و جاء في الشهادات أنّ الرجل هو من الداعين لحركات الاحتجاج والتظاهرات السلمية و التعبير عن السخط من الليبرالية الوحشية ودفاعه ونضاله من أجل البيئة والأمل والحرية والعدالة الانسانية ، و أعاب العديد من الصحفيين على المخرجة لأنها لم تجمع العدد الكافي من الشهادات الحية حول " ستيفان هيسل" . للتذكير ، فأيام الفيلم الملتزم التي تدخل في إطار فعاليات مهرجان الجزائر الدولي للسينما ، متواصلة إلى غاية ال 13 من ديسمبر الجاري في كل من متحف السينما ، قاعة ابم زيدون ، و قاعة فرانتز فانون التي تحتضن اللقاءات و النقاشات الخاصة بالأفلام المعروضة .