نتطرق في هذا الحوار مع العائد من سوريا عزيري عبد الرؤوف مدير يومية "المسار العربي"، إلى جملة من المسببات التي دفعت إلى تأزم الوضع في سوريا، نافيا في معرض حديثه ما تبثه البعض من القنوات الإخبارية متهما إياها ب"التضليل و الفتنة و الإرهاب الإعلامي المُمنهج و الموجه بأموال أمراء الخليج من قطر إلى السعودية". المسار العربي: كيف هي سوريا بعيدا عن ما تبثه الفيديوهات على شبكات الأنترنيت و وسائل الإعلام؟ عزيري عبد لرؤوف: سوريا صامدة وواقفة و هي تقاوم، الظلاميين و أعداء العروبة و عملاء إسرائيل و أمريكا، فسوريا ليس كما تسوقها بعض و سائل الإعلام، على أنها على وشك الإنهيار، بل بالعكس الدولة السورية موجوة في كل مكان، و الأمور تسير بشكل عادي، فعلى سبيل المثال أنني تجولت في مشق ووجت ليلها كنهارها، و كأنها ليست في حالة حرب، فالشوارع نظيفة بشكل غير طبيعي، و المحلات مفتوحة و كل السلع متوفرة، وكل شيء يسير بشكل طبيعي.
المسار العربي: إذا كانت سوريا كما قلتم ، فمن أين أتت تلك الفيديوهات و الأخبار المتداولة عن أزمة سوريا الدامية، و ماذا عن قصف الطائرات السورية للمواطنين؟ عزيري عبد الرؤوف: صحيح ما يتداول من فيديوهات و صور حول الحرب في سوريا، و لكن هي في أربعة أو خمسة محافظات، من بينها، حمص، حماه، حلب، ير الزور، وعيرها من المناطق الساخنة، ولكن سوريا تتضمن 14 محافظة، بمعنى أن الحرب لا تشمل كل سوريا و إنما محصورة في تلك المناطق الحدودية. أما عن قضية قصف الطائرات، فهذه مسألة أخرى تدخل في إطار الحرب الإعلامية التي تقودها قوى الاستعمار و العملاء ضد الدولة السورية شعبا و سلطة، و الحقيقة أن ما يروج حول قصف الطيران للأحياء الشعبية هو حقيقة ولكن بوجه آخر لأن المواطنين حينما يعلمون قدوم الإرهابيين يغادرون سكناتهم و أحيائهم نحو المناطق الآمنة لتصبح أحياء بل و مدن كاملة مهجورة، فالذي يحدث أن الإرهابيين يحتلون تلك السكنات و يفتحونها بعضها على بعض، و هو ما لم تنكره العربية و الجزيرة و ما شاهده الناس، فالحل الوحيد لدى الجيش السوري هو قصف تلك المناطق و القضاء على الإرهابيين المتخندقين داخلها. و أأكد أن الجيش لا يقصف الأحياء المدنية بل يقصف الأحياء الإرهابية التي احتلتها القاعدة و الإرهابيين و الوهابيين تحت لواء جبهة النصرة المسار العربي: في رأيك لماذا تأزم الوضع السوري إلا على المناطق الحدودية كما قلتم؟ عزيري عبد الرؤوف: حدود سوريا طويلة وممتدة على مسافات بعيدة مع دول الجوار فمثلا، الحدود السورية التركية يبلغ طولها أكثر من 800 كلم،و هي كلها مناطق جبلية و غابية تصعب مراقبها، الأمر الذي جعلها ملاذا آمنا للإرهابيين و كذا لإدخال الأسلحة القامة من دول الخليج بواسطة تركيا نحو سوريا. و الشيء نفسه مع حدود العراق، و لو أن السلطات العراقية ق أخذت المبادرة لمراقبة الحدود و منع تسلل الإرهابيين أو عبور الأسلحة. وينطبق الأمر كذلك على الحدود الأردنية أو اللبنانية. فعلى العموم تعتبر طول الحدود السورية مع دول الجوار من أهم أسباب تعقد الوضع، لأن جيرا سوريا لا يتعاونون معها لأسباب في نفس يعقوب. المسار العربي: على ذكر الحدود السورية اللبنانية، هل صحيح ما تتداوله بعض وسائل الإعلام عن دخول عناصر حزب الله الحرب مع الجيش السوري لقتل الشعب؟ عزيري عبد الرؤوف: أولا، أرفض تماما فكرة الجيش السوري يقتل شعبه، لأن هذا الجيش مكون من كل أطياف و فئات الشعب، ففيه إبن الفلاح و التاجر والوزير، فهو ليس جيش بشار كما يقال، بل أنه جيش الشعب، بدليل أنه يسمى الجيش العربي السوري. أما عن قضية مشاركة حزب الله في المعارك مع الجيش السوري فإن الذي حدث هو الآتي، أن منطقة القصير السورية متداخلة مع الحدود اللبنانية و فيها الكثير من الشيعة اللبنانيين، و تعرضوا لفضائع و أعمال غير إنسانية، من طرف الوهابيين، و خاصة السعوديين، فحزب الله لم يشارك في المعارك بجانب الجيش السوري و إنما الذي حدث أنه قام بتشديد المراقبة حتى يمنع فرار الإرهابيين، و دخولهم الأراضي اللبنانية، فما تسوقه بعض وسائل الإعلام مثل الجزيرة و العربية هو إفتراء و كذب، الهدف منه في نهاية الأمر خدمة أهدف آل سعود و القطريين، و بعدهم إسرائيل و أمريكا و باقي القوى الإستعمارية. و في هذا الإطار أدعو المشاهد الجزائري إلى عدم الانجرار و راء المخطط الاستعماري الصهيوني الذي تسعى من ورائه الجزيرة، ليس بعدم مشاهدة هذه القنوات و إنما بالاستماع إلى الطرف الآخر من خلال القنوات الوطنية السورية، حتى يتمكن من تقييم الأمور. ففي اعتقادي أن هاتين القناتين (الجزيرة و العربية) أصبحتا قناتين إرهابيتين، وكل صحافييها مشاركون في ذبح الشعب السوري، و هذا أمر لن يغفره التاريخ. المسار العربي: مادمت تستنكر ما تبثه البعض من هذه القنوات الإخبارية، في نظرك، هل ما يحدث في سوريا هو حراك ديمقراطي أم إرهاب؟ عزيري عبد الرؤوف: في البداية أنا لست محاميا لبشار الأسد، و لست مرافعا عن السلطة السورية، و إنما أريد فقط أن أنقل حقيقة ما رأيت، لأني سأسأل يوم القيامة بحكم أن الإعلام رسالة، و عليه، أقول أن ما يحدث في سوريا من خلال ما استطلعته من آراء المواطنين السوريين، أن ما حدث و ما يحدث الآن ليس من أجل الديمقراطية، و إنما الأمور أبعد من ذلك بكثير، فمواقف سوريا السياسية و الإستراتيجية هي سبب ما يحدث، فالدليل على ذلك أن المجازر التي تحدث يوميا يقابلها تحطيم و سرقة لمقدرات الشعب، حيث قام الإرهابيون بسرقة معامل و مصانع سوريا وشحنها في عربات و التوجه بها نحو تركيا، حيث تباع هناك أسعار لا يصدقها العقل، فق روى لي أحد السوريين، بأن وحدة إنتاجية ثمنها 200 مليون دولار قد بيعت ب 10 آلاف دولار فقط. و السؤال المطروح ما علاقة الديمقراطية بقتل أبرياء و سرقة أرزاقهم؟ فهل من يفعل هذا هو إنسان ديمقراطي أم إرهابي؟ و الإجابة هي الثانية. المسار العربي: قلتم منذ قليل أن مواقف سوريا السياسية هي سبب أزمتها، فهل نعتبر أن سوريا تدفع ثمن مساندتها لإيران في الملف النووي؟ عزيري عبد الرؤوف: بالفعل، سوريا تدفع ثمن مواقفها العربية و الإسلامية و موقفها من الملف النووي الإيراني، يعتبر جزءا من القضية، دون أن ننسى المواقف السورية المشرفة من المقاومة في جنوب لبنان، و دعمها للمقاومة الفلسطينية، و أيضا مواقفها الرافضة لإتفاقيات السلام الموقعة بين العرب و الإسرائليين. المسار العربي: هناك بعض التحاليل السياسية من قبل خبراء المنشورة على شبكات التواصل الاجتماعية، فحواها أن أزمة سوريا هو نموذج للأزمة الجزائرية في التسعينات، فما رأيك؟ عزيري عبد الرؤوف: قطعا الإجابة نعم، لأنني و أنا أعبر طريق المطار دمشق شاهدت سوريا على أنها الجزائر في سنوات الإرهاب، فالنموذج يعيد نفسه ولكن الإختلاف فقط في الزمان و المكان. و أريد أن أأكد على أن عدد الإرهابيين في سوريا يبلغ حوالي 100 ألف، 40 في المائة سوريين و الباقي من جنسيات مختلفة، من بينهم شيشانيين، سعوديين و ليبيين و يمنيون و غيرهم من الجنسيات. حيث تنحدر جنسياتهم من 28 دولة، بمعنى أن سوريا تواجه حربا إرهابية عالمية.
المسار العربي: من خلال لقائك بالمسؤولين السامين في سوريا، كيف ينظرون إلى حل هذه الأزمة؟ عزيري عبد الرؤوف: من خلال لقاءاتي بالمسؤلين إلتمست إصرارهم الشديد على معالجة الأزمة بكل الطرق و الوسائل، بالإضافة إلى المجهودات العسكرية أنشأت القيادة السورية وزارة سمتها بوزارة "المصالحة الوطنية" هدفها ترسيخ قيم التسامح و التصافح و التصالح، و لا أخفي سرا إن قلت أن العديد من المسؤولين السامين في الدولة السورية هم ضحايا العمليات الإرهابية، و مستعدون للتنازل عن شكاويهم في سبيل المصالحة، بدليل أن مفتي الجمهورية العربية السورية سماحة الدكتور أحمد بدر الدين حسون قد تنازل في قضية إغتيال نجله الطالب الجامعي، و هذا من أجل سوريا كما صرح لنا، أما السيد الدكتور علي حيدر وزير المصالحة الوطنية في سوريا، فقد تنازل بدوره عن قضية اغتيال إبنه، كما صرح أيضا نائب وزير الشؤون الخارجية الدكتور فيصل المقداد من جهته، عن استعداده لمصافحة من اختطفوا والده الطاعن في السن، حيث قال لنا أن والدي البالغ من العمر 86 سنة قد اختطف و هو مريض، و تعرض لشتى أنواع الضغط و الإهانة و لكن في سبيل سوريا يهون الغالي و النفيس، أما الرئيس بشار الأسد فقد عبر عن استعداده لعمل أي شيء من أجل أمن سوريا و بقائها قوية، و قال أنه سيمضي بالمصالحة الوطنية إلى أبعد الحدود، مؤكدا بأن لا شيء يعلو فوق مصلحة الوطن، مهما كانت الإجراءات مرة مؤلمة.
المسار العربي: كلمة ختامية
عزيري عبد الرؤوف: أتمنى من صميم قلبي أن يسود الأمن و الوئام القطر الشقيق سوريا في أقرب الآجال، متمنيا أن يعي الجميع أن لهم واجب تجاه سوريا، و أشكرك على هذا الحوار الذي أتمنى من خلاله أن أكون قد أعطيت بعضا من حقيقة المجزرة المرتكبة في حق إخوتنا و أشقائنا في سوريا.