بات الحديث هذه الأيام عن أمور الولادة ووضع المولود بحالة صحية جديدة يتبعه اختيار دقيق لنوعية المستشفيات، وعيادات التوليد بحثا عن الراحة التامة، والاطمئنان الكلي تفاديا لوقوع مآسي قد تؤدي لوفاة المراة الحامل، أو إصابة المولود بعاهات مستديمة في حالات استهزائية من قبل بعض القابلات لكثرة ما اصبحت النساء الحوامل تسمعن من قصص مخيفة حول كيفية تعامل القابلات مع النساء المقبلات على وضع مولودهن. يكفي أن تسأل أية امرأة سبق لها، و أن دخلت قسم التوليد بمستشفى عمومي عن القابلات، حتى تبدي أسفا وتذمرا من مستوى المعاملة التي لقيتها، وحتى نساء أخريات لم يسبق لهن الحمل لكنهن سمعن الكثير عما حدث لنساء من العائلة، أو إحدى الصديقات اللواتي توجهن للمستشفى للولادة، فالكلمات الجارحة، الصراخ، الصفع، أوالضرب على المؤخرة، هو ملخص بسيط من بعض التصرفات التي تمتاز بها بعض القابلات، فمنذ زمن ليس بالبعيد كانت المرأة التي سبق لها إنجاب عدد كبير من الأطفال تدخل المستشفى ودقات قلبها تتسارع خوفا من عملية الولادة فحسب، لتصبح الآن تحتاط من تعنيف القابلة لها، لاسيما إن كان الوضع المادي للمرأة الحامل لاسيمح لها بالتوجه إلى العيادات الخاصة. كراسي لدفع المولود، ونساء تلدن في قارعة الطريق تختلف القصص، والحكيات التي ترويها النساء وهن يتحدثين عن مواضيع الولادة بالمستشفيات العمومية فالتطرق لمثل هذه المواضيع سرعان ما يتكرر في كل مناسبة مولود جديد، أو السماع بحبل إحدى الزميلات في العمل و كالعادة فالقابلة تبقى البطل القاسي في أغلب تجارب الحوامل، فسعاد من ولاية بسكرة تروي حكياتها وكلها حزن على التجربة الأليمة التي عاشتها عندما فقدت مولودها قائلة "لقد ضاع مني مولودي الأول بسبب سوء معاملة القابلات لي فقد هربت من ولاية بسكرة لأنني كنت وحيدة هناك ولا يوجد من يتكفل بي وتوجهت إلى إحدى بلديات ولاية بومدراس اين تقطن أختي الكبرى لكن يا للأسف لقد ضيعت مولودي فلا أدري كان وبصحة جيدة قبل الولادة إلا أن القابلات الاتي أشرفت على عملية التوليد استعملت كرسي معدني لدفع الجنين من فوق بطني والنتيجة أنني فقدت ابني الأول، هذا ما أدخلني في حال نفسية جد صعبة أما متابعة القابلات قضائيا فلم أفعل شيئا غير البكاء". 700 امرأة حامل تموت سنويا بقاعات التوليد وتشير التقارير الأخيرة التي أعدتها وزارة الصحة وإصلاح المستشفيات بالجزائر أن أزيد من 700 امرأة حامل تتوفى سنويا في الجزائر، نتيجة تعقيدات أثناء وضع الحمل، بما يعادل 97 وفاة في كل مائة ألف حالة، على غرار الأساب الأخرى المتعلقة بالإهمال التي تبقى تحتل جانبا كبيرا من النسبة المئوية المحصاة سنويا، وكل هذه الأرقام تبقى جد مخيفة إذا اضفنا عليها تردي الأوضاع بأقسام التوليد، وضعف التجهيزات، ناهيك عن الكثير من الإهمال الذي تتقاسمه إدارات المستشفيات بالتساوي مع القابلات في ظل سوء التكفل بالحوامل التي كثيرا ما يعشن ظروفا مأسوية في ظل تعنت بعض القابلات أثناء عملية التوليد ، فكثيرا ما تصاب المرأة الحامل بتدهور في حالتها الصحية، أو يصاب المولود بعاهة مستديمة. و بين هذا وذات تجد الكثيرات من النساء نفسها مضطرة إلى الدخول في صراع قانوني مع القابلات لاسترداد حقوقهم بعد ان فقدن مولودهن بسبب استهتار القابلات الاتي عادة ما تكن في حالة نفسية جد صعبة تنعكس بكل جوانبها السلبية على عملية توليد المرأة. 50 بالمائة من القابلات الجزائريات متابعات قضائيا تهم عديدة توجه للقابلات من قبل أسر الحوامل خصوصا، من بينها الإهمال، والتسبب في مضاعفات صحية خطيرة لهن أو لمواليدهن، بل وتتهمن أيضا بالتسبب في وفاتهن في بعض الحالات، فوفاة وجرح المواليد خلال مرحلة الولادة بالإضافة لتدهور الحالة الصحية للأم هي أكثر الأسباب التي تدفع العائلات لمقاضاة القابلات، وقد أدى عدد كبير من الشكاوي المودعة إلى تطبيق عقوبات صارمة ضد عدد كبير منهن وصلت في بعض الحالات إلى خمس سنوات سجنا. وبخصوص الأخطاء التي تنسب للقابلات والتي بسببها تقبع الكثيرات منهن في السجون حالت وفاة للحوامل، أو عاهات مستديمة للأطفال، وهنا لجوء عائلة الضحايا إلى العدالة يبقى مبرر في كل الظروف. وهناك بعض الأخطاء قد تعترف بها حتى نقابة القابلات الجزائريات الإهمال وعدم الاكتراث كفاية بالمهام الملقاة على عاتق القابلات وهذا كفيل بأن يتسبب في ارتكاب عدة أخطاء من قبلهن كنسيان تاريخ ومكان الولادة، وعدم تدوين نوع الجنس. بعض المستشفيات تقاضي القابلات لامتصاص غضب المتضررين والحديث هنا عن المتابعة القضائية للقابلات يتوجه لجوانب أخرى فالإدارة بدقر ما تغض نظرها عن الموضوع، وتكفتفي بالوقوف خارج الصراع القضائي بين أهل الضحية، والقابلة، فقد أصبحت إدارات المستشفيات هي الأخرى تلجأ إلى متابعة القابلات قضائيا لامتصاص غضب الضحيا، أوعلى الأقل المحافظ على سمعة العيادة، أو المستشفى تحسبا للجانب التجاري، وهنا قد يختلف نوع العقاب كحرمانهن من الاتقاء في السلم الوظيفي، أو السجن حتى خمس سنوات، ليتحول اسمهن من ملائكة الرحمة، إلى نزيلات سجون، على الرغم من وجود عدد هائل من القابلات ذات السمعة الطيبة، واحترافية، في الوسط المهني. والحديث هنا يجرنا بالقوة إلى التكلم عن ظروف العمل المحيطة بالقابلات لاسيما مسألة النقص الواضح في التكوين، ففي الكثير من المرات تجد القابلة نفسها وحيدة في مواجهة صعوبات الولادة العسيرة، ورغم أنها لم تتلقى تكوينا لإسعاف الحامل التي تواجه مخاطر الموت حيث تدخل في مهام الطبيب المختص إلا أن وفاة الحامل يجعل من القابلة المشرفة على الولادة المسؤولة الأولى عما حدث، وهناك من ينتقد الأطباء المختصين في أمراض النساء والتوليد لكونهم يعملون على توليد النساء الحوامل حسب التوقيت الذي يناسبهم. العيادات الخاصة.. الحل الأخير رغم غلاء التكاليف بعد أن صارت الولادة في أحيان كثيرة ببلادنا، مرادفا لأنواع من العذاب بدءا من العمليات القيصرية، إلى الولادة بالفورسابس ، إلى درجة أن بعض المستشفيات عناوين بالبند العريض تحمل تسمية ''المذابح''، والقابلات بتسمية "الجلادات" التي كثيرا ما تثير الرعب في نفوس المقبلات على الولادة لمجرد سماع اسمها، وأيضا نظرا لارتفاع نسبة الوفيات في أوساط الأمهات والمواليد الجدد، لذا لم يبقى على المرأة المقبلة على الوضع دفع الشئ الكثير الذي قد يتجاوز 40 ألف دج لليلة الواحدة في سبيل التكفل الجيد، والإطمئنان الكلي ناهيك عن توفر كل شروط النظافة، والخدمات عالية المستوى، حتى ولو كلف العائلات الكثير من المبالغ المالية، على الأقل فشبح القابلة المستلطة التي قد تعمل ما يحلو لها بالمشتفيات العمومية لن تكون لديها تلك الصلاحية على مستوى عيادات التوليد الخاصة.