حلت على الشعب الصحراوي الذكرى العاشرة لانتفاضة الاستقلال المباركة التي اندلعت في 21 ماي 2005 بالمناطق الصحراوية المحتلة، ومنذ ذلك التاريخ لم تتوقف الجماهير المتطلعة لغد أفضل وهدفها تحقيق مطالب الشعب الصحراوي في الحرية والاستقلال. لقد ظل الحراك الشعبي السلمي خيارا استراتيجيا ثابتا لدى الثورة الصحراوية، التي تقودها طليعة الشعب الصحراوي الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، في كفاحها من أجل الحرية والاستقلال نظرا للشرعية التي يتمتع بها هذا الحراك والبعد الإنساني الذي يحمله، و الذي شكل أحد أهم الأسلحة التي أثبتت فعاليتها في مواجهة الاستعمار ومخططاته. وبالعودة إلى تاريخ الانتفاضات الصحراوية ، فإن انتفاضة الاستقلال المباركة ماهي إلا امتداد لوعي صحراوي متجذر في النفوس لايرضى بغير الحرية بديلا، فكانت انتفاضة الزملة التاريخية ضد المستعمر الإسباني في 17 يونيو 1970 بقيادة الفقيد محمد سيد إبراهيم بصيري الذي كان من ضحاياها حيث اعتقل وظل مصيره مجهولا حتى اليوم ، تلتها انتفاضة الطنطان 1972 التي جوبهت هي الأخرى بقمع عنيف من قبل المستعمر ، حيث اعتقل العشرات من المواطنين الصحراويين من مختلف الأعمار والأجناس، كما عذب وشرد الكثير ، إلا أن ذلك لم يثن هذا الشعب عن نضاله وكفاحه المرير من أجل حقه ، وبالتالي تنظيمه وتأطيره تحت ممثل شرعي وحيد أسس في 10 ماي 1973 هو الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب. وانتفاضة الاستقلال في المناطق المحتلة هي امتداد طبيعي لانتفاضة الزملة التاريخية نظرا لان نفس الاكراهات والأهداف لازالت قائمة و المواجهة الآن مع المحتل المغربي وليس الاسباني لكن يظلان متشابهان في السياسات رغم اختلاف ظروفهما مادام بيت القصيد يبقى هو إجهاض حق الشعب الصحراوي في الحرية والاستقلال واستغلال ثرواته وطمس هويته الوطنية. والمرحلة الحالية التي يمر بها كفاح شعبنا العادل تفرض أن تكون الانتفاضة عملا محوريا يغذي كل أطراف الجسم الوطني لكونها تأتي في ظل ظرف يتسم بوقف لغة البنادق وانسداد في أفق الحل من جراء التعنت المغربي في احتلاله اللاشرعي للصحراء الغربية. وقد عرفت هذه الانتفاضة بدورها ، محطات متنوعة ومسارا متطورا يدل على مستوى حجم الوعي الجماعي الذي ارتقت له الجماهير الصحراوية، ففي البدء كانت الانتفاضة متفجرة بالشوارع بالعاصمة المحتلة العيون، وما فتئت أن انتقلت إلى المواقع الجامعية، ومن ثم إلى كافة المدن الصحراوية، والجاليات بالخارج، وقد جوبهت بحملات قمعية خطيرة من طرف أجهزة الدولة المغربية، لكن الأمر انتقل إلى ساحات أخرى أوسع، فانضم التلاميذ إلى الساحة وأسسوا لبداية النضال من داخل المؤسسات التعليمية والمعاهد والمراكز، بل انتقلت الشرارة لتصل إلى أسوار المدارس الابتدائية، وجوبهت هي الأخرى بنفس السلوكيات القمعية القذرة. وبفضل القدرات اللامتناهية لهذا الشعب العظيم على صنع المستحيل، طورت الحركة النضالية الصحراوية هذا الفكر الذي مزج بين المآسي والآلام والتطلعات في الحرية والانعتاق فحولها الى صخرة قوية تبلورت في انتفاضة سلمية كأسلوب حضاري عجزت أمامها الآلة العسكرية الضخمة التي حشدها النظام المغربي ، واتخذ هذا الفعل أبعادا سياسية مختلفة داخلية ودولية أذهلت المحتل الغاشم وفرضت الاعتراف بوجود هذا الشعب وكرست هويته الوطنية وحقه في تقرير المصير والاستقلال. لقد توالت الانتفاضات تلو الانتفاضات، فجاءت انتفاضة 1987 التي شهدت اختطافات بالجملة وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان الصحراوي الأعزل فوق أرضه المسلوبة ، ذنبه الوحيد في ذلك أنه خرج في مظاهرات سلمية لاستقبال "البعثة الأممية لتقصي الحقائق في الصحراء الغربية" أثناء زيارتها للإقليم، كما كانت للشعب الصحراوي وقفة مع انتفاضة أخرى هي انتفاضة 1992 التي انطلقت شرارتها في 24 سبتمبر 1992 من "آسا"، هذه الانتفاضة كانت دليلا قاطعا على وحدة وصلابة الشعب الصحراوي في مواجهة الاحتلال، وعلى إثرها قامت سلطات الاحتلال بتعزيز المنطقة بأجهزة أمنية تفوق سكان المدينة بالأضعاف المضاعفة، حيث قامت هذه الأجهزة اللعينة بمواجهة المنتفضين المتظاهرين، واعتقال العديد من رواد هذه الملحمة البطولية ممن عانوا السجون والمعتقلات السرية ب"انزكان" المغربية وغيرها من المعتقلات الرهيبة. لتعقبها مباشرة انتفاضة 1993 التي شهدت نوعا جديدا من الغطرسة المخزنية المغربية، حيث تمت محاكمة مجموعة من الشباب الصحراوي بينهم قاصرون ، حوكموا محاكمة عسكرية، رغم أنهم مدنيون طلاب في الإعداديات والثانويات ولا علاقة لهم بالعسكر لا من قريب أو بعيد. كل الصحراويين مطالبين بالشد على أيادي جماهيرنا في المناطق المحتلة ودعمها بكل الوسائل المعنوية والمادية، ونحن مقتنعون أن هذه الجماهير لازالت تمتلك من العزيمة والإرادة والذكاء ما يجعلها أن تصنع معجزات أكثر خاصة وهي التي استطاعت أن تؤجج روح الانتفاضة في كافة المدن والقرى والجامعات والمعاهد، ونظمت مخيم "اكديم ازيك"، وحولت المناطق المحتلة الى مسرح لمقاضاة نظام متسلط على جرائمه ضد شعب مظلوم والسجون وأساليب التعذيب الممنهجة والمحاكمات الصورية الى مصدر قلق وإزعاج يسوء الى سمعة المغرب الدولية.