تمتع الجمهور التلمساني أول أمس بالفيلم الايراني «بعيدا جدا... قريبا جدا» للمخرج الايراني «رضا مير كريمي» بقصر الإمامة والذي تابعه الحضور بكل احساسهم حيث استطاعت هاته القصة ان تشوق الحضور وتثير الفضول فيهم، لمدة ساعتين من الزمن وتتمثل أحداث الفيلم في أن طبيبا كبيرا من عائلة ثرية ومرموقة ، خذلته الحياة عند اكتشاف اصابة ابنه بمرض خطير على مستوى المخ ما اثار في نفسه الندم على اهماله له وتفرغه لعمله فقط على حساب اسرته ، بداية الفيلم هي لما اشترى الطبيب لابنه تلسكوب كان قد طلبه منه، ولكنه رفض ارسال هذا المنظار في الوقت المطلوب، لكن ابنه رحل الى مكان يطلق عليه بقرية «مصر»رفقة زملائه، للمشاركة في مسابقة موضوعها علم الفلك والنجوم، وتفسير بعض معاني تشكلّها فيزيائيا وهذه أبرز اهتمامات الابن البطل الثاني الرئيسي في الفيلم.هذا الرحيل مثّل المنعرج الحقيقي ل«بعيدا جدا... قريبا جدا»، فما كان من الطبيب الا ان أخذ منظار ولده وكتاب فيزياء وبعض اللوازم الطبية، وركب دون تردد سيارته الفخمة لينطلق في رحلة البحث عن ابنه في قرية «مصر».وتنطلق الرحلة.. ويا لها من رحلة، فبقدر ما كانت رحلة عن ابن عليل بقدر ما حملت في أعماقها الخفية والمجازية معان وجودية وفلسفية كانت أبرزها في الاحداث رغم البعد الايحائي والرمزي لها... فخلال رحلة الطبيب نسي ان يزوّد محرّك سيارته بالبنزين لكن الحظ خدمه حين وجد رجلا يبيع البنزين بمنزله. فتمكن من تزويد سيارته بوعائين بلاستيكين من الحجم الكبير من البنزين. واشترى وعاءً آخر تحسّبا للطوارئ. المهم ان الطبيب وصل الى منطقة «مصر» وتعرّف هناك على أناس بسطاء يقطنون هذه المنطقة الأثرية ومنهم طبيبة شابة عالجت ابنه لما أغمي عليه وهو بقرية مصر، هناك عرف أن ابنه غادر القرية المذكورة متجها الى مكان آخر في عمق الصحراء، بعيدا في المسافة عن «مصر».وفي الاثناء تمكن الطبيب خلال تواجده بالقرية المذكورة سلفا، من علاج طفل على فراش الموت في حين كان عاجزا عن علاج ابنه وفي ذلك أكثر من معنى...المعاني تطورت شيئا فشيئا،خاصة مع حركات الطبيب، وفي الحوار الذي دار بينه وبين الطبيبة الشابة، فكشف هذا الحوار عن جانب الايمان في شخصية البطل (الطبيب)... ايمان ضعيف جلعه يطرح أسئلة وجودية عن وجود الإلاه، وعن معنى هذا الوجود...بعد الحوار ينام الجميع في «مصر»... يستيقظ الطبيب فجرا، ويواصل رحلة بحثه عن ابنه في المكان الذي يتواجد به - علما ان رفيقة ابنه كانت على اتصال دائم بالطبيب عبر الهاتف الجوال او الخلوي كما جاء في الترجمة.الطبيب كان متشوقا للقاء إبنه لذلك لم يأبه لأي مشكل من مشاكل رحلته، الى أن تعطل محرك السيارة مجددا و السبب هو البنزين كالعادة .. تذكر في الأثناء أنه اشترى وعاء بلاستيكيا احتياطيا، لكن يا خيبة المسعى فبالوعاء كان ثمة ماء هكذا شاءت الصدف ان يتعرض الطبيب الى عملية تحيل لكنها كانت مفيدة الى حين..!لم يجد الطبيب من حل سوى ان يواصل رحلة بحثه على القدمين لكن الظروف الطبيعية أو العاصفة الرملية عجلت بعودته الى سيارته وكم كانت عملية التحيل مفيدة في هذه الأثناء...فبعد أن اطفأ عطشه استلقى على كرسيه بالسيارة وأخذ قسطا من النوم ليستفيق بعده على الظلام، ليس ظلام الليل الكالح وانما ظلام السيارة الناتج عن الرمال التي غطت السيارة بأكملها وردمتها ولم يجد البطل حلا للخروج فالأوكسيجين اوشك على النفاد، وشبكة الهاتف المحمول تعطلت، والماء نفد وبعد ان كان الطبيب يتابع موت ابنه على مراحل متباعدة أصبح يرى موته هو على مراحل متقاربة .. تلك هي مشيئة الله.وتلك هي نهاية الرحلة المأساوية والوجودية فالأب الذي كان يبحث عن ابنه عله يتمكن من انقاذه يجد نفسه في نهاية الفيلم يمد يده لتمسك بها يد ابنه عله يتمكن من انقاذ والده دون ان نشاهد الابن طوال الفيلم.الفيلم دار في إطار اجتماعي مؤثر مليء بالحزن و الأسى قدم نموذجا من الأباء الذين نسوا في لحظة من اللحظات أن لديهم مسؤوليات معنوية وليس مادية فقط.