كانت الطبعة التاسعة من مهرجان الفيلم الأمازيغي، التي احتضنتها سيدي بلعباس من الفترة الممتدة من 11 الى 15 جانفي، فرصة ثمينة جدا للجمهور الجزائري لاكتشاف تجربة سينمائية ثرية وفريدة بدأت تفرض نفسها كنموذج عالمي للفن السابع. * حلت السينما الإيرانية ضيفة شرف على مهرجان الفيلم الأمازيغي، الذي استقبل وفدا مهما وعالي المستوى تقوده المنتجة كتايون شهابي، ويضم مخرجين ومخرجات وكتاب سيناريو ونقاد، على رأسهم باني اتماد، وهي أشهر مخرجة في إيران، والمخرج محمد رسولوف، صاحب الأفلام التي عرفت صدى دوليا، وأشهر ممثلة في إيران، النجمة ماتمد ايريا. * الوفد الإيراني أحدث نقلة نوعية في نظرتنا لبلاد الفرس، حيث اكتشفنا أناسا على درجة كبيرة من الثقافة والتفتح والانسجام مع مبادئهم، وهي غير النظرة التي تعودنا أن نرى من خلالها بلد الخميني، إذ قالت المخرجة باني اتماد "لا تصدقوا كثيرا ما يروجه الإعلام عن إيران، تلك نظرة السياسيين فقط، نحن فنانون والفنان يملك وسائل جمالية لتحدي الواقع دائما". * الجمهور اكتشف سينما إيرانية حديثة ذات جماليات واحترافية كبيرة، استطاعت في وقت قصير أن تفرض نفسها كنموذج عالمي انطلق من خصوصيات المجتمع الذي أنتجها، واستطاعت هذه السينما، التي تنتج سنويا بين 80 الى 100 فيلم طويل وأزيد من 250 فيلم قصير ووثائقي وأكثر من 300 فيلم تلفزيوني، أن تثبت بأن الجمال لا يصنعه حتما تحطيم المحظور والطابو، بقدر ما تصنعه عبقرية المخرجين في التحايل على هذه الممنوعات. * وعرف مهرجان الفيلم الأمازيغي عرض 8 أعمال إيرانية جديدة، تشترك جميعها في التركيز على مشاكل المجتمع الإيراني بطريقة ذكية وفنية رائعة، دون الدخول في الإيديولوجيا أو التطرف والتحيز، وهي التي خرجت من رحم الممنوعات التي دفعت المخرجين إلى إعادة بناء واقعهم بالاقتراب منه دون قوله بالضرورة، في أسلوب نجده عند أغلب المخرجين الإيرانيين الذي يركزون على المرأة والطفل لقول الأشياء الممنوعة. * في هذا الإطار عرض محمد رسولوف فيلمه "جزيرة أحنان" الذي يروي قصة خيالية لأناس يتخذون من باخرة قديمة مسكنا لهم للتنقيب عن البترول، وداخل هذا الحيز المغلق نكتشف تناقضات المجتمع الإيراني، بداية من العلاقات بين الرجل والمرأة، إلى رغبة الشعوب في الاعتماد على نفسها في تنظيم حياتها. * يبدو محمد رسولوف في هذا العمل متأثرا كثيرا بالمسرح في إدارة بلاتو التصوير، مما أعطى للعمل بعدا كفكاويا يعبر بصدق عن واقع تقوله الكاميرا بمواربة وليس بصراحة. كما عرضت باني اتماد فيلمها الشاعري والحساس "قيلاني"، الذي يروي المأساة الإنسانية للحرب العراقية الإيرانية، الفيلم من بطولة النجمة الكبيرة موتماد ايريا، التي جسدت شخصية صعبة ومعقدة، في فيلم قالت المخرجة بأنه رسالة من أجل السلام، لأنه يلامس الجرح الإنساني لمخلفات الحرب، عبر قصة شاب معوق كان ضحية الحرب وضحية هروب زوجته عنه وتتحمل أمه المعوقة عبء رعايته. * أما فيلم مزاري ميري "الكنيسة" فهو العمل الذي لقي إعجاب الجمهور وأثار الفضول أيضا، كونه يتحدث عن التسامح والأقليات المسيحية في إيران، عبر قصة إمام وراهب كنسية يتعايشان جنبا إلى جنب، وهنا قال المخرج بأن الوجود المسيحي في إيران قديم جدا يعود إلى أزيد من 8 آلاف سنة، إذ تضم إيران أقدم كنيسة في العالم، موروثة عن الوجود الأرميني، وفي إيران اليوم توجد، حسب المخرج، 345 كنيسة تتعايش جنبا إلى جنب المساجد في تسامح قديم. * الأفلام المعروضة تشترك كلها في نهايات مفتوحة وشاعرية تجعل المتفرج يأخذ أبعاده الشخصية في التأويل وكل متفرج يجد نفسه في ما يراها.