في فترة من الفترات وفي زمن جميل كنا حين نرى المعلم مار من الحي حتى في أيام العطلة الصيفية نتفرق هربا رهبة منه، ليدخل كل تلميذ منزله وقلبه يكاد يفر من بين جنبيه، وحين انقلبت الأمور وانعكست الدنيا صار التلميذ يربي أستاذة، بالعصا ويؤدبه "بالدبزة" ، ولو أحصينا كم معلم في مختلف الأطوار أخذ درسا يحفظه على ظهر " وبطن" قلب طيلة حياته من تلامذته وأوليائه لحطمنا رقم غينيس للأرقام القياسية في هذا المجال، حتى صار المعلم في هذا الزمن الذي انتشرت فيه الرداءة يخرج من بيته ولا يدري إن كان سيعود مساء سالما إلى أهله أو بكدمات على الوجه، وربما بعضه قبل الخروج يتشهد وينطق بالشهادتين فربما يستشهد في قسمه على يد تلميذ أو ولي تلميذ ورغم كل هذا العالم كله يتفرج، لا أحزاب فتحت الملف، ولا أخصائيين اجتماعيين عقدت ندوة طارئة ولا حتى الوزارة دقت ناقوس الخطر، وإن كان تلميذ في الطور الثانوي يفعل بمعلمه الأفاعيل ويريه الويل، ويجعله يرى نجوم الليل في عز النهار، ويرى حتى الديك حمارا ، فما الذي سيصير إليه رجال الغد بعدا هذا العنف المفرط ..؟ مجرد التفكير في هذا الأمر يجعل الرجل الحكيم يقول على البلاد السلام. وإن كان العنف بهذا المستوى اليوم فكيف سيكون الأمر بعد عقد أو عقدين أو أكثر، والحقيقة أننا أمام جيل لا يفهم شيء، ولا يهاب شيء، ولا يعبأ بشيء، والنتيجة وحده خالق الكون عالم بها . وماذا يمكن أن نقول حين نرى التلميذ يمسك العصا ويؤدب أستاذه ويوبخه سوى على التعليم والدنيا والمستقبل السلام ، والسلام ختام .