في لحظة هدأ فيها كل شيء سوى نبض الصدق العفيف ، رحلت و غادرت و سافرت و صارت إلى خالقها و باريئها ، أميرة مملكة الفن الأصيل ، و آخر نجمة من نجوم الطرب العربي ، وردة فاح عبقها لأزيد من سبعين سنة و زهرة ،و عاد القدر ليغيّب عنا حبيبة غالية ، عشقت و طنها ، غنّت و صدحت و نادت و قالت و كتبت و ابتسمت لحبيب واحد كان وطنها " الجزائر " ، إلا أنه كان لابد من حزن الفراق ، و رحلت . نعم رحلت صاحبة " عيد الكرامة " و يا لها من كريمة ، نعم غادرت صاحبة " بتونس بيك " و يا وحشه لأنسها ، ، نعم فارقتنا صاحبة "بلاش نفارق" ، صاحبة الأحاسيس التي حاكت آدائها الذي طار بنا دوماً إلى آفاق عالية بعيدة كل البعد عن كل الأكاذيب ، عشنا معها كل الآمال العظيمة والأمنيات الخلاّقة التي كانت تعانق روحنا ، تركتنا و انتقلت إلى عفو الله ، و رحمته ، قبل أيام قليلة من احتفاءنا بخمسينية الاستقلال " أحلى الاعياد " الذي تمنّى الكل أن يعيشها على نغمات كلماتها الثورية ، و أن يردّد الكل " بلادي أحبّك فوق الظّنون " .
وردة ، كلماتك لا زالت تأسر روحنا ،و لازال رنينها يقرع قلوبنا ، وردة ، ابتسامتك لن تفارق خيالنا ، فقد بكت لفراقك ورقة الشجر الندى ، وبكى عليك الغيم المطر ، وهبت وطنك العطف والحنان والاهتمام والعشق والشوق والحب ، و اليوم ، اليوم دقت أجراس الرحيل ، اليوم ستبدأ ساعة الحداد ، ويبدأ الحداد على القلم ، و الشعر ، و اللّحن ، ذهبتِ كما ذهب الأحباب قبلاً ، بأمرٍ كان محتوماً مُطاعا ، فأصبر يا قلب إذا أتاك أمر ربّك ، إن الصبر درع يقي كل صبوراً شُجاعا ، فوردة الجزائر ستظل ما بين الفؤاد و الغرام ، حبّها في فؤادنا ، و غرامها في قلوبنا ، للأبد ، للأزل ، إلى أن يفنى كل شيء ، و يبقى وجه الرّحمان ذي الجلال و الإكرام ، فمساء حب يتدفق من أعماق قلوبنا ، مساء روح يتعلق بأنفاس روحكِ ، أيا أما و يا أختا و يا صديقة ، اليوم نترحّم عليكِ و نحن نرتشف من ذكراك الحب والحنان ، فأنتي وردة وهبت لنا أقوى و أسمى معاني الوطنية ،و كنت حقّا أميرة ، تشرقين كشمس و تطلّين كقمر .
وردة الجزائر ، في يوم رحيلك ، أنشدك الشوق على عزف أنين ناي حزين، بعد أن تركتنا في ثرى الجزائر الهوى ، وترابها و بعضا من أرواحنا و أجسادنا ،ننعيك اليوم وكأن القدر يصر أن يبقى هوانا المشتعل لك أبدا ، ما أصعب الفقد والفراق، فكيف حين يكون فراقك أنت يا حبيبة الكلّ ، فوداعا ، وداعا أيتها الوردة و النسمة وداعا يا ذات القلب الحنون و الابتسامة الصادقة ، وداعا أيتها المبتهلة ، يا من تربّينا على أشجان نغماتك ، و و عشنا على طرب ألحانك ، نرجو من الله أن يتوفاك برحمته و أن يغفر لك ، إلى اللقاء أيتها الوردة .. إنك حقيقة لست كأي وردة !