“ يحكون في بلادنا.. يحكون في شجن عن صاحبي الذي مضى وعاد في كفن.. “ من قصيدة “وعاد في كفن” لمحمود درويش مازلت كل صباح وأنا أتجه إلى سيارتي، أرفع رأسي صوب شرفتك، أبحث عن طيفك الجميل يا صديقتي، لكنك لا تطلين من الشرفة، ولا عدت تركنين سيارتك إلى جانب سيارتي مثلما كنت، لم أعد أعثر على ابتساماتك كلّ مساء لقاء في الحي، وما عدت تمرين ببيتي تسألين عني وعن البنات يا باية.. وأنا التي رأيت في قرار هجرتك المفاجئ إلى فرنسا خيانة لصداقتنا ولمجالسنا الحميمية، مازلت لم أشف بعد من فراقك، وأنت التي لم تشتكي يوما من ألم، غير آلام الوطن، لم نتحمل صدمة خسارتك، أنت القلم الحر الثائر، والأخت والصديقة النصوح.. اشتقنا إلى طيفك، مثلما اشتقنا إلى قراءتك للأحداث، خاصة والعالم العربي يتغير، والدكتاتوريات التي كثيرا ما وقفت ضدها وحارت طغيانها بالقلم تهاوت، وفي تونس، البلد الغالي عليك، عادت صديقتك بن سدرين من المنفى، وصار لأشقائنا التوانسة لسان ورأي.. نعم عادت كل الطيور المهاجرة من المنفى، إلا أنت، لكنه منفى غير منفاك الذي لا رجعة منه. مصر، هي الأخرى يا باية تتغير، والعالم العربي كله يدخل في حراك محموم .. أحلام، حرية وقنابل ورصاص ودماء.. زملاؤك في المهنة يا باية، مازالوا رغم قوافل الفقد هذه السنة، يتذكرون مواقفك البطولية مع الجميع، ونصائحك التي لا تبخلين بها على أحد، طيبتك مست الجميع، فاكتشفنا بموتك أنك كنت أحد قواسمنا المشتركة في هذه المهنة اللعينة، المهنة التي صارت تفرقنا فيها المصالح أكثر مما تجمعنا المواقف. نعم، رحلت مبكرا يا صديقتي، ونحن مازلنا في حاجة إليك، إلى آرائك ومواقفك الوطنية. وعدتني وأنا أودعك عند الباب ذات مساء والدموع تغسل وجنتينا أن غيابك لن يطول، وأخلفت لأول مرة الوعد، وها هو غيابك يمتد إلى سنة .. يمتد إلى الأبد مثلما ستطول نار حرقتك في أفئدتنا نحن من أحببناك وكنت أهلا لذلك الحب. وداعا مرة أخرى صديقتي باية قاسمي..