وتعرض الجزائر مصالحها وأمنها في سبيل ذلك للخطر، كما بذلت كل ما تملك من جهد وسعي لكشف ألاعيب الامبريالية ومرتزقيها، وتوحيد صفوف عدو العالم الثالث في وجه الاطماع والمناورات، وإيقاظ الشعوب بأهمية دورهم في الاقتصاد العالمي، واقناعهم بألا ينتظروا العون من الرأسمالية، الغربية وبعض أذنابها الموجودين في العالم الثالث نفسه، بل لا مفر لهذه الشعوب من أن تعتمد على نفسها. كشفت الجزائر كل ما يختفي وراء ما يسمى بالاعانات الاجنبية من تآمر على سلامة الشعوب واستقلالها، ومن استغلال اقتصادي فاحش، كما عملت على تعزيز منظمة الدول المصدرة للنفط، باعتبارها دولا تنتمي شعوبها إلى الانسانية المضطهدة، بقطع النظر عن بعض أنظمتها الرجعية. وعملت على تنظيم المؤتمرات الاقتصادية والاجتماعية، وكل هذه الانقلابات ساهمت الجزائر مساهمة نشيطة في إدخالها على أجهزة العلاقات العتيقة بين المستغلين والمستغَلين على النطاق العالمي، بالاضافة إلى تأميم كل مصدر من مصادر ثرواتها المعدنية، أو التجارية أو المصرفية بحيث لم يبق منها شيء في يد الرأسمالية الاجنبية، وهذا ما لا يمكن أن تقابلها فيه الامبريالية بالتسامح والاغضاء. وكان من المنتظر من إخواننا وأصدقائنا الطبيعيين في المنطقة، وفي مقدمتهم الطلائع التقدمية في المغرب الشقيق، أن تدرك هذه الابعاد في حقيقة المعركة بين الجزائر وبين الامبريالية، ويتجندوا لنصرة العقيدة الثورية التقدمية، التي تبني جزائر اليوم ومغرب الغد، وكان المنتظر أن يقف اخواننا ضد الانظمة الرجعية العميلة حتى في بلادهم، بل في بلادهم قبل بلاد أخرى، ويعتبروا الجزائر تبعا لذلك قلعة من قلاع الثورة الاشتراكية في إفريقيا والعالم العربي، وفي الابيض المتوسط، كان هذا هو المنتظر، ولكن ما حدث مع الاسف هو العكس، بل الاخطر من ذلك أن إخواننا في المغرب الشقيق، لم يدركوا ألاعيب الامبريالية، حتى بالنسبة للمغرب نفسه، فضلا عما تقوم به نحو الجزائر، فهم لا يدركون بل يجدون من طبيعة الأشياء أن تعمد السياسة الرجعية المتبعة في المغرب الشقيق إلى ضرب صفوف الشعب المغربي، وتمزيق قواه الاجتماعية والسياسة، وخاصة تمزيق قوة المعارضة وتقسيمها إلى معارضة وطنية وأخرى يسارية ومعارضة رسمية وأخرى غير قانونية، وفي داخل الحزب الواحد يتصارع الجناح اليميني مع الجناح اليساري، ويبغض السياسيون الجيش، كما يبغض الجيش الرسمي عنصر جيش التحرير المنضمة إليه، ويتحرز العرب من البربر، والبربر من العرب، ويقف سكان الجبال والارياف ضد سكان المدن، ويبقى النظام القبلي المعمول به منذ قرون للحفاظ من خلاله، على تناحر القبائل حتى لا ترتقي أبدا إلى مستوى المواطنين. إن سياسة التمزيق الاجتماعي والسياسي، تهدف إلى جعل المواطن المغربي لا يرتبط بأخيه المواطن، ارتباطا مباشرا، بل يرتبط به عن طريق تعلق الجميع بصاحب العرش العلوي الذي هو شخصية مقدسة، ينحدر من العائلة النبوية ولا يجوز تجاوزه أو مخاطبته كبشر، وهذا فضلا عن تأييد الاختلاف الاقتصادي وتعميق التفاوت الطبقي حتى أصبح أشنع مما كان عليه في عهد ما قبل الاستعمار ، وفي عهد الاستعمار الفرنسي، وإن كان هذا الشخص المقدس يخلط في تجارته بين القدسية والمخدرات ، أو يعتبر بحق - في مجال الربح- إن المخدرات جزء من المقدسات. فقد أعلن العقيد"أمقران" المتهم بمحاولة إغتيال الملك، أمام المحكمة، أنه عندما أخبره "أوفقير" بما يحدث في القصر صعق لما سمع، وأنه لا يستطيع أن يروي، ما سمعه للمحكمة بحيث لو كان ما سمعه يتعلق بأبيه لتمرد عليه، وهذا ما جعل صاحب العرش يوكل مهمة حراسة القصر للأجانب الفرنسيين، في نطاق التعاون الفني، وأعطاهم مرتبات عالية، وجل مساكنهم ملاصقة للقصر الملكي، وهو يجتمع بهم يوميا.