أثناء زيارتنا للقرية ببلدية الشراڤة لم نشاهد أي مظهر من مظاهر التمدن التي قد نشاهدها هنا وهناك. فكلمة "قرية" حسبما يصطلح عليها تشمل على الأقل مركز أمن ومركزا صحيا ولو بأبسط أشكالهما، الأمر الذي لم نجده ب"قريتنا" هذه. حي "كالما" جزء من القرية سكانه لم يخفوا تذمرهم من الحالة الكارثية التي صارت تميز حيهم، بسبب غياب الأمن عبر كل الأحياء المجاورة. وفي هذا الإطار يذكر لنا بعض الشباب الذين التقيناهم هناك، أن حيهم يغرق في العديد من المشاكل التي أصبحت تشكل حياتهم اليومية دون أي تدخل من طرف السلطات المحلية لحلها. وحسب السيد ( ف،أ ) صاحب وكالة عقارية، فإن الحي الذي كان في السابق أراضي زراعية تم توزيعها بطرق عشوائية، يعاني من حالة اللاأمن حيث يتعرض المواطنون يوميا لاعتداءات من طرف بعض الأشرار على مرأى من الناس وفي غياب السلطات، مما أدى إلى ارتفاع نسبة الجريمة. "الكل عرضة لهذه الاعتداءات وفي أي وقت" يضيف أحد القاطنين بالحي. وما زاد الطين بلة حسب السيد (م،س)، صاحب مكتبة بنفس الحي، انتشار أوكار الفساد والرذيلة بسبب احتلال مقرات السوق بنفس الحي من طرف العديد من العائلات واستعمالها كمساكن بطريقة فوضوية، منذ أكثر من ست سنوات. وقاطعه آخر قائلا إن معظم سكان هذه السوق هم من الولايات الداخلية للبلاد وقد نزحوا خلال العشرية السابقة فقط، مستغلين فترة الفوضى التي مرت بها الجزائر. ويطالب سكان "كالما" من السلطات المحلية إنشاء مركز للأمن الحضري، بحيث لا يمكن التكفل بجانب الأمن بمفردهم، وفي حالة وجود أي مشكل يتعلق بالأمن، يضطر السكان التنقل إلى بوشاوي على بعد ثلاثة كيلومترات لإيداع شكوى بمحافظة الشرطة هناك والتي تعتبر المركز الأقرب. وفيما عبر السكان عن ارتياحهم فيما يخص شبكة المياه الصالحة للشرب والغاز والكهرباء، لم يخف البعض الآخر قلقه من افتقاد الحي الذي يضم أكثر من 700 مسكن - حسب أحد السكان - لمركز صحي على الأقل، حيث يضطر المواطنون التنقل إلى وسط الشراڤة من أجل العلاج، وفي الحالات الاستعجالية قد يموت المريض في الطريق - يضيف آخر. من جهة أخرى يذكر أحد المواطنين القاطنين بالحي أن العديد من البنايات المتواجدة على حافة الطريق تعتبر مخالفة لقوانين البناء، حيث أنها تجاوزت المساحة المخصصة لها لتحتل الأرصفة، موضحا أن هناك من تعدى على الطريق العمومي والخروج بأكثر من خمسة أمتار دون أن يتمكن أحد من منعه. وقد حاولنا الاتصال برئيس بلدية الشراڤة العديد من المرات من أجل إيفادنا ببعض المعلومات حول المخالفات التي ارتكبها أصحاب البنايات وعن الإجراءات التي اتخذتها البلدية تجاههم، لكن لم نتمكن من ذلك بسبب كثرة مشاغله. سكان حي 320 مسكن : نريد وقف المهزلة يزمع سكان حي 320 مسكن المجاور للقرية إغلاق الطريق الفاصل بين حيهم والبنايات الفوضوية المقابلة لهم خلال الأيام القادمة، تعبيرا عن غضبهم من التجاوزات الفادحة والمخالفة لقانون العمران من طرف السكان المجاورين. وحسب بعض من التقيناهم بنفس الحي، فإن الطريق الفاصلة بين حيهم والسكنات المجاورة هي في الأصل تابعة للوعاء العقاري للحي، حيث كان من المفروض أن يبنى عليها السور المحيط بالحي، الأمر الذي لم يتحقق، ليترك المجال أمام أصحاب البنايات المجاورة للتوسع نحو الأمام ويحتلوا الرصيف إضافة إلى الطريق الأصلية مقتصين منها العديد من الأمتار. و يريد سكان حي 320 مسكن استرجاع "حقهم المسلوب" من طرف سكان الحي المقابل، والإبقاء على حيهم مغلقا أمام الوافدين من هنا وهناك، والقضاء على الفوضى التي يسببها أصحاب السيارات الذين لا يجدون أماكن للتوقف إلا تحت عماراتهم، خاصة الجزء المقابل لإحدى قاعات الحفلات أيام الأعراس، الأمر الذي يسبب ازدحاما كبيرا داخل الحي. وأثناء تجولنا بالمنطقة لاحظنا أن معظم البنايات هناك مبنية بطريقة عشوائية، ولا تمت بأي صلة لقانون العمران، وقد وجدنا عمودا للكهرباء يخترق أحد المنازل دون تدخل السلطات المحلية لوقف هذه المهزلة. ومن أجل الاستفسار عن هذا حاولنا الاتصال برئيس بلدية الشراقة أكثر من مرة، لكن لم نتمكن من ذلك ل "كثرة أشغاله". السوق بحي" كالما" تحولت إلى مأوى للعائلات السوق بحي كالما أنجزت لتكون مركزا للتسوق، إلا أنها صار مقر إقامة للعديد من العائلات، انشغالاتها غير انشغالات سكان القرية. أحد السكان هناك يروي لنا كيف تحول هذا المكان إلى إقامة تأوي أكثر من 60 عائلة. يقول "منذ أكثر من عشر سنوات وعوض أن تفتح السوق أبوابها لغرض تجاري، بقيت مهملة يرتادها الشباب المنحرف من كل مكان، فصارت مكانا للرذيلة وتعاطي المخدرات"، بعدما تنازل معظم المستفيدين عن محلاتهم بحجة أن حجم السوق هذه لا يتناسب مع عدد السكنات المتواجدة بالقرية، مما استدعى مصالح البلدية القيام بعملية تنظيفه من أكوام القمامة مرتين تقريبا. أما الآن فالأمر يختلف على حد تعبيره، " فقد صار يأوي عائلات أتت من الولايات المجاورة هروبا من الإرهاب الذي عاشته الجزائر في السنوات السابقة، بالإضافة إلى بعض السكان من أبناء المنطقة الذين اضطرتهم الظروف ترك منازلهم الضيقة والتفكير في حلول بديلة بعد يأسهم من وعود السلطات المحلية فيما يتعلق بالسكن ". ويضيف المتحدث أن سكان السوق قد استحوذوا على المحلات كل حسب احتياجاته، وأجروا عليها بعض التعديلات، فهناك من لديه غرفة واحدة وهناك من لديه غرفتين وأكثر. حياة كارثية يعيشها السكان بسوق كالما، انعدام المياه الصالحة للشرب في مكان كهذا قد يؤدي إلى انتشار العديد من الأمراض خاصة في أوساط الأطفال الذين لاحظنا تواجدهم بكثرة. ويضطر السكان إلى جلب الماء من المسجد المجاور أو من عند بعض الجيران في كثير من الأحيان. أما فيما يخص النظافة، فالوضع يرثى له، فمنذ أكثر من شهر قامت مصالح البلدية بحملة نظافة رفعت من خلالها كل القمامة التي كانت متواجدة على أطراف المكان، إلا أنها لم تعد الكرة -يضيف أحد السكان- والآن اتفق المقيمون هنا على تحديد أماكن خاصة لوضع القمامة فيها تجنبا لانتشار الأوبئة. أما فيما يتعلق بالناحية الأمنية، فتكاد تنعدم يضيف (س،م)، حيث يضطر السكان إلى أخذ الحيطة والحذر بسبب الاعتداءات التي تتكرر من وقت لآخر نتيجة انعدام مركز للأمن، وغياب الإنارة العمومية، مؤكدا أن أحداث السرقة هذه مصدرها المناطق المجاورة وليست من داخل المكان. ويجهل معظم سكان سوق "كالما " مصيرهم، "ومادام لا أحد يسأل عنا فنحن هنا إلى أجل غير مسمى" يقول أحد من التقيناهم هناك مضيفا "كيف يمكن لأحد راتبه الشهري مليون سنتيم أن يفكر في شراء منزل ب300 مليون". الأطفال أيضا يجهلون مصيرهم، فقد قضى جلهم عطلته الصيفية وسط القصدير والقمامة، حتى أعرب لنا أحد الآباء عن تخوفه الكبير من الانحراف "المؤكد" للشباب على حد تعبيره قائلا "لو استمر الأمر على هذه الحال سوف يصير الحي مركزا للتكوين المهني في السرقة دون منازع".
الطفلة آسيا تحلم بسكن مثل زميلاتها بالمدرسة لكن هذا كله لم يمنع الطفلة آسيا ذات 8 سنوات من العمر من الاجتهاد في دراستها، وجدناها تلعب مع الأطفال من أبناء جيرانها في مجاز عرضه لا يتجاوز المتر والنصف. اقتربنا منها لنعرف عنها المزيد، فقالت أنها تلميذة مجتهدة، وقد انتقلت إلى السنة الثالثة ابتدائي. سألناها عن الوضع المعيشي وسط هذه السوق فقالت "هذه السكنات مليئة بالحجارة والإسمنت والأتربة، وحلمي الوحيد السكن في بيت عادي مثلي مثل زميلاتي بالمدرسة. ...وحي قصديري أيضا ! إضافة إلى كل الفوضى التي تعيشها القرية، اكتشفنا خلال تجولنا بالمنطقة حيا قصديريا بجوار السوق. ويروي لنا أحد السكان أن قصة هذا الحي القصديري تختلف عن قصة السوق، حيث يعود تاريخه إلى ما قبل سنة 1988، حينها تم التنازل على الأراضي الفلاحية من طرف مصالح أملاك الدولة لصالح المجموعة التي تضم ثماني عائلات للفلاحين القاطنين منذ العهد الاستعماري. ولكن مع مرور الوقت بدأ الأمر يتفاقم، وعدد العائلات يتوسع بسبب ازدياد حجم هذه العائلات وتوافد البعض منها من الولايات الداخلية بسبب الحالة الأمنية التي مرت بها البلاد ليصل عددها إلى أكثر من 65 عائلة. كل واحدة منها بنت بيتا لها بطريقتها الخاصة. معاناة كبيرة يعيشها سكان الحي فلا القصدير ولا الإسمنت يقيهم حرارة الصيف والبرودة الشتاء القارس. إضافة إلى كل هذا _ يضيف آخر _ السلطات المحلية غائبة منذ عهد المندوبين التنفيذيين، ما عدا بعض الوعود الكاذبة التي "تلقيناها" حسب المتحدث. فبعد حدوث الفيضان مع بداية التسعينيات _ يضيف قائلا - استلمنا قرارات استفادة من قطع أرضية وتعويض مالي قدره 20 مليون سنتيم من طرف الدائرة الإدارية، إلا أن الأمر لم يحدث إلى حد الآن، ومازال المشكل يراوح مكانه، دون أي تغيير. وإلى أجل غير معروف يبقى سكان القرية ببلدية الشراڤة يتحدون الوضع الكارثة بكل جوانبه، فلا الأمن ولا النظافة ولا مركز صحي ولا ثانوية ولا... ولا .... ولا سلطات محلية.