أخيرا، ها هو الروائي المصري علاء الأسواني يحل ضيفا على الجزائر. مفندا تلك التصريحات التي راجت في الأشهر القليلة الماضية، والتي ذهبت في اتجاه رفض صاحب "عمارة يعقوبيان" زيارة الجزائر، وكل ما في الأمر هو أنه قرر تأخير زيارته لأسباب شخصية لا غير، كما صرح قائلا. تعرفت على الأسواني منذ سنتين بالقاهرة. أخذني إليه أحد الأدباء الجزائريين المقيمين هناك، واستقبلنا في الثامنة ليلا، بعيادته الواقعة بغاردن سيتي، حي القاهرة الراقي. فالأسواني لم يدرس الأدب، بل درس طب الأسنان في الولاياتالمتحدةالأمريكية، لكنه ظل عاشقا للأدب، مهووسا به وبعوالمه. رحب بنا الأسواني ترحابا رائعا. فالرجل ينتمي لإحدى العائلات المثقفة التي جاءت إلى القاهرة من الصعيد. وكان والده أديبا، ونشر بعض الأعمال الروائية. وترك لابنه الوحيد علاء ذلك الحب الذي لا ينضب للأدب، وأحاطه بروايات لكتاب من جنسيات مختلفة، من فرنسيين وروس وإنجليز. وارتبط الأسواني، ارتباطا وثيقا بنجيب محفوظ، واستحضر خلال حديثه علاقة الروائيين الروس برواية نيكولاي غوغول، "المعطف"، وتلك المقولة التي رددها فيدور دوستويفسكي مرة لما سألوه، بمن تأثر، فأجاب "كلنا خرجنا من معطف غوغول". ويعتقد الأسواني أن الروائيين العرب خرجوا كلهم من معطف نجيب محفوظ بشكل أو بآخر. الميزة الفريدة التي وجدتها مميزة عند علاء الأسواني، هي هذا الاعتراف، فهو يعترف أن علاقته بنجيب محفوظ هي علاقة الابن بالأب. يصنف الأسواني أيديولوجيا، اليوم ضمن التيار "العروبي"، فله مواقف صريحة من التطبيع مع إسرائيل، وسبق له في المدة الأخيرة، وأن رفض المشاركة في معرض باريس الدولي للكتاب، بسبب استضافة إسرائيل. وتبدو مواقف الأسواني بخصوص الوضع العربي صريحة رغم أنه درس في الثانوية الفرنسية بالقاهرة، لكنه لم يأخذ منها سوى عشق الأدب، أما الأفكار المرتبطة بالفرانكفونية كمنظومة فكرية، فلا مكانة لديه. فالأسواني محب للغة العربية. ويعتقد أنها عماد الهوية العربية. وقد تعرضت العربية في الآونة الأخيرة حسب ما فهمته منه، لعدة مؤامرات وأدرك ذلك من خلال أسفاره العديدة، ويعتقد أن المستشرقين يسعون لتدميرها عبر نشر اللغات المحلية. فهم يدركون جيدا أن انتشار اللغات المحلية سيؤدي إلى تكسير الهوية العربية. وبالتالي فالأسواني ضد نقل المدارس الغربية. ويقدم غابرييل غارسيا ماركيز الذي أقام في باريس، كنموذج للأديب الذي انفتح على الثقافة الغربية، دون أن يتخلى عن خصوصياته، وبقي يحتفظ بلغته الخاصة به . إن عشق الأسواني للثقافة الفرنسية، وحضوره الدائم على بلاتوهات التلفزيون، لم يؤد به إلى الذوبان في المنظومة الفرانكفونية. فمن قرأ أعماله الروائية والقصصية، يعثر على نبض الشارع المصري. يجد إخفاقات الناس. ومن كثرة التصاقه بالواقع، قيل حينما أصدر روايته الأولى "عمارة يعقوبيان" إن عدة شخصيات في الرواية موجودة على أرض الواقع، وإن الأسواني نقلها إلى الرواية كما هي، وهذا ما كذبه في أكثر من مناسبة، ودعا إلى عدم البحث عن شخصياته في الواقع، فهي شخصيات مبتكرة، وهنا تكمن قوة الرواية. وما قيل عن رواية "عمارة يعقوبيان"، قال عن رائعته الثانية "شيكاغو"، التي تحقق هدفا مزدوجا ينطلق من تقديم نقد الواقع المصري، ورسم صورة سلبية عن الواقع الأمريكي، متخذا من الحريق الشهير الذي شب بشيكاغو يوم الأحد 8 أكتوبر 1871، كواقعة للرمز للخراب الأمريكي. وبدأ الأسواني روايته بالتذكير أن "شيكاغو" ليست كلمة انجليزية، بل هي كلمة مستعملة لدى الهنود الحمر، وتعني "الرائحة القوية"، وكأني به يقول إن هذا الانفصال بالتاريخي والذاكرة هو سبب الخراب. . وتندرج رواية "شيكاغو" ضمن الأعمال الأدبية الجريئة التي تفضح النفاق العربي، وتسخر الأدب لخدمة الإنسان في سعيه الحثيث للتحرر من العقد. لقد أعاد الأسواني الروح للرواية العربية، وحقق ما حققته الجزائرية أحلام مستغانمي.