اختار كريم طابو، الأمين الأول لحزب جبهة القوى الاشتراكية، المغرب للدعوة الى فتح عاجل للحدود البرية مع المغرب، بحجة أن ذلك يقف حجر عثرة في وجه بناء الوحدة الإقليمية. ولم يتوان في تصفية حساباته الحزبية الضيقة ضد الرؤية الرسمية لبلاده والموافقة للعب على طاولة يدرك مسبقا أن الإعلاميين الرسميين الذين دعوه ودفعوا له ثمن تذاكر السفر من جيوب المغاربة الزوالية، لن يسمحوا له بانتقاد السياسة الرسمية لنظام الملك محمد السادس باسم الديمقراطية وإنما سيجعلوه بوقا تكفيريا معارضا للدولة التى ينتمي إليها طابو ويسافر ويتحرك بجواز سفرها بكل حرية. لقد سبق للإعلام المغربي أن استنجد بحسين آيت أحمد لما فجر الصحافي المخضرم، محمد حسنين هيكل قنبلة سياسية عبر قناة الجزيرة، عندما اتهم الملك الراحل الحسن الثاني بالتورط في عملية اختطاف الطائرة التي كانت تقل أعضاء الوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني في 22 اكتوبر 1956، وتنقل فريق إعلامي الى مقر إقامته بسويسرا لتسجيل حوار معه لتكذيب رواية هيكل باعتباره أحد القادة الستة الذين اختطفوا في تلك الحادثة. وتعكس هذه المعطيات التوجه المعهود لدى قيادة الافافاس والتي تبين كيف يتم توظيف قضية الحدود لأغراض غير متعلقة ب"الأخوة والصداقة"، كما يدافع عن ذلك المسؤولون المغربيون في دعواتهم الملحة والمتكررة لإعادة النظر في الحدود المغلقة منذ 1994 ويجدون في المواقف السياسية لبعض الشخصيات الحاملة لجواز السفر الجزائري الذي أصبح مطلوبا، فرصة لحمل الملف إلى مستويات يتم تصويرها على أنها الأهم في المساعي لبناء مغرب عربي موحد. وما جعل طابو يسوق هذا الخطاب وفي هذا الظرف بالذات هو موقع الحزب على مستوى الساحة الوطنية، حيث يسعى الأمين الاول بعد أن تعرض الحزب لأكثر من هزة منذ تعيينه على رأسه قبل اكثر من سنتين الى تقديم نفسه كرجل سياسي قوي يحسن تسيير الملفات الداخلية والخارجية، ولكن الاقرب الى كل هذا أن موضوع التصريحات التي اطلقها طابو نهاية الاسبوع الماضي تسجل في خانة تطوير خطاب مرتبط مباشرة بالحراك السياسي تحسبا للانتخابات الرئاسية القادمة. فالحديث عن قضية الحدود تعني بالنسبة لطابو قبل الافافاس الكثير، من زاوية أن الحزب فقد بريقه المعروف عنه بسبب الانشقاقات الداخلية، وبُعد زعيمه التاريخي عن التسيير المباشر لشؤونه. وطابو الذي يتحين خصومه الفرص للاطاحة به، يريد أن يكون في واجهة الاحداث في الداخل والخارج. وإثارة ملف الحدود وبالنظر الى حساسيته يجعل منه مركزا إعلاميا في المغرب والجزائر وحتى للمتتبعين للعلاقات الثنائية الجزائرية المغربية التي ما تكاد تنفرج حتى تعود الى التدهور، وفي جميع الحالات يكون الطرف المغربي المتسبب في ذلك من خلال إطلاق مبادرات أو خطابات أقل ما يقال عنها أنها عدائية، وآخر تلك المبادرات رسالة العاهل المغربي محمد السادس الى قمة الكويت الاقتصادية، ورغم أنه لم يشارك فيها إلا أنه أبرق خطابا وزّع على الصحافة اتهم فيها الجزائر بإغلاق الحدود والعمل على إضعاف الأشقاء والتسبب في تعثر مسار بناء الوحدة المغاربية. إن المعارضة السياسية للنظام ضرورة ديمقراطية لتصحيح الاخطاء وتصويب الاعوجاج وعدم ترك الازمات تتفاقم دون تقديم البديل بلغة بعيدة عن الحسابات الحزبية الضيقة أو تهديم ما بيد الغير لبناء على أنقاضه صرحا جديدا، كأن شيئا لم ينجز. والحديث عن الديمقراطية والحريات ليس حراما في المغرب وحلالا في الجزائر، كما أنها ليست "لا أريكم إلا ما أرى" أو أن "كل شيء ليس على ما يرام". ونصيحة لطابو، كما قال أحد الزملاء، لا تضع نظارات سوداء في عز الشتاء.