لا تزال مسألة الاستثمار العربي عموما والاستثمار الخليجي خصوصا في الجزائر تثير العديد من التساؤلات بشأن مصيرها وتجسيدها الميداني، فعلى الرغم من التسهيلات التي أعلنت عنها الحكومات الجزائرية المتعاقبة منذ سنة 1999 إلا أن العديد من المؤسسات الاقتصادية الاستثمارية العربية لا زالت تنتظر الاشارات الخضراء لبدأ عملية الانجاز ، ويلاحظ أن القلة القليلة من المؤسسات العربية مثل أوراسكوم المصرية أو سيدار السعودية أو موانئ دبي العالمية انطلقت فعلا في تجسيد مشاريعها وتبين أنها ذات فائدة كبيرة ولصالح الطرفين ، إلا أن مشاريع هامة بقيت حبيسة أدراج مكاتب وزارة الصناعة والمساهمة وترقية الاستثمار أو الوكالات الوطنية المختصة في الاستثمار الأجنبي ومن بين أهم الشركات العربية التي تنتظر تجسيد الوعود الاستثمارية، نجد شركة إعمار التي وعدت باستثمار ضخم يصل الى 30 مليار دولار ،وشركة الإمارات الدولية للاستثمار التي على عاتقها انجاز أكبر حظيرة في العالم تسمى " دنيا بارك " فضلا عن شركة " جراند " الكويتية التي على عاتقها انجاز مركب وقرى سياحية في منطقة عين طاية بتكلفة مالية تصل الى 5 مليار دولار . هذه المشاريع وأخرى كثيرة كان بالإمكان أن تغير وجه العاصمة الجزائرية وتجعلها تنافس أكبر وأحسن مدن حوض البحر الأبيض المتوسط، لكن هناك عراقيل وإجراءات بيروقراطية و قوى لا تريد للمال والاستثمار العربي الدخول الى الجزائر ومنافسة الشركات الأجنبية ومنها الشركات الفرنسية،في هذا الصدد يمكن القول أن اجتماعات اللجان المشتركة التي تعقد بين الجزائر وبعض الدول العربية سنويا يمكن أن تذلل بعض العقبات ومن بينها اجتماع اللجنة المشتركة السابعة بين الجزائر ودولة الإمارات العربية المتحدة في أبوظبي بتاريخ 20 إلى 21 ماي 2009 وفيها تستعرض دولة الإمارات العربية المتحدة بعض الملفات العالقة مثل بحث حل المعوقات والمشاكل التي تواجه الاستثمارات الإماراتية في الجزائر، والتعرف على أحدث التطورات الحالية والمستقبلية المتعلقة بقوانين الاستثمار المطبقة في الجزائر خاصة ما يتعلق بتحويل الأرباح و ملكية الأراضي وتملك الأجانب، وتحديد جهة واحدة واضحة للتعامل مع المستثمرين الإماراتيين لتسهيل عملية تنفيذ المشاريع في أسرع وقت ممكن من خلال تحديد نقطة اتصال في كلا البلدين للتنسيق المباشر في هذا المجال ،ومن بين النقاط المعروضة حث إدارة أملاك الدولة في الجزائر للإسراع في تملك الأرض للشروع في تنفيذ مشروع دنيا بارك ، فضلا عن حل مشكلة مشاريع شركة إعمار ، هذا بالاضافة الى العديد من الملفات ومذكرات التفاهم ،ويعتقد الطرف الإماراتي أن تواجد الشركات الإماراتية في الجزائر جاء بطلب من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة خصوصا وأنه يعرف الإمارات العربية المتحدة جيدا و جل الشيوخ والمسؤولين هم أصدقائه ،ويعتبر تجربة الإمارات في العقار والسياحة من أهم المنجزات في العالم ، كما أن الشركات الإماراتية لها من الخبرة والشراكة العالمية ما يجعلها من أحسن الشركات في العالم ، يكفي القول أن إعمار تعتمد في الدراسات قبل الانجاز في مكتب بكاليفورنيا يعتبر الأهم في العالم و منجزات الشركة في الإمارات دليل على ذلك آخرها ناطحة سحاب الأعلى في العالم في مدينة دبي . لقد ساعدت عوامل كثيرة الجزائر من أجل تحقيق نهضة اقتصادية مكنتها من تسجيل نموا اقتصاديا إيجابيا منذ عشر سنوات ، وخفضت من مديونيتها و من نسبة البطالة وغيرها من المعطيات والأرقام الإيجابية بشهادة جميع المؤسسات الدولية المختصة في متابعة الملفات الاقتصادية للدول ، لكن هذا التحسن في الواقع ناتج عن ارتفاع قياسي لأسعار النفط ، والغريب في الأمر أن قواعد اقتصاد السوق التي تبنتها الجزائر منذ عدة سنوات ، بدأت تتراجع عنها من خلال بعض التعليمات والأوامر و الإجراءات البيروقراطية التي أثارت ضجة عند الوسط الاستثماري الأجنبي خصوصا تعليمة الوزير الأول القاضية بإدخال شريك جزائري بنسبة 30 بالمائة في الشركات المصدرة والمستورة والعاملة في الجزائر ، أو تقييد تحويل الأرباح عن طريق البنك المركزي ، أو تسوية ملف العقار الموجه للاستثمار مثل ما حدث في دنيا بارك حيث لا يزال الخواص يعارضون تسوية الملف رغم رفع الدولة قيمة التعويض عن المتر المربع من 700 دينار الى 14 ألف دينار . إذا ما قمنا بعملية مسح شاملة لواقع الاستثمار العربي في الجزائر منذ عشر سنوات يمكن القول أنه حقق خطوة إلى الأمام و الأدلة كثيرة منها مشاريع جيزي و نجمة وسيدار وغيرها لكنه تراجع خطوتين إلى الوراء بالنظر إلى الوعود الاستثمارية الضخمة التي لم تتحقق في الميدان مما يعني أنه يجب توفر الإرادة السياسية التي تعطي دفعا قويا خصوصا وأن أغلب تلك الشركات المذكورة وقعت مذكرات تفاهم مع الحكومة الجزائرية وما على الطرفين الا تجسيد ذلك ميدانيا ، كما أن الجزائر لا يمكنها الاعتماد على سياسة الاقتصاد الحمائي لأن لديها احتياطي جيد من الأموال الصعبة ، لأن هذا لا يضمن الصحة الجيدة والدائمة للاقتصاد الجزائري المطالب باعتماد رؤية اقتصادية ليبرالية تأخذ بعين الاعتبار الطابع الاجتماعي . فاتح لعقاب