جاءت زيارة رئيس مؤسسة القذافي للجمعيات الخيرية والتنمية سيف الإسلام القذافي إلى الجزائر لتشكل في أهميتها ونتائجها محطة بارزة ومميزة في مسار العلاقات الجزائرية الليبية التي أصبحت من خلال مراحل تطورها ومجالات نشاطها نموذجا حيًا للتعاون والتشاور بين الدول وشعوب المغرب العربي. وإذا كانت بعض الكتابات الصحفية لم تكلف نفسها جهد إعطاء هذه الزيارة حقها من حيث إبراز أبعادها الإيجابية على العلاقات بين الجزائر والجماهيرية العظمى ومن ثمّ على منطقة المغرب العربي، فإن كتابات صحفية أخرى أرادت حصرها في موضوع ثنائي ضيق وهو معضلة المساجين في كلا البلدين، التي ستجد حلاً إن عاجلاً أو آجلاً. وبغض النظر عن هذه القراءات وعن مدى صحتها أو محدودية رؤيتها لطبيعة العلاقات التي تربط الجزائر بليبيا، فإن ما يجب التأكيد عليه أن هذه الزيارة جاءت في وقتها المناسب وأنها شكلت نقطة إيجابية تضاف إلى السجل الإيجابي للعلاقات بين البلدين التي كانت وما تزال علاقات تعاون وتشاور وتنسيق لا نبالغ إذا ما وصفناها بأنها حقيقة قاطرة المغرب العربي ولما لا الاتحاد الإفريقي !! إن الأهمية التي اكتستها الزيارة على المستوى الرسمي عكست وبشكل جلّي رغبة البلدين في تعزير العلاقات وتذليل المعوقات والذهاب بعيدا بمجالات التعاون الثنائية المشتركة. ولا بأس أن نتوقف عند بعض محطات الزيارة لنستجلي مدى أهميتها في توثيق عرى العلاقات الأخوية بين البلدين: 1-الترتيب الجيّد للزيارة حيث جاءت متكاملة من كل الجوانب وأعطت الانطباع أن العلاقات بين البلدين تستشهد آفاقا مميزة. 2-استقبال رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة لضيف الجزائر سيف الإسلام القذافي إشارة واضحة أن التشاور والتنسيق بين البلدين يتم على أعلى المستويات مما يدل دلالة كافية على توفر الإرادة السياسية لدى الجانبين للعمل سويًا من أجل تحقيق الأهداف المشتركة، وتجاوز التحديات والمخاطر. 3-أن مختلف المحطات التي شملتها زيارة سيف الإسلام عكست تنوع جوانب التعاون العسكرية والسياسية والاقتصادية والسياحية وغيرها. 4-إن الزيارة من حيث مدتها دامت عدة أيام وهو ما يعكس مكانة الجزائر المميزة لدى الجماهيرية. 5-إن المحادثات التي أجراها سيف الإسلام القذافي مع رئيس الجمهورية تكون قد شملت كل القضايا ذات الاهتمام المشتركة وخاصة الأمنية منها والسياسية إلى جانب قضية المساجين التي أخذت زخما إعلاميا عكر صفو العلاقات نوعا ما بين البلدين. 6-إن الزيارة نجحت في تحقيق نتائج إيجابية تتمثل أساسا في استمرار التعاون والتشاور في مختلف المجالات وعلى كل المستويات. كما جاءت تصريحات سيف الإسلام القذافي لتحمل دلالات مهمة وتعطي تصورًا لما يجب أن تكون عليه العلاقات بين الجزائروطرابلس والتي وصفها بأنها علاقات متميزة وخاصة بفضل علاقات الجوار وأن مستواها رائع ومقبول من الطرفين . وأوضح ضيف الجزائر أن هناك مشاريع لتوسيع التنسيق الأمني والسياسي والعسكري ، والاقتصادي بين البلدين وكشف سيف الإسلام أن البلدين يعملان على وضع ترتيبات أمنية وعسكرية وسياسية لمواجهة الأخطار والتهديدات المشتركة. ولم يفت سيف الإسلام أن يوجه إبانة قوية للإرهاب ويصف المأجورين من عناصرها بالفرق الضالة والمنحرفة التي لا تمتلك سوى برنامجا للقتل والدم ، وهذه رسالة قوية وواضحة تسقط كل الإدعاءات التي تحاك ضد دور الجماهيرية في منطقة الساحل وإلصاق التهم بها . فتصريحات سيف الإسلام القذافي جاءت لتؤكد على الوعي الكبير لضرورة التعاون في مختلف المجالات كالشباب وركز بوجه خاص على التحدي الإعلامي حيث يقف المغرب العربي منبهرا بالتطورات الإعلامية العالمية والعربية دون أن يحرك ساكنا أو أن يتفاعل معها فكانت دعوته إلى إنشاء قناة مغاربية على شاكلة قناة الجزيرة لفتة مميزة إلى مدى إدراك الرجل لأهمية الإعلام في توثيق العلاقات بين بلدان المغرب العربي الكبير. إن زيارة سيف الإسلام القذافي للجزائر أعطت صورة متكاملة عن الوجه الجديد للسياسة الخارجية الليبية التي استطاعت أن تحقق في السنوات الأخيرة توازنا ذكيا بين التوجهات الثورية للجماهيرية وبين البراغماتية الإيجابية التي تفرضها التحولات العالمية الراهنة ، فتمكنت بذلك من تحقيق مكاسب جد معتبرة وهي : oرفع العقوبات الدولية عليها وتراجع القوى الغربية عن إلصاق تهمة الإرهاب للجماهيرية oتعزيز دورها الإفريقي والمغاربي مما نالت به رضا العواصم الفاعلة في النظام الدولي oالقيام بوساطات نالت بها إحترام الرأي العام العالمي وذلك في السودان ، وسيراليون وموريطانيا وغيرها... oعودة العلاقات الطبيعية بين الجماهيرية والولايات المتحدة وهو ما يدل على تراجع واشنطن ومراجعة حساباتها والقبول بالأمر الواقع والتخلي نهائيا عن فكرة الإطاحة بنظام معمر القذافي الثوري oالتحسن الكبير والإيجابي في العلاقات بين الجماهيرية والدول الأوروبية الفاعلة. فهذه المكاسب وغيرها جعلت من ليبيا بلدا محوريا في السياسات الإقليمية وحتى الدولية جعل من الإستحالة تجاهله أو القفز عليه. وإذا كانت العلاقات الجزائرية الليبية تحكمها محددات ثابتة كالجغرافيا والتاريخ المشترك والمصالح الاقتصادية والسياسية ، فإن المستقبل المشترك سيكون المحدد الأكثر أهمية وفعالية ، مع استمرار علاقات حسن الجوار وسياسة التشاور والتنسيق والتعاون وتجاوز العقبات . وهنا لا بد من التأكيد على ضرورة مواجهة المخاطر القادمة من منطقة الساحل بعمل ثنائي أو جماعي محكم ودقيق وليس بشكل منفرد حتى لا تتحول هذه المخاطر وخاصة الأمنية منها إلى أخطبوط يهدد بقاء الجميع. فمحور الجزائرطرابلس سيكون الحجرة الصلبة التي تنكسر عندها مخططات ومؤامرات تفكيك وتفتيت دول المغرب العربي بزرع التنظيمات الإرهابية المفبركة والمصنوعة في المخابر السوداء للمخابرات العالمية التي تلهث وراء الاستحواذ على الثروات الطبيعية ولو على حساب سيادة الدول واستقلال الشعوب ومستقبل الأجيال القادمة وستكون الجزائر وليبيا لها بالمرصاد بمزيد من التعاون والتنسيق والتشاور. فجزائر الأمير عبد القادر وثورة 1954 تشد وبحرارة على أيادي ليبيا الثائر العظيم عمر المختار وثوار ثورة الفاتح المجيدة. الأزهر محمد ماروك