لم أتأخر عن لملمة تعثراتك ونصوصك قراءة زهدا فيها أو فيك، بل تحيينا للحظة أكون فيها رائقَ المزاج حتى لا أظلمها، إذا أردنا ألا نظلم أصدقاءنا نقديا، علينا أن نقرأهم ونحن في مزاج رائق، والحقيقة أن هذا "الروقان" جاءني من حيث لا أدري، إذ دخلت بريدي الإكتروني لأستخرج نصا لي كان لا بد أن أعود إليه قبل أن أرسله إلى الخير شوار، فوجدت أنني لم أحتفظ به في العلبة، هل ضاع إذن؟.. ألمُ الفقد في هذه الحالة يشبه ألم أن تفقد ابنك بعد أن يولد، حيث يصبح مجرد ذكرى تأخذ معناها من المستقبل الذي لن يكون... صديقي رمزي.. هل الشعر هذا النوع من الوجع؟.. أخشى أن يكون ذاك، لأنني سأجد نفسي مضطرا إلى تمزيق كل نصوصي التي لم تضع، لأنها تتوفر على جرعات زائدة من اليقين، وأصير شاعرا بلا نصوص؟، لكن هل أستطيع أن أكون جديرا بلقب الشاعر وأنا لا أتوفر على نص؟، ثم ما مصير نصوصنا التي تضيع ولا نملك نسخة عنها؟، هل تموت أم تأخذ مجرى حياة أخرى لا نستطيع إدراك مجاريها؟، إذا كان الأمر كذلك.. هل في هذه الحياة نقاد؟. وهل هم حاقدون مثل نقاد النصوص التي لم تضع؟، بحيث يتعاملون مع النص كجثة بين يدي طبيب مشرّح، يمزقها ليثبت موتها لا حياتها، هل يدخل الجنة ناقد بهذه النية؟، يقول المتصوفة: في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة، وهذا الناقد لم يدخل جنة الشعر، وأرجو من الله الجميل أن يراعي هذا المعطى في توزيع الأرزاق في الحياة الأخرى، هذا حتى لا أحكم مكانه. قلت لك يا صديقي إن سبب روقان مزاجي الذي استغلّيته لأقرأ نصوصك هو أنني وجدتها بديلا لنصي الضائع.. حيث نسيته وغرقت فيها، وقد كانت تجربة رائعة لاختبار أنانيتي.. هل يمكن لشاعر ضيع نصه أن يتعزى بنص لغيره؟، ربما أبدو مثاليا، لكنني تعزيت فعلا، والدليل أنني نسيت كونه ليس لي ورحت أعيد النظر في بعض فواصله ومفاصله بما يتماشى مع ذوقي كأنه لي وقد أنهيت كتابته للتو، ثم في خضمّ تلك الغفلة رحت أسأل نفسي: من تكون "س" هذه التي في النص؟، ورحت أقلب ألبوم حبيباتي في ذاكرتي، فلم أعثر إلا على س التي كانت عضوة معي في الفرقة المسرحية للمتوسطة.. إيه كانت حبي الأول، وخيبتي الأولى أيضا، إذ ما أن تبادلت معها رسالة أو رسالتين حتى غادرت مع أسرتها إلى فرنسا هروبا من جحيم العنف بداية التسعينيات، كنت صغيرا على الصدمة وكبيرا عى الانكسار، وهو واحد من المقامات الأولى التي أحالتني على الشعر، ربما لأنني وجدت رائحة لذلك في تجربتك هذه، فقد نسيتك وتبنيته، وهنا علينا أن نطرح هذين السؤالين: هل هذه هي لحظة التلقي القصوى الدالة على نجاح النص المُتلَقى؟، وهل هذا هو المعنى الوظيفي لمقولة موت المؤلف، حيث يصبح هو قارئَه؟، أعتقد ذلك.. لذلك لا أجد حرجا من كوني تحدثت عن تبعثراتي، أكثر مما تحدثت عن تبعثراك.