من المنتظر أن يصدر هذا الأسبوع بباريس، كتاب جديد للمؤرخ الفرنسي بنيامين ستورا حول الجنرال ديغول، وكيف تعامل مع القضية الجزائرية لما عاد للحكم بفرنسا سنة 1958، على رأس الجمهورية الخامسة، التي حلت محل الجمهورية الرابعة بعد أن تلقت ضربات موجعة من قبل الثورة، فاختفت كما اختفت الثالثة. ومن بين الأمور التي يكشفها ستورا في كتابه الذي سيصدر بعنوان "ديغول الغامض ... اختياره بالنسبة للجزائر"، رفض الجنرال ديغول لفكرة الاستمرار في ضم الجزائر إلى المنظومة الفرنسية، بعد أن اعتبرها دولة إسلامية، يستحيل أن تتعايش مع فرنسا ذات التقاليد الأوروبية. ويُعرف عن الجنرال ديغول، الذي قاد فرنسا المقاومة ضد النازية خلال الحرب العالمية الثانية، ميله الشديد لإدماج فرنسا ضمن منظومة أوروبية قوية لمواجهة المد الألماني. وقد عمل كل ما بوسعه لكسر شوكة ألمانيا، بعد تقزيمها، وتحويلها إلى دولتين تطحنهما الحرب الباردة. لذلك كان ديغول يميل إلى الغرب وليس إلى الضفة الجنوبية من المتوسط. ويؤمن بأوروبا مسيحية رأسمالية غير منفتحة على التأثيرات الثقافية الأخرى. هذا ما أراد ستورا أن يقوله لنا. وهو طبعا عبارة عن طرح قديم أراد أن يتجدد، مفاده أن عودة الجنرال ديغول للحكم، ساهمت في فتح طريق النصر أمام الثورة الجزائرية، حتى أن البعض لا يتردد على اعتبار أن "ديغول هو من أعطانا الاستقلال". وقبل هذا سبق لبعض المحاضرين في ملتقى انعقد في إحدى الدول العربية، تحت عنوان" شارل ديغول والعالم العربي"، أن زيفوا الحقائق التاريخية، تزييفا واضحا، وقدموا الجنرال ديغول على أنه "أب حركة التحرر". صحيح أن ديغول كان يدرك أهمية التأييد والدعم الذي حققته الجزائرية في المحافل الدولية منذ مؤتمر باندونغ أندونيسيا عام 1955 والمؤتمرات الآفرو آسيوية وبداية التعامل الإيجابي داخل الأممالمتحدة التي ناقشت القضية الجزائرية في العديد من جلساتها. ويعترف في مذكراته بتعاطف شعوب العالم مع القضية الجزائرية، ولم يغفل دور الأممالمتحدة التي اتخذت عدة مواقف إيجابية منها، وأن الجزائريين (المسلمين) يؤمنون فعلا باستقلال بلادهم أسوة بشعوب أخرى سبقتهم إلى ذلك في إفريقيا وآسيا، وأنهم من أجل ذلك بدؤوا يعملون بأنفسهم لتحقيق هذا الهدف، وأنهم ملتفون حول جبهة التحرير الوطني. كما يعترف باختلاف الشخصية الإسلامية للجزائريين عن الفرنسيين الذين أرادوا جعل الجزائر وطناً فرنسياً ودمج سكانه بفرنسا الأم. إذن فالجنرال ديغول يعترف بأن للجزائر وضعية خاصة تختلف عن باقي المستعمرات فالحكم الفرنسي بها كان حكما مباشراً، وهي عبارة عن أرض فرنسية بالنسبة للمعمرين الذين جاؤوها، عكس البلدان التي تركوا فيها الحكام المحليين. لكن كل هذا لم يمنعه من محاربة الثورة، ومتابعة المجاهدين بواسطة مشروع شال العسكري، الذي شرع في تنفيذه منذ فيفري 1959، والذي كاد يقهر الثورة، وجعل قادتها في الداخل يفكرون في تقسيم وحدات الجيش إلى جماعات صغيرة من بضعة أفراد حتى يتسنى التحرك داخل الخناق الفرنسي الشديد. بالتالي تبقى شخصية الجنرال ديغول، بمثابة شخصية يحوم حولها كثير من الجدل، لما يتعلق الأمر بعلاقته مع الثورة الجزائرية، وبإمكان كتاب ينيامين ستورا أن يفتح النقاش مجددا حول كثير من المسائل المسكوت عنها في تاريخ حرب التحرير. لكن المطلوب أن نرى كتابا جزائريا، من مؤرخ جزائري حول نفس المسألة حتى لا يصبح كتاب ستورا بمثابة المرجعية الوحيدة بخصوص هذه المسألة الشائكة.