ما أعظم المواقف النبيلة او ما أعظم الثبات على المبادىء,وما اعظم الرجل الذي لايداهن ,ولايبدل ويتنازل عن أغلى ماعنده....عقيدته حتى وهو يقف أمام الفتن,فتن الدنيا,وفتنة الموت والتهديد .... وكم يوجد في تاريخ أمتنا الحافل بالبطولات والمواقف من رجال ضربوا أروع الامثلة في الثبات,وللقارىء الكريم أن يقارن بين رجل عرض عليه ملك الروم التحرير من الاسر وهو مكبل امام طاغية فلا يبيع آخرته بدنياه من أجل عرض زائل , وبين رجل في ايامنا هذه يبيع عقيدته بفيزا أو بدولارات تقطع عنه ثاني يوم بعد ان يتنازل عن أقدس شىء ان كان يؤمن به حقا ويقدسه.... وللقارىء الفاضل أذكر مواقف رجل سجل أسطرا من نور في تاريخ الرجال العظام ....إنه عبد الله بن حذافة السهمي..أحد الصحابة الستة الذين وقع عليهم إختيار أول سفراء الاسلام الى عظماء ذلك العهد من قياصرة واكاسرة....عبد الله كلفه الرسول(ص) بتبليغ رسالة التوحيد إلى كسرى عظيم الفرس. وحيدا على صهوة راحلته قطع الفيافي والقفار حتى وصل إيوان كسرى الذي زين لاستقبال المبعوث ودعي لحضور الضيف آكابر القوم ونبلائهم أذن لعبد الله بالدخول على كسرى وظن الاخير ان الذي يطلع عليه مثل اولئك المبعوثين من قبل الملوك والزعماء محملين بالهدايا وعليهم فاخر الثياب ولكنه الامر لم يكن كذلك فقد دخل عليه رجل ببساطة البدوي وبهامته العالية وعزة المؤمن ....وطلب كسرى ان يعطى الكتاب الى أحد المترجمين العرب الذي كان بالايوان فأبى عبد الله أن يسلمه الا لكسرى قائلا انما آمرني رسول الله (ص)أن ادفعه لك يدا بيدا وأنا لا أخلف أمرا لرسول الله فأخذه منه وأمر بقراءته فإذا فيه ( بسم الله الرحمان الرحيم من محمد رسول الله الى كسرى عظيم الفرس, سلام على من اتبع الهدى...) فما ان سمع كسرى ذلك حتى جن جنونه وأمر بطرد عبد الله,فخرج الاخير وهو لايدري ماذا سيلحقه من هولاء القوم,ولكنه قال :لايهمني الامر مهما حصل لي ,فإني بلغت كتاب رسول الله (ص) ورجع الى المدينة فأخبر الرسول بأن كسرى مزق الكتاب فقال: (ص) مزق الله ملكه. أمر كسرى عامله في اليمن بأن يتقصى أخبار محمد(ص) وأن يأتي به اليه, فكلف بذان بذلك رجلين آتيا رسول الله(ص) وطلب منه أن يذهب الى كسرى فقال لهما أرجعا فإنكما لن تلقيا كسرى بعد اليوم فلقد سلط الله عليه إبنه شيرويه فقتله. وفي خلافة عمر (رضي) وبالضبط في سنة 19 ه كان عبد الله بن حذافة في جيش لقتال الروم فوقع اسيرا فاحضروه الى قيصر الروم وأخبروه انه من الصحابة الاوائل لمحمد(ص) ...فعرض عليه التنصر ليخلي سبيله فأبى,فقال له لك نصف ملكي فزاد إباء وقال ان الموت احب الي ألف مرة مما تدعونني اليه...فعاد القيصر ليعرض عليه اشراكه في ملك والسلطة فقال وهو مكبل في الاصفاد: والله مافعلت ,فقال اذن اقتلوه فقال :أنت وماتريد....فصلب وراحو يرمونه بسهام لتخويفه فلم يثني ,فوضعوا قدرا من زيت والقوا فيه أسيرين مسلمين فذاب لحمهما وباتت العظام عارية ومرة اخرى عرض عليه التنصر فأبى قائلا تمنيت لو انى لي بكل شعرة روحا فتلقى في هذا القدر في سبيل الله....فقال له القيصر ألك ان تقبل رأسي فاخلي سبيلك؟؟فقال عبد الله:واسرى المسلمين؟ فقال :نعم ...ففعل عبد الله انقاذا لارواح المسلمين وعاد الى عمر فأخبره الخبر... فسر به الفاروق وقال للاسرى: حق على كل مسلم ان يقبل رأس عبد الله بن حذافة....وأنا أبدا بذلك ثم قام وقبل راسه...