بقلم مشري عمر * (لقد أبصرتك والردى بك محدق .. والداء ملئ معالم الجثمان ). عندما اندلعت ثورة التحرير الكبرى كان أعظم ما فيها أنها جاءت طبيعية، وإلى درجة تكون تلقائية وهذا هو الذي يحدث عندما تجد الشعوب المقهورة نفسها في مواجهة مصائرها، ويكون عليها في لحظة من اللحظات أن تقف وتثبت استحقاقاتها للحياة أو تركع وتتخلى عن الحياة ذاتها . لقد بدأ المشهد الجليل للثورة بقيام ثلة صغيرة من المنظمة السرية '' LOS '' الجناح العسكري لحزب الشعب بتفجيرها فاحتضنها الشعب وفي ظرف أيام وأسابيع كان المناضلون قد دخلوا المعركة دون تدبير أو تخطيط أو هدف إلا المقاومة لأنها مستمدة في حد ذاتها من إرادة الحياة . كانت الثورة على هذا الشكل عملا عبقريا استمد كل عناصر قوته من وضع راهن متدهور ومهتر، لكن عبقرية الفعل كانت بالضبط هي ظروف حركته ووسائل هذه الحركة . لقد بدأت الثورة بدون سلاح حربي، ولا ذخيرة ولا إمداد، ولا خطوط تموين ولا قواعد خلفية ولا دعم خارجي ولا علاقة دولية، ومع ذلك اندفع الشباب في داخل الجزائر وخارجها إلى تأييدها وإلى التفكير في كيفية الالتحاق بها، ومن بين هؤلاء الملازم الأول الطيار آيت مسعودان السعيد، فمن هو هذا الرجل؟ تنحدر عائلة آل علي مسعود من سيدي علي بوطالب بنواحي عين الحمام وقد هاجرت في الزمن الغابر إلى قرية آيت أودرت التي تقع بالقرب من دائرة واسيف ولاية تيزي وزو . تشرف هذه القرية على منبطح فسيح فيه الأشجار المثمرة وفيه حقول الزيتون الوافرة يتميز أهلها بضبط النفس وحسن التقدير والتي ورثها عنهم آيت مسعودان السعيد، إن هذه الصفة التي يعرف بها أهالي جبال جرجرة الذين عاشوا في حمايتها ( جرجرة ) خلال مدة الاستعمار هي التي زودتهم بقيم نشأت من المقاومة الدائمة والمتواصلة ضد المستعمر . ويتميز بالألفة الصميمة بين عائلتها وبيوتها وكان أهلها القرويون ذوي نفوس كبيرة وشبابها يتميزون بعنفوانية واضحة، أما شيوخها فإنهم أهل شهامة عالية، كان لفتيانها وفتياتها ذكاء فطري عبر التاريخ . في هذه القرية التي عاشت في أحضان الجبال ترعرعت عائلة آل علي مسعود واستقرت وأصبحت هي التي تدير شؤون القبيلة وهي المسؤولة عنها وكان كبير العائلة وكبير العرش يدعى محند وعمر . وعندما غزت الجيوش الفرنسية الجزائر شاركت عائلة آل علي مسعود في المقاومات المختلفة وخاصة تلك التي كانت تقودها لالا فاطمة نسومر ضد الاحتلال فاستشهد أحد أفرادها المدعو أحمد بن مسعود . في هذه الفترة كانت الأجواء حول الجميع مشحونة بالتوتر مزدحمة بالشك معرضة طول الوقت للمفاجآت نتيجة زحف الجيوش الفرنسية على الجزائر وقيامها بإحصاء السكان وإنشاء الحالة المدنية وما ترتب عنها من تحريف في الأسماء . وهكذا أصبحت عائلة آل علي مسعود تلقب بآيت مسعودان، وبدأ الاحتلال يبطش بالوطنيين وخاصة العلماء والأعيان منهم، وبات السجن والنفي هو السائد في تلك الحقبة وأصبحت الحياة في مجملها في الجزائر ضنكا وبأسا وشقاء تتقاذفها الهموم وتتجاذبها النزاعات ومطالب البقاء من مهمة إلى مهمة ومن حل إلى ترحال . هكذا كانت حالة الجزائريين إبان الحكم الفرنسي مرارة ولا أشد، قسوة ولا أعنف، وجهلا ولا أعم، وغناها حياة مظلمة الجوانب وفيرة الأرزاء فسيحة المهالك . إنها صحراء من الألم والحيرة والروع، صحراء لا يجد فيها الإنسان إلا الوحشة والخوف والمجهول . في مثل هذه البيئة القاسية اضطر آيت مسعودان قاسي بن مزيان إلى النزوح إلى مدينة أفلو طلبا للعيش في ظروف أكثر إنسانية فامتهن التجارة، وهناك تزوج من إبنة السيد تركي الحاج بوسعد بلعيد مقدم زاوية سيدي بن عزوز بحد الصحاري . مولده : من الصعب أن يتخيل أحد مكانا أقل ملاءمة لمولد وطني فذ من المكان الذي ولد فيه آيت مسعودان السعيد . فقد أبصر النور سنة 1933 بحد الصحاري وعاش في حضن والديه، وقد تنقل مع الأسرة إلى البيرين وفي سنة 1935 عاد إلى قريته آيت أودرت ليشب على خصال أهلها ثم رجع إلى حد الصحاري سنة 1935 وهناك دخل المدرسة الابتدائية الرسمية إلى جانب دراسته في الكتّاب، وكانت الدراسة تدوم طوال اليوم . فبعد صلاة الفجر يذهب إلى الكتّاب وعندما تحين الساعة الثامنة يذهب إلى المدرسة وفي الحادية عشرة يعود إلى الكتّاب إلى الواحدة زوالا ثم يعود إلى المدرسة الرسمية ماعدا يوم الخميس . في سنة 1944 انتقل إلى مدينة البليدة رفقة خاله تركي المختار الذي أدخله إلى مدرسة الأهالي الوحيدة بالبليدة ( ECOLE D'INDIGENE ) لإكمال تعليمه الابتدائي ثم انتقل بعد ذلك إلى المتقنة التي تدعى بوبريط ( العربي التبسي حاليا ). في سنة 1951 نشرت فرنسا إعلانا بالمتقنة تعلن فيه عن حاجتها إلى طيارين، فمن أراد ذلك فليتقدم إلى المسابقة، وهكذا شارك آيت مسعودان السعيد في المسابقة وكان ترتيبه الأول . انتقل إلى مدرسة الطيران الواقعة في روشفور وهناك تحصل على البكالوريا . في هذه الأثناء كانت ألمانيا تحت احتلال الحلفاء وكانت مدينة أفريزانغ ( AFRIZANG ) بها قاعدة جوية كبيرة، فقرر الحلفاء أن يجعلوها مدرسة لتكوين الطيارين على أن تبعث كل دولة طلباتها حسب الحصة المحددة لها، وقد كان النصيب الأوفر من حظ الولاياتالمتحدةالأمريكية، بحيث نجد أن لها 100 طالب، بريطانيا 19 طالبا، وفرنسا 6 طلبة . لذلك اضطرت فرنسا إلى تنظيم مسابقة في صفوف القوات الجوية لتنتقي ستة أفراد، وقد شارك آيت مسعودان السعيد في المسابقة وكان ترتيبه الأول على رجال القوات الجوية الفرنسية، سافر بعدها إلى ألمانيا للتكوين مع طلبة الحلفاء، وبعد الانتهاء رجع إلى صالون دو بروفونس ( DE PROVENCE ) بفرنسا حيث أكمل تمريناته وتخرج من هناك برتبة ملازم ثاني ، عين للعمل بقاعدة الحلف الأطلسي الجوية رقم 707 الواقعة بمدينة مراكش بالمغرب أين أصبح يطير على طائرة مستار 20 (20 MYSTERE) وهناك اتصل بعائلة جودي صاحبة شركة النقل بمراكش والمنحدرة من مدينة البليدة والتي كان يعرفها والتي أوصلته إلى السيد بوداود منصور الذي كان من كبار المسؤولين في قيادة الثورة، فطلب منه الإلتحاق بصفوف جيش التحرير . في هذه الأثناء أبلغ آيت مسعودان بأنه مدعو إلى الرجوع إلى ألمانيا قصد إتمام دورة تدريبية خاصة هناك فأبلغ بوداود منصور بذلك فنصحه بالتوجه إلى ألمانيا وإكمال دورته وأعطاه رسالة قائلا له : '' عندما تصل باريس إتصل بهذا العنوان '' ، وعندما ذهب وجد عبد الرحمان فارس الذي كان يعرفه في حد الصحاري فسلمه بدوره رسالة أخرى بها عنوان في ألمانيا وعندما حل هناك وجد كرامان ومولود قاسم نايت بلقاسم ممثلين لجبهة التحرير . وهناك زاول دورته التدريبية وبعد نجاحه رقي إلى رتبة ملازم أول عندئذ طلب من قيادته في ألمانيا منحه إجازة لزيارة عائلته وعند الموافقة لم يلتحق بعائلته ولكنه التحق بالثورة عن طريق دخوله إلى سويسرا على الأقدام متفاديا نقاط المراقبة والتفتيش وعندما التحق ببورن ( BEURN ) توجه إلى السفارة المصرية التي زودته بوثائق مصرية وجواز سفر مصري تحت اسم حميدو تمكن بهما من الدخول إلى إيطاليا وهناك وجد الطيب بولحروف الذي أرسله إلى تونس . ويروي لي أخ الفقيد الحاج أحمد آيت مسعودان أن السعيد بعث برسالة من إيطاليا فيها جملتان فقط : تحياتي للعائلة لن أعود إلى فرنسا . ففهم أخوه المقصود وبعد أيام استدعته الجندرمة الفرنسية طالبين منه أن يخبرهم عن أخيه إن هو حل بمنطقة حد الصحاري . أما من جانب الحلف الأطلسي فإن قصة التحاق آيت مسعودان بالثورة تختلف . فقد كتبت مجلة فلايت انترناسيونال ( flight internationale ) الصادرة بتاريخ 10/04/1969 تقول : لقد فر الملازم أول آيت مسعودان السعيد على متن طائرة عسكرية فرنسية وهبط بها في يوغوسلافيا مما تسبب في أزمة دبلوماسية خطيرة بين فرنسا والبلد المضيف . تونس والتحقيقات المكثفة : عندما وصل آيت مسعودان السعيد إلى تونس استقبل بترحاب كبير وبتحفظ على أساس القانون الذي كان سائدا في جيش التحرير والقاضي بالتحري عن كل شخص يلتحق بالثورة حتى يتم التأكد من نواياه، وبدأ التحقيق معه من طرف عدة مسؤولين نظرا لرتبته العالية ولثقافته العالية ولكونه طيارا في الحلف الأطلسي يتمتع بامتيازات كبيرة ومع ذلك يترك كل شيء ويلتحق بالثورة . بلغ الخبر إلى وزير الحرب آنذاك الراحل كريم بلقاسم فاستدعاه للتحقيق معه شخصيا، وعندما تقابلا وسأله الوزير تعرف على عائلته فأمر بإدماجه على الفور في صفوف جيش التحرير، وبإسناد مهمة الإشراف على تأسيس الطيران العسكري الجزائري . آيت مسعودان وتأسيس الطيران العسكري : كانت لقيادة الثورة استراتيجية بعيدة المدى . فبالرغم من الحرب الدائرة رحاها في الجزائر، إلا أن التفكير في استعمال الطيران الجزائري في القتال كان سائدا بحيث يستفاد منه في تموين الثورة بالسلاح عن طريق إلقائه بالمظلات أو عن طريق نقله بالحوامات التي تهبط به في التراب الجزائري وتفرغ حمولتها ثم تقلع من جديد عائدة إلى قواعدها، وفي نفس الوقت يكون النواة الأولى لإنشاء سلاح جو بعد الاستقلال، هذا ما كان يفكر فيه كل من العقيد كريم بلقاسم والعقيد بوصوف وغيرهما، لذلك كلف آيت مسعودان السعيد بترأس بعثة الطيران العسكرية المتجهة الى الصين، وعند التحاقهم بالصين قام آيت مسعودان بتقسيم المجموعة الى فوجين : 1- فوج المقاتلات وعلى رأسه العميد الراحل يحي رحال وعضوية بوزغوب محمد الطاهر والراحل رابح شلاح عليهم رحمة الله وغيرهم . 2- فوج المقنبلات وعلى رأسه العقيد بوداود صالح والراحل العقيد مصطفى دوبابي عليه رحمة الله والراحل العقيد عبد الله قنيفي، بالإضافة الى مجموعة الفنيين الذين كان يرأسهم الراحل العقيد موسوني بلقاسم وعضوية الراحل العقيد كمال شيخي، الرائد عبد الرحمان صغير والعقيد هادفي رحال . وقد بدأ الجميع في العمل الجاد والتكوين المتواصل الى أن جاء الأمر من العقيد بوصوف الى آيت مسعودان السعيد يأمره فيه بالتوجه فورا ومعه كل الطيارين الى بغداد وعند وصوله وجد الطيارين الذين تخرجوا من القاهرة أيضا هناك . وكان الغرض من هذا التجمع يتلخص في أن العقيد بوصوف رحمه الله أراد أن ينشئ قاعدة جوية بليبيا تكون قريبة من الحدود الجزائرية، لاستعمال الطيران في تزويد المجاهدين بالسلاح عن طريق الإسقاط بالمظلات، غير أن دول الكتلة الشرقية وبالخصوص الإتحاد السوفييتي، اعترضوا عن إنشاء مثل تلك القاعدة لصعوبة حمايتها وللمشاكل السياسية و التعقيدات التي تترتب عليها، لذلك استبدل هذا الخيار وحل محله إنشاء أسطول من الحوامات يقوم بنقل السلاح إلى الداخل بواسطة طيارين متطوعين كان أولهم آيت مسعودان، وعند إفراغ الحمولة تعود الحوامة ( helecopter ) من حيث أقلعت . فاتجه آيت مسعودان ومعه كل الطيارين الجزائريين إلى الإتحاد السوفييتي للتخصص على قيادة الطائرات النفاثة بالنسبة للمقاتلات والقاذفات . كما أنشئت مجموعة أخرى للنقل بقيادة الراحل النقيب عبد القادر طهرات للتخصص على طائرة أونتونوف 120. إنشاء مجموعة الحوامات التي سبق ذكرها قصد نقل السلاح إلى داخل الجزائر على أن يقوم بذلك طيارون متطوعون، وبعد الإنتهاء من التدريبات عاد آيت مسعودان ومعه المجموعة إلى الجزائر . ى مزارات والشوارع إلى مسيرات وكانت الأعلام خفاقة في كل مكان . في هذا الجو بدأت المؤامرات تحاك ضد مسعودان قصد استبداله بشخص آخر على رأس الطيران، وهنا توجه عدد من الضباط إلى الحاج بن علا المسؤول عن الشؤون العسكرية آنذاك لإقناعه بتثبيت آيت مسعودان السعيد كقائد للطيران، والمعين سلفا من قبل العقيد بوصوف في هذا المنصب . تأسيس القوات الجوية الجزائرية : هكذا بدأ آيت مسعودان في ممارسة مهامه وتم إنشاء أول قاعدة جوية عسكرية بالدار البيضاء، وكان الراحل العقيد مصطفى دوبابي أول قائد لها، ثم توالى فتح القواعد الجوية الأخرى كبوفاريك، عين وسارة، ورقلة، وغيرها وكان آيت مسعودان يمارس مهامه من مكتبه في قصر الحكومة بتفان وإخلاص نادرين، مبتعدا عن أي صراعات شخصية، ولعله الوحيد من بين المسؤولين الذي بقي فردا مستقلا بنفسه ليس له أعداء ولا أنصار وهذا هو سر قوته وسر ضعفه معا . لقد كان هو عنصر التهدئة والاعتدال كلما نشبت خلافات أو اشتدت عواصف بين أصدقائه لأنه كان رجلا بلا أعداء . آيت مسعودان وأزمة أكتوبر 63 مع المغرب : في هذه الفترة نشب خلاف حدودي بين الجزائر والمغرب ونشب بينهما قتال مسلح استعمل فيه الطيران المغربي لضرب قوافل التموين المتنقلة بين بشار وتندوف وبين تندوف والحدود، وهنا أمر آيت مسعودان بأن يتحرك الطيران إلى الجنوب تحت قيادته، وعند وصولنا إلى قاعدة مشرية وجدنا فيها قوات فرنسية يرأسها نقيب مكلف بحراسة المدرج . أما قاعدة بشار التي كانت قاعدة ذرية فإننا منعنا من الإقتراب منها أو النزول فيها، أو خوض معارك جوية في سمائها، حسبما ذكر لنا الجنرال الفرنسي الذي دخل في حوار مع آيت مسعودان تدخلت على إثره وزارة الدفاع الفرنسية من باريس . ولعل فحوى الحوار لا زال لم يحن الوقت بعد للبوح به وهكذا استطاع آيت مسعودان بخبرته وتجربته من استعمال القواعد الجوية الموجودة بالغرب الجزائري وأن يحقق ما كان يصبو إليه وهو صد الطيران المغربي عن مهاجمة القوافل المتجهة إلى تندوف . الترزي وزواج آيت مسعودان : كان الترزي الموظف بوزارة الخارجية صديقا لآيت مسعودان منذ حرب التحرير وكان متزوجا من عائلة تركي المعروفة في بجاية وغالبا ما كان يكلمه عن تلك العائلة وبأنه مستعد للتوسط له إذا أراد الاقتران بهذه العائلة، وهكذا تقدم آيت مسعودان للزواج من هذه العائلة سنة 1936. وقد رزق من هذه السيدة الفاضلة ببنتين وثلاثة ذكور وهم : أمين 1967 ، صديق 1970 ، عمر 1976. في سنة 1967 أنهيت مهامه من على رأس قيادة الطيران العسكري فاستدعاه الرئيس الراحل هواري بومدين وعيّنه مستشارا لديه حتى سنة 1969 حيث عين كرئيس مدير عام لشركة الخطوط الجوية الجزائرية، وعندما غادرها سنة 1972 كانت قد حققت ربحا معتبرا . 1972 إلى 1977 عين آيت مسعودان وزيرا للبريد والمواصلات في حكومة الراحل هواري بومدين . في 22 / 04 / 1977 إلى 08 / 03 / 1979 عين وزيرا للصحة في حكومة الرئيس الراحل هواري بومدين 82 / 03 / 1979 إلى 22 / 01 / 1948 عين وزيرا للصناعات الخفيفة والمتوسطة في حكومة الرئيس الشاذلي بن جديد أطال الله في عمره . وبعد ذلك انتخب عضوا عن ولاية الجزائر في المجلس الشعبي الوطني ليصبح نائبا لرئيس المجلس حتى عام 1991 . وبعدها تلقى منصبا سياسيا بحتا عندما أصبح عضوا في قيادة جبهة التحرير الوطني، وعندما أتعبه الزمن واشتد مرضه ظل يقاوم، وأذكر أننا كنا نذهب سويا إلى الندوات والملتقيات الفكرية وحفلات التكريم التي كانت تقام له مثل تكريمه في جريدة المجاهد وفي غيرها، ولم يتوقف عن الخروج والتنقل أحيانا إلى الأصدقاء وأحيانا إلى واجبات عائلية إلا في منتصف سنة 2008 عندما أقعده المرض بعد صراع طويل ومقاومة باسلة، وعندما زرته آخر مرة في عين النعجة خيّل إلي بأنه أضاف إلى عمره سنوات، لقد كان مريضا بشكل يصعب وصفه وكانت في عينيه التي لا تفتح إلا نادرا سحابة حزن لم أرها من قبل، ومع ذلك كان يحس بوجودي ويشد على يدي بقوة وكأنه يقول لقد عرفتك. هذا هو بإيجاز آيت مسعودان السعيد المجاهد والضابط والطيار والقائد والوزير والنائب في المجلس الشعبي الوطني والمناضل، الذي قدم خدمات جليلة لبلده ولدينه ولأمته والذي تخلى عن الامتيازات وعن المستقبل المضمون وكان من القلائل الذين التحقوا بجيش التحرير برتبة ضابط ملازم أول ومع ذلك لم يستطع أن يحقق نوعا من النجاح الساحق، أو يتقدم إلى مواقع القيادة الأولى لأن السياسة في العالم الثالث، ونحن جزء منه، تحتاج إلى صفات غير الاستقامة والزهد وتجنب الصراعات . فالذين يعملون في السياسة دون أن يكون لديهم شيء من الدهاء والقدرة على المناورة لا يمكن لهم أن يكسبوا كل الجولات حتى النهاية . فنم قرير العين يا أشرف الناس، وأطهر الناس، وأكرم الناس، وأحلم الناس، وأصبر الناس، لأني سألقاك على صفحات الورق إن كان في العمر بقية لأكتب عن آيت مسعودان الأب، وآيت مسعودان الاجتماعي، وآيت مسعودان المثقف . والخلاصة أن الأجسام فانية أما الأعمال فباقية . فتحية إلى كل من ساعدني على إنجاز هذا الموضوع وأخص بالذكر العقيد بوداود صالح .