توقف الزّمن بداية الأسبوع الجاري على مدار يومين كاملين ، فاسحا المجال أمام القادة العرب لنشر غسيلهم في جلسات مغلقة، قبل أن يخرجوا بقرار العصر: الدعوة إلى قمّة استثنائية في شهر سبتمبر القادم ، لكن ليس لدراسة قضايا جوهرية تهم الشارع العربي، على غرار مسألة تهويد القدس.. بل سيكون الموعد فرصة لعمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية للوقوف عند مستوى تقدم مشروع القرار الذي تقدّم به للقمّة الثانية والعشرين التي احتضنتها مدينة سرت الليبية، هذا المشروع ينص على تشكيل رابطة إقليمية تجمع الدول الإقليمية الصديقة (على حدّ تعبير موسى) ودول الجامعة العربية، ولم يدخّر السيد الأمين العام جهدا لإطلاق اسم على هذه الرابطة '' رابطة الجوار العربي'' تتأسّس على سياسة جوار عربية وتقوم على تعظيم المصالح المشتركة وتحقيق الأمن لمجمل دول الرابطة. كما لم يتوان أصحاب المشروع وعلى رأسهم عمرو موسى في وضع اللبنة الأولى للرابطة، بحيث أنّها ستضم مختلف الدول المحيطة بالعالم العربي في آسيا وإفريقيا وتتشكل بناء على دعوة من الدول العربية واحدة تلو الأخرى''.. غريب بالفعل أمر العرب، ففي الوقت الذي تنادي فيه أصوات متعددة من داخل الوطن العربي منددة بما يحدث في فلسطين وفي العراق، والخلافات التي تطبع العلاقات بين الأشقاء العرب والغيابات غير المبررة لتسعة قادة عرب عن هذه القمّة، فإنّ عمرو موسى لم يجد ما يقدمه سوى خلق رابطة لا تغني ولا تسمن من جوع، رابطة لا تحمل أدنى معنى للقضايا الجوهرية المطروحة على السّاحة العربية، بل ليس لها معنى على الإطلاق، وفي خضم هذه (التفاهات الموساوية) أرسلت إسرائيل قهقهات من داخل تل أبيب وصل صداها إلى المحيط الأطلسي، ومع ذلك لم يتدارك القادة العرب الموقف وكأنّهم نيام لولا تدخل الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقية، الذي جاء خطابه ليرد شيئا من الكرامة العربية الضائعة بفعل المواقف المخزية لبعض القادة العرب وتواطأ آخرين مع الكيان الصهيوني لإيقاف مسار السلام وضرب الفلسطينيين من الداخل للحيلولة دون وحدتهم. بوتفليقة دعا القادة العرب إلى توحيد صفوفهم والالتفاف حول القضايا الجوهرية للوطن العربي وعلى رأسها القضية الفلسطينية ومسألة القدسالشرقية، كما أكّد بالمناسبة ذاتها '' أنّ مبادرة حلّ الصراع العربي - الإسرائيلي لا يمكن أن تبقى يدا ممدودة في فراغ بسبب التعنت الإسرائيلي، فإنّه لا مفاوضات إذن مباشرة أو غير مباشرة إلا بعد إقدام إسرائيل على وقف الاستيطان في الضفة والقطاع طالما أن إسرائيل ظلت رافضة كل المبادرات والمساعي العربية والدولية''. وهو ما يعني رفض القيادة الجزائرية للأساليب المنتهجة من طرف الكيان الصهيوني والقائمة على النفاق وسوء النوايا، وعليه وجب معاملة الإسرائيليين بالمنطق نفسه، وذلك من خلال رفض التفاوض معهم تحت أية طائلة. موسى أرادها قمّة لتغطية إخفاقاته المتكررة وأبوالغيظ وزير خارجية مصر (المشارك في قمة سرت بدل حسني مبارك) لم يجد ما يقوله في القمة سوى مباركة الاقتراح اليمني القاضي بإنشاء اتحاد عربي بداخل الجامعة العربية؟ وهو أمر مفضوح ومُبهم، فالجامعة العربية تعاني مشكل القيادة وتدني مستوى التحكم في الضوابط المسيّرة لها، وهي مدعوة بشدة اليوم قبل الغد إلى مراجعة ميثاقها الذي لم يعد يجدي نفعا أمام التحولات السياسية والاقتصادية للدول الأعضاء. موسى، حضر قمّة ليبيا وهو يحمل في جعبته خيبة كبيرة بعد فشله في إقناع القيادة اللبنانية لحضور قمّة سرت بليبيا، بل تعرّض لجملة من الانتقادات من لدن السّاسة اللبنانيين الذين رفضوا المشاركة في قمّة ليبيا لعجز الجامعة العربية على خلق الآليات الكفيلة بتوحيد الرؤى وحلّ المسائل العالقة بين الدول الأعضاء، كما أنّ عمرو موسى لم يكن مرغوبا فيه، وهو ما دفع باللبنانيين إلى (طرده ولو بصيغة دبلوماسية) لغياب الثقة وغياب الطرح القاضي بحل المشاكل العالقة، ليبقى بذلك الأمين العام للجامعة العربية المصري عمرو موسى محل انتقادات من لدن أكثر من طرف في الوطن العربي، فهو يمثل بالدرجة الأولى الكيان المصري، ممّا يستدعي التوقف عند حدود هذه النقطة بالذات. للإشارة بأنّ الجامعة العربية منذ نشأتها عام 5491 عرفت مرور ستة أمناء عامين، من بينهم خمسة من دولة مصر، وهو ما يدعو للحيرة والتساؤل، لكن أيضا ضرورة إعادة النظر في كيفية انتخاب الأمين العام للجامعة العربية.