في كل مكان من العالم يوجد شيء من الصين دون استعراض للقوة، تدخل الصين إلى بيوتنا اقتصادها القوي السريع يجعل من جملة ما صُنع في الصين تعبيرا عالميا، وتعدّ الصين من أكثر الدول من حيث التراث الثقافي. هي مقولة ليست جديدة لكن الجديد فيها هنا هو موضوع التطبيق. ما إن يأتي ذكر المشهد الثقافي الصيني حتى تنعكس ملامح تسوى شيوابزي المستشار الثقافي في السفارة الصينية بالجزائر، المكنّى أبو كمال، خريج جامعة بيكين للدراسات (اللغات الأجنبية) تخصص لغة العربية دفعة عام ,1978 بعد جولات عربية في العراق والأردن ومصر، يحدثنا المستشار الثقافي الصيني، هذا الرجل الجادّ والدؤوب والمتواضع في هذا الحوار عن قصة هذا التنين الذي استيقظ، تجرية حقيقية في التنمية والتقدم يمكن أن تكون مثالا لنا. وعن محاور رئيسية أخرى كالمركز الثقافي الصيني في الجزائر واللغة الصينية في بلادنا . - إن أولى الأسئلة التي تواجهنا في هذا الحوار هي العلاقات الجزائرية-الصينية ، فكيف يمكن تطوير العلاقات الثقافية بين الجزائر والصين؟ ❊❊ بدأت العلاقات الجزائرية الصينية في خمسينيات القرن الماضي حيث أيدت الصين حرب التحرير الوطنية الجزائرية ضد المستعمر ، وكانت الصين من الأوائل الذين اعترفوا بتأسيس الحكومة المؤقتة، وفي 1963 أرسلت الصين أول فريق طبي. شهد البلدان زيارات متبادلة، ففي 2004 زار الرئيس الصيني هو جين تاو الجزائر ووقعا على اتفاقيات عديدة، في عام 2006 حضر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي وقام بزيارة عمل للصين، عندما تأسست الصين في عام 1949 واجهت حصارا من الدول الغربية، اتجهت الصين إلى دول العالم الثالث، من بينها الجزائر التي لعبت دورا إيجابيا لكسر الحصار الذي قادته أمريكا ضد الصين خاصة في موضوع عضوية الصين في الأممالمتحدة سنة .1971 ردا على سؤالكم أقول لعل تنظيم الندوات وتبادل الوفود واللقاءات يمكن أن يسهم كثيرا في تحقيق الترابط بين الشعبين، وبعث الطاقة والنشاط في المشهد الثقافي. - لم تدخل اللغة الصينية مدرجات جامعاتنا ليستفيد الجزائري من الخبرات العلمية الصينية أو حتى إنشاء معهد واحد كنفوشيوس في الجزائر لتعليم اللغة الصينية،لماذا؟ ❊❊ قدمنا الطلب عدة مرات لوزارة الخارجية الجزائرية ووزارة التعليم العالي، لكن مع الأسف لم يُرَدّ علينا. - إذن ما جهد المركز الثقافي في الصين في تعليم اللغة الصينية ونشر الثقافة الصينية خاصة أن الثقافة مادة حفازة تحقق تغيرات؟ ❊❊ تعد الصين من أكثر الدول من حيث التراث الثقافي تتضمن الأداب الشعبية والفنون الجميلة والمسرحيات - ولكن في الثقافة أشياء أخرى، أقصد بالثقافة اللغة أيضا، هذه التي تمكن الجزائري من الخبرة الصينية الحضارية وبها يتمكن من الإلتحاق بالجامعات الصينية والتحول من شريك في العولمة بدل من دور المستهلك وهذا ما يعنينا في التجربة الصينية..؟ ❊❊ في الوقت الحاضر تزداد حاجة العالم إلى تعلم اللغة الصينية أكثر فأكثر وابتداء من عام 2003 بدأت الصين تنشئ بالخارج معاهد كنفوشيوس وحتى الآن تم إنشاء 25 منها في أكثر من 81 دولة، فيما يخص الجزائر مع الأسف ليس هناك مركز ثقافي صيني بسبب ضيق المساحة والحضور الصيني الثقافي في الجزائر متواضع جدا إلا بعض الأسابيع الثقافية وسببه أن الصين كان شغلها دفع التنمية الاقتصادية، الثقافة تعتمد على قوة الاقتصاد، وليس هذا إفراطا أو نظرة عبثية للمستقبل، فقد أخذنا مشروعا نشتغل عليه ونعمل جاهدين لفتح المركز الثقافي الصيني بالجزائر. - قد عودتنا الصين دائما على ربط القول بالفعل، فمتى يُفتح المركز الثقافي الصيني بالجزائر؟. ❊❊..يبتسم.. عندما يُسمح لنا بفتحه خارج السفارة. - العالم يعرف التربوي الصيني كونفوشيوس والاستراتيجي سون وو وغيرهما من المشاهير الصينية في العصور القديمة، يتساءل القارئ الجزائري عن الصورة العامة للأدب الصيني المعاصر وهو ما يدفعنا إلى الحديث عن الترجمة وعن دور وحضور دور النشر الصينية في المعارض الجزائرية؟ ❊❊ لقد ظل الأدب الصيني مجهولا ودور النشر الصينية بالجزائر مهمشة إلى درجة الغياب، ويعود هذا الضعف إلى البعد الجغرافي، لكون اللغة الصينية، غير منتشرة. لم تُتح الفرصة لترجمة أعمال كتّاب صينيين ونشرها في الجزائر وبين القراء العرب كالكاتب لوشين وكوموجو وماودون، لوشين الذي نشرت له أكبر مجموعته القصصية بعنوان ''يوميات مجنون'' وهي تمثل القاعدة الأساسية لنشوء القصة الصينية الحديثة والسبب كما قلت يعود إلى أن الصين كان شغلها دفع التنمية الإقتصادية. - الصين أكثر دولة في العالم في إرسال الطلاب إلى الدول الأجنبية للدراسة، فمنذ عام 1979 توجه قرابة 1,4 مليون طالب صيني إلى الخارج، كما وصل عدد الطلاب الأجانب في الصين إلى 300 ألف طالب أجنبي، في إطار البرنامج التنفيذي للتعاون الثقافي الذي وقعته الجزائر والصين فيما يخص تبادل منح الدراسة، كم طالب جزائري التحق بالمعاهد أو الجامعات الصينية خلال العشرية الماضية؟ ❊❊ الصين التي بها 1200 جامعة ولها تاريخ وثقافة تعليمية عريقة تزود الطالب بالخبرات العلمية والقدرة على الإبداع، أصبح الإلتحاق بالجامعات الصينية سهلا مقارنة بالغرب ولم يعد العلم حكرا عليه بل أصبحت الجامعات الصينية ملاذ الطلبة والباحثين عن العلم والمعرفة، وقد التحق بالجامعات الصينية خلال العشرية الماضية 156 طالب جزائري تخرج منهم 37 طالبا. - هل استُغلوا بعد تخرجهم؟ ❊❊ الجزائر والصين بها ثروة بشرية ثمينة إذا أمكن استثمارها ستتحق فوائد جمة خاصة أن عددا كبيرا من الجالية الجزائرية في الصين أو من الطلبة الجزائريين الذين درسوا في الصين لديهم الاستعداد والرغبة في القيام بأي عمل من شأنه خدمة الجزائر وتعزيز روابطه مع الصين. - كم منحة دراسية تخصصها الصين لطلابها سنويا..؟ ❊❊ تخصص الصين سنويا 10 آلاف منحة للدراسة في الخارج تستفيد منها كلّ الاختصاصات. - وقعت الجزائر والصين هذا العام على بروتوكول اتفاق لإنجاز وتمويل مشروع تشييد أوبيرا بمنطقة أولاد فايت، حيث يعتبر هذا المشروع هدية من الصين إلى الجزائر، ويأتي هذا الإتفاق في سياق ثقافي صيني يتسم بالفراغ في المجال الثقافي في الجزائر، أين وصل المشروع؟ ❊❊ لقد أصبح سائدا ومتفقا عليه الآن في أدبيات التنمية المجتمعية المعاصرة أن السياسة الثقافية هي مكون أساسي من مكونات السياسية الإنمائية، وفي هذا المعنى وقعت وزارة الثقافة الجزائرية ووزارة التجارة الصينية الإتفاق على إنشاء هذه الأوبيرا التي تأخذ حظها من المناقشة والتخطيط. - وفقا للتقاليد الصينية تمثل كل ستين سنة دورة كاملة وبداية لميلاد جديد، لقد مضت ستون سنة على تأسيس جمهورية الصين الشعبية من عام 1949 إلى عام 2009 حققت الصين إصلاحا شاملا،كيف تقيم ذلك؟ ❊❊ بعيدا عن مسطرية المناهج وترسانة المصطلحات، مفتاح هذا الإصلاح هو المنافسة، الصيني يقول للصيني أنا عملت أكثر منك، المواطن الصيني دؤوب كنحلة العسل يأكل قليلا ويعمل كثيرا فهو مازال يحمل في أعماقه ذكريات من آثار المجاعات ا لقديمة، تلك الصورة القاسية التي قدمتها بيرل بك في روايتها ''الأرض''. - لا أخرج عن هذا السياق، ما قصة العقد الذي وقعه 18 فلاحا ''الذين أنقذوا الصين من المجاعة'' وهو موجود بالمتحف الوطني الصيني؟ ❊❊ نهاية السبعينيات ضربت الصين المجاعة ولم يتغير الوضع المؤلم إلا على أيدي مجموعة من الفلاحين تحولت تجربتهم الآن إلى أسطورة، بدأت القصة في قرية وعرة تسمى زيوجانج كان أهلها يعيشون في فقر مدفع حتى وصل ببعضهم إلى ترك القرية والتسول، قام 18 فلاحا من الذين أصابهم اليأس وشدة الجوع بمغامرة، استصلحوا رقعة كبيرة من الأرض وقسموها بينهم إلى قطع صغيرة، كانوا يدركون أن هذا الأمر خرق لقانون عدم التملك ولكنهم وقعوا فيما بينهم اتفاقا بصموا عليه بأصابعهم في ديسمبر 1978 يتعهدون فيه إذا تعرض أحدهم للموت أو السجن فإن على الآخرين أن يقوموا برعابة أسرته، بعدها اتجهوا إلى المسؤولين المحليين يتعهدون بدفع ضريبة جني المحصول المستحقة عن هذه الأرض مقابل أن تُترك لهم الحرية في بيع المحاصيل لحسابهم الخاص فوافق المسؤولون. حققوا في شهور قليلة ما لم تحققه سنوات طويلة، نقلوا محاصيلهم إلى المدن المجاورة، تصاعد إنتاج الأراضي وبدأت مظاهر المجاعة في الاختفاء، حث دينج زياوبينج الذي كان رئيسا للصين، المسؤولين على عقد المزيد من هذه الإتفاقيات حتى أصبحت عام 1980 نظاما رسميا يحمل اسم ''نظام تحمل المسؤولية''. - فيما تكمن صعوبة اللغة الصينية؟ ❊❊ هذه الصعوبات تكمن فقط في بداية الدراسة كاللغة العربية ويرجع ذلك إلى أنها تكتب بالرموز أي أنها ليست لها حروف أبجدية ويتم الإستعانة ببعض الحروف اللاتينية حتى يسهل نطق الرمز وهناك صعوبة أخرى هي نطق اللغة الصينية التي ترجع إلى أربع نغمات فيختلف معنى الرمز مع اختلاف النغمة التي ينطق بها. - ماذا حققتم حتى الآن؟ ❊❊ أسابيع ثقافية، سينيمائية، منح للطلبة وإرسال بعض الخبراء الصينيين إلى الجزائر.