''الكلمات تغلبنا وتسطو علينا''، لم يقتصر اهتمام عبد الرحمن آمالو على الموسيقى والرسم بل تعدّاه إلى موسيقى الكلمات بديوانه الشعري الكلمات والآلام و''ثرثرة شعرية''. نقترب في هذا الحوار من عناويه الإبداعية التي اتسمت بالعمق والبساطة فكانت مشحونة بالتدفق الشعري الذي منح عبد الرحمن آمالو لقب الشاعر. - قبل أن نقترب من الهندسة المعمارية لديوانك الشعري ''باللغة الفرنسية'' يستوقفنا العنوان ''الكلمات والآلام'' والثاني ''ثرثرة شعرية'' لماذا هذا المسمى؟ ❊❊ عندما تسافر تمتلئ بالقراءات والتأملات وتحدث لك الثرثرة والكلام، وتأخذك أخذا إلى ضباب ثقيل يحتم على النفوس والعقول ترهقها إرهاقا شديدا، ومن غير أن أشعر وجدت نفسي متورطا في فضاء غريب اسمه الكتابة اختيار العنوانين ''الكلمات والآلام'' و''ثرثرة شعرية'' ومن الشعر الحرّ، لا يعود لاعتبارات عقلية ومنطقية فحسب ولكنه يرجع إلى اعتبارات نفسية ومجتمعية. ''الكلمات والآلام'' ديوان متكون من 7 مجموعات شعرية الصادرة عن دار نونو للنشر ,2009 الكلمات لأن لها ضجيج وحشرجة في الصدر، كلمات عبر محطات من الزمان والمكان والآلام عندما تغرينا الحياة بعنف لا نجد إلا الكلمات ذاتها. أما المجموعة الشعرية ''ثرثرة شعرية'' الشعر في تركيبته العامة شبكة من التفاعلات والعلاقات تتخذ لها أشكالا ومستويات مختلفة فهو مسكون بأسئلة الواقع، بالمجتمع، هناك أشخاص يتكلمون مع أنفسهم بالشعر ومنه جاء هذا العنوان، وكان لابد من الورق من أجل تدوين هذه الثرثرة للتواصل بها مع الذات ومع الآخرين. - هناك ملاحظة بصدد فتور المعاناة مع الشعر وفتور الإحساس بإشعاعه خاصة باللغة الفرنسية؟ ❊❊هو شحيح على قدر كبير وهو يعيش في بلادنا حال غفوة عميقة تتخللها لحظات صحوة قليلة، ربما يعود إلى أنه ليس هناك نفع مالي ولعلّ القطيعة بين الشاعر المعاصر وبين متلقي شعره هي السبب في أزمة الشعر التي يكثر عنها الحديث اليوم، غير أن تلك الأزمة لا تبرر المقولة التي تنادي أنه لا مكان للشعر في مجتمع اليوم، الشعر يحمل مشاعر إنسانية حية وهو لا ينفصل عن المجتمع إلا إذا انفصل الشاعر. إن الشاعر المجيد يستطيع أن يصل إلى قاعدة عريضة من القراء ويؤثر فيهم مما يجعل الشعر أداة جيدة لتوليد الأفكار النافعة. من خلال معالجتي الشعرية أتوحد مع المواطن العادي في همه اليومي، لأني أعيش في مجتمع ولا أستطيع أن أكون عديم الإحساس اتجاهه. - أرى أنك تنقلت إلى بؤرة أخرى للمأزق الثقافي وهي إشكالية القراءة؟ ❊❊ لقد تناولنا كثيرا واقع القراءة بالدرس والتحليل ووقفنا على جملة العوامل التي دفعت ثقافتنا إلى هذا الواقع المتردي. نقول إننا نعاني غياب القراءة والحقيقة أن الكتاب موجود وحتى القارئ موجود أيضا لكن بينهما حلقة مفقودة، دعني أوصل لك المسألة تأصيل المهمة: القراءة فعل اجتماعي له مناخه، ليس في المسألة سحر ولا ألغاز، تخيّل معي لو خلقنا الطلب على القراءة كما خلقنا الطلب على السيارات مثلا، تخيل معي أيضا لو خرجت البلدية من مهامها التقليدية (شهادات الميلاد و..) وخلقت الطلب على القراءة بفتح أبواب مكتباتها وأعلمت الطفل بذلك. فعلى الرغم من أن مصطلح الطفل لا يحتاج إلى توضيح فإن المقصود هنا ذلك الرجل الذي يحمل هدفا مستقبليا. كيف يمكن توجيه اللوم إلى الناس إذا انصرفوا عن القراءة وأبواب مكتبة بلديتهم موصدة وهذا تساؤل ثمين أضعه كما هو. الواقع أن الحديث عن تشجيع فعل ممارسة القراءة يفضي إلى الحديث عن فتح مكتبة البلدية وقبلها البيت حيث نعرف بواسطتها متعة القراءة ولذة صحبة الكتاب، لا أذكر كيف وصلتُ وأنا صغير إلى موقع أول مكتبة، قد يكون أحد الأصدقاء أو الأقرباء هو الذي قادني إليها، وبتشجيع من حولي للقراءة كنت أطالع بعض الكتب التي أتاحت لي أن أقرأ روائع مفدي زكريا، إيليا أبو ماضي، فيكتور هيغو، موليير.. إذا عرفنا الطريق إلى مكتبات البلدية فإننا نفتح الطريق واسعا إلى القراءة ومحبة الكتب ثم تليه مكتبة مدرسة المتوسطة والثانوية التي تمهد الطريق إلى مكتبة الجامعة وهكذا يزدهر ويتوطر الوطن، سم الناس من هذا الفشل المتواصل والذين زاروا أروبا وسافروا بالقطارات أو بالحافلات يدركون العلاقة العميقة بين الإنسان الأوروبي والكتاب، فقد بدأوا من مكتبة البلدية وأخذوا بأسباب التقدم. أعود من استطرادتي الطويلة لأقول ماذا لو أحسنا استغلال هذه الثروة غير المشتعلة الطفل، وفتحنا أبواب مكتبة البلدية، ليس المطلوب أموالا طائلة، كل المطلوب أن نبذل ما بوسعنا لتوسيع دائرة القراءة ويوما ما سنجد أن ا لمجتمع من حولنا قد صار مضيئا لأن أطفالنا قد صاروا شموعا. ------------------------------------------------------------------------ مجموعتي الشعرية ''الكلمات والآلام'' ستصدر مترجمة إلى لغة الإشارات للصم والبكم في قرص مضغوط ------------------------------------------------------------------------ - كُرّمت وحصدت مؤخرا على جائزة يوبا الثاني من إعداد منشورات نونو هذا العام.. ❊❊ أعترف وبكامل التقدير للذين سعوا ويسعون إلى تكريمي، هذه الجوائز الثقافية تشكل لحظة ومحطة مهمة في المسيرة الإبداعية، تحتفي بالطاقات الإبداعية الجديدة، وهي ليست غاية في حد ذاتها، تنتهي عندها أهمية هذا المنتوج الثقافي، بل مناسبة تقدم نفسا جديدا في الإبداع وقلبا في المشهد الشعري والثقافي في العام وجائزة يوبا الثاني إحدى المحطات المهمة في هذه المسيرة التي أعدتها منشورات نونو بحضور لجنة تحكيم مختصة وأختيرت مجموعتي الشعرية ''الكلمات والآلام''. - في أول سابقة من نوعها ترجمت مجموعتك الشعرية ''الكلمات والآلام'' إلى البراي لغة المكفوفين ❊❊ إنطلاقا من أهمية الترجمة في نطاق المعرفة الأساسية، سافر الكتاب إلى العربية، الإنجليزية، الإسبانية، الإيطالية والألمانية، وحتى لغة البراي والآن نحن بصدد إدراج هذا العمل إلى فضاء الصم والبكم بترجمته إلى لغة الإشارات على شكل قرص مضغوط ومعه كتاب يمثل المجموعة الشعرية بلغة الإشارات وهي محاولة هادفة إلى ترسيخ أسلوب منهجي في تفكير ونشاط هذه الفئة التي يتجاوز عددها في الجزائر مليون شخص. - أصبح معرض الجزائر الدولي للكتاب من أهم المواعيد الثقافية السنوية، مارأيك في النشر بالجزائر؟ ❊❊المسألة لم تعد تتعلق بموعد، بقدر ما تتعلق بما هو جوهري من التساؤلات. فالنشر كلمة توحي بمعان ودلالات عدة، كما أنها ذات مغزى وتنطوي على مفاهيم التميز والارتقاء، إذا أصدرنا كتبا أو اشترينا حقوقها وتكون ذات مستوى عالٍ في المحتوى والمضمون، لا بد أن نعمل على أن نصل إلى أكبر عدد من القراء، ولكي تصل إلى أكبر عدد من القراء لابد أن تبدأ بالطفل، لأني لا أفهم كيف نريد أن نشجع القراءة وليست لنا القاعدة التي هي الطفل، لابد أن تكون كتب الأطفال قادرة على أن تصل إلى كل المكتبات المدرسية وإلى المناطق النائية وقبلها إلى مكتبة البلدية كما أسلفت الحديث. كيف أن الكتب لا تُقتنى بالدرجة الكافية طوال العام في المكتبات التجارية؟ ولا نفكر بشرائه في معرض سنوي ولفترة وجيزة لا تتجاوز أسبوعين، ثم أن سعر كتاب الطفل غير زهيد، أعرف ما يعانيه كل ناشر في الجزائر ولهذا على الدولة أن تدعم الكتاب أكثر. - سؤال أخير بقي في ذاكرتي منذ بدء الحوار مفاده ما دور الشعر في زخم عالم اليوم؟ ❊❊ ثقتي بالكلمة لم تهتز في يوم من الأيام، صحيح أننا في بعض الأحيان في حالة نزق وتشاؤم خاصة أن الشعر كاد أن يفقد روحه بعدما كان يشكل في الحياة الإبداعية والممارسة الكتابية ظلا كبيرا، ف قيمة كل إنسان فيما يحسنه.