عندما نتحدث عن فن الخطابة سنقف حتما عند أسماء لمعت بطلاقة لسانها وسرعة بديهتها وقوة شكيمتها، لعلي سأكون منصفا إن قلت بأنّ أروع خطبة في التاريخ كانت لسيد الخلق أجمعين محمد(صلى الله عليه وسلم) في حجة الوداع، وقد صنّف علماء الاتصال خطبة جعفر ابن أبي طالب إبن عم الرسول (صلى الله عليه وسلم) في قصر النجاشي ملك الحبشة بالخطبة الرمز، وتتابعت بعدها الأسماء التي كانت آية في الخطابة على مرّ الزمن، لكن وعلى خلاف الدراسات الأكاديمية التي تعنى بالجانب الاتصالي، فإنّ أعظم الخطباء في الوقت الحالي يمكن اختصارهم في اسمين لا غير: رابح سعدان وعبدالحق بن شيخة. هذه ليست نكتة، بل حقيقة وقف عندها كل جزائري غيور على منتخبه، فجميعنا يذكر الخطب التي كان يقدمها الشيخ رابح سعدان قبل وبعد المواعيد الكروية الهامة، ضمّنها كلمات أصبحت أشهر من نار على علم، على غرار قوله: فيها خير ومشكلتنا هي الارتفاع والرطوبة العالية والأولاد بحاجة إلى راحة وانتظرونا عام .2014الخ من الكلمات الأخرى؟!. وعلى نفس الدرب بدت كل المؤشرات توحي إلى أنّ خليفة الشيخ رابح سعدان، لن يخرج عن فن الخطابة، بل سيكون له شأن عظيم في ذلك. بن شيخة المدرب الذي ملك قلوب الآلاف من أنصار النادي الإفريقي التونسي، نتيجة تشدده وصرامته، ها هو يصاب بمرض ''العاطفة'' مثل سابقه، ويصرح بعد الهزيمة المخزية التي مني بها الخضر أمام المنتخب النكرة(إفريقيا الوسطى) بأنّ اللاعبين لا يتحملون الهزيمة وأنّهم لم يتعمّدوا الخسارة متحججا في ذلك بما قاله بعض اللاعبين له عقب نهاية المباراة (العار) ليرد بكل برودة أعصاب حسب ما تناقلته وسائل الإعلام التي رافقت البعثة الكروية الجزائرية إلى بانغي عاصمة دولة إفريقيا الوسطى:'' اللاعبون اتفقوا في غيابي أن يمنحوني هدية الفوز، لأنني كنت صريحا معهم، واتفقنا على تقديم أفضل ما لدينا طالما أن الأمر يتعلق بمهمة صعبة والمنتخب الوطني هو قبل كل شيء أمانة كل الشعب الجزائري''!نعم أضع هنا نقطة تعجب، لأنّ كل الجزائريين المحبين للمنتخب، أدركوا بعد نهاية المباراة أنّ هناك بعض الأسماء التي لا تستحق حمل الألوان الوطنية، وبأنّ الجميع يشتم رائحة المؤامرة عن بعد(والله أعلم). بن شيخة دافع عن لاعبيه، في الوقت الذي لا زال فيه الشارع الكروي يتساءل عن الأسباب الحقيقية التي أدّت إلى عودة رياض بودبوز إلى ناديه سوشو، في الوقت الذي أعلن فيه بودبوز بأنّه يوجد في حالة بدنية جيدة؟. شوائب كثيرة تحوم حول ما جرى وما يجري ببيت المنتخب الوطني الجزائري، فالأجواء ليست على ما يرام بين اللاعبين من جهة وبين المسيرين من جهة أخرى، وفي هذا المجال، نتذكر جميعا المشاداة الخطيرة بين جمال عبدون ونذير بلحاج، عقب نهاية المبارة الودية التي جمعت منتخبنا الوطني بنظيره الغابوني فوق أرضية 5جويلية الأولمبي، ونفس الانطباع يسود العلاقة القائمة بين أعضاء الطاقم الفني للمنتخب الوطني،وتحديدا بين الناخب الوطني عبدالحق بن شيخة ومساعديه جلول زهير وبلحاجي في سابقة كروية بالجزائر. ثمّة تساؤلات بخصوص تدني مستوى محاربي الصحراء، فالمناصرون لا يفهمون مردّ ذلك، بما أنّ الدولة قد وفرت ولأوّل مرّة في تاريخها للمنتخب الوطني كل شروط النجاح، تتقدمهم المنح المالية التي وصلت إلى أرقام خيالية، ومع ذلك لم يتمكن المنتخب من رد الجميل ولو بانتصار يشفي الغليل ويعيد الأمل للأنصار. هل أحلامنا ذهبت في مهب الريح؟ هل الآمال التي علقناها على رجال المنتخب قد باتت في خبر كان؟ وهل يمكن تصديق خطب الناخب الوطني بعد الآن؟ هي أسئلة وأخرى يود كل واحد منّا الإجابة عنها في قرارة نفسه، لأنّ الشك قد تمكّن منّا وبات لا يفارق مخيلاتنا، بعد النتائج السلبية التي حققها الخضر.. إنّ ما أعيبه شخصيا على الناخبين الوطنيين، هو تركيزهما على الجانب العاطفي، وابتعادهما عن المنطق الاحترافي، أي بمعنى أنّنا لا زلنا نعيش على الأطلال وكما يقول المثل الجزائري: '' اليهودي كي ينزلط يبدا يحكي توارخ باباه''، هكذا نحن اليوم نعيش على أنقاض ملحمة أم درمان ولقاء الكوت ديفوار في نهائيات كأس إفريقيا للأمم، ومباراة الجزائر _ إنجلترا في كأس العالم..هي دروس من الماضي لاغير، وما يبقى لنا كمناصرين سوى انتظار خطبة قادمة، يقدمها "الكوتش'' لكنّها ستكون حتما مخصّصة للحديث عن أدغال إفريقيا والحيوانات المفترسة ونرجسية لاعبي المنتخب الجزائري.