عادت أزمة البطاطا لتلوح مجددا في سماء الجزائر، مع الزيادات المحسوسة في سعر هذه المادة الأساسية الأكثر استهلاكا محليا، وأثار قفز سعر الكيلوغرام الواحد للبطاطا إلى حدود 80 دينارا ما يعادل الدولار إلى موجة من القلق بين السكان المحليين لاسيما الموظفين محدودي الدخل، وفيما طالب اتحاد المزارعين السلطة إلى فتح تحقيق في الموضوع، تنصلت دوائر القرار الرسمي منه أي مسؤولية ونفت وجود ندرة في البطاطا، علما أنّ تمتع الجزائر بمخزون من البطاطا يفوق 54 ألف قنطار، يطرح أكثر من سؤال حول سبب وضعية يقف فيها المضاربون كالعادة في قفص الاتهام. وشهدت أسواق متعددة عبر كافة أنحاء الوطن خلال الأسبوع الأخير زيادات غير مفهومة بنظر متتبعين للشأن التجاري المحلي، فسعر الكيلوغرام الواحد من البطاطا قفز إلى 80 دينارا بعد أن كان في حدود 40 دينارا، مع توقعات بتضاعفه إلى مستويات أخرى ما لم تتدخل جهات الرقابة وتضرب بيد من حديد، وعزا فريق من الباعة بسوق كلوزال وسط العاصمة هذا التحول الرهيب إلى المضاربة وكثرة أيادي السماسرة في أسواق الجملة. بينما ردّها آخرون بسوق مارشي 12 إلى الأطنان الهائلة من البطاطا المخزّنة في أماكن غير معروفة، ويستفهمون عمن وقف وراء ذلك، فيما يُرجع خبراء الشأن الاقتصادي الوطني، ارتفاع الأسعار إلى عدم صرامة الدولة في تطبيق الرقابة على تنفيذ القوانين، وخضوع السوق المحلية لمجموعة من المتحكمين داخليا. ويرى متابعون إنّ التحكم في سعر البطاطا كما باقي أسعار الخضر والفواكه، مرتبط رأسا بمدى تمكن السلطة وعلى رأسها وزارة التجارة من فرض رقابة صارمة على الأسواق لمنع احتكار التجار للمواد الواسعة الاستهلاك، خاصة وأن عملية الاحتكار تفرز المضاربة التي تؤدي بدورها إلى الندرة وبروز توليفة الأسعار الخيالية، بينما ترتفع أصوات هنا وهناك مطالبة السلطات بضرورة إعادة تنظيم الأسواق المحلية، والسعي لإنشاء أسواق نوعية تكفل توزيع المنتجات الزراعية بكيفيات عادلة لا لبس فيها. وإذ شدّد الاتحاد الوطني للمزارعين على حتمية فتح تحقيق جدي في الموضوع، حمّلا بالمقابل الوزارة الوصية مسؤولية الارتفاع الجديد، وانتقد متحدث عن الاتحاد المذكور تخزين جهات لم يسمها لكميات هائلة من البطاطا منتجات داخل غرف التبريد، وما ينجرّ عن ذلك من إعادة بيع تلك المنتجات بأسعار عالية عند ارتفاع الطلب، ودعا إلى ضرورة فرض هذه الأخيرة رقابة صارمة على الإنتاج المحلي للقضاء على ظاهرة كانت سببا لبلوغ سعر البطاطا معدلات مخيفة خلال السنتين الأخيرتين، علما إنّ مصادر غير رسمية تتحدث عن حجم بلغ 60 بالمائة من مادة البطاطا قد تم تخزينها بشكل مثير للاستفهام.وتسري مخاوف متعاظمة إزاء تأكيدات مزارعين أنّ مليون قنطار من البطاطا بات مهددًا بالتلف، تبعا لإقدام عدد من المنتجين على تخزين كميات هامة من البطاطا خارج مخازن التبريد لافتقادهم الأخيرة، وهو سيكون له آثاره العكسية، طالما أنّ استمرار حفظ هذه المادة هناك لما يزيد عن الستة أشهر، يجعلها قاب قوسين أو أدنى من الفساد.علمًا أنّه في خضم أزمة البطاطا التي اكتوى بها المواطنون في رمضان المنصرم، رغم الإنتاج المقدرب53.3 مليون قنطار، أصدرت الحكومة وقتها أمرية استعجالية بفتح مخازن التبريد، وهو ما لم يستجب له على ما يبدو جميع المعنيين، مع الإشارة إلى أنّ السلطة اضطرت آنذاك إلى استيراد 89 ألف طن من البطاطا لسد حاجيات المواطنين. وينتقد أخصائيون افتقاد مناطق مشتهرة بسخونتها لغرف التبريد، بينما تستفيد أخرى من كميات تفوق حاجتها، وهو ما يجعل منتجات الجهة الجنوبية مهددة، في صورة 6 محافظات هي غرداية، بشار، أدرار، عين صالح، واد سوف والأغواط، يقول مزارعوها إنّ الحيرة تستبد بهم حيال ما يفعلونه بأطنان من البطاطا معرضة للتلف ما لم يتم حفظها في مخازن تنطوي على مقاييس الحفظ المطلوبة، وهو ما ستكون له تبعات على محاصيل البطاطا وأسعارها المعتمدة بين المزارعين والتجار وما يُعرف بفئة الوسطاء. وما قد يزيد من متاعب المستهلكين، توقعات خبراء بأنّ البطاطا كمادة أساسية، ستعاود تسلقها السلم رغم تدحرج أسعارها إلى القاع حاليا، لكن لن يكون ذلك على ما يبدو لفترة قصيرة، تبعًا لغلاء الأسمدة التي منعت السلطات من تسويقها لدواع أمنية على خلفية استخدامها المكثف في التفجيرات الأخيرة التي شهدتها البلاد، ويشدّد مزارعون إنّ حجب هذه الأسمدة تسبب في عدم استلامها من طرف المزارعين إلا بعد شهر من زرعهم للبذور، وهو ما يعني شحا في الإنتاج، سيلقي بظلاله على الأسعار التي قد تستعيد منحناها المخيف الفترة القادمة.