أعلنت مجموعة من فصائل المقاومة العراقية الرئيسية وفي طليعتها جبهة الجهاد والتغيير وجيش الراشدين وغيرها، تفويضها الزعيم العراقي الأمين العام لهيئة علماء المسلمين الشيخ حارث الضاري لإدارة المشروع السياسي للمقاومة العراقية ومرحلة ما قبل التحرير وما بعده.وبالرغم من أن التفويض ليس مكتملا من قبل باقي الفصائل فإنه خطوة مركزية بالفعل لبلورة المشروع السياسي المتصل بالمعارك الكبرى مع الوجود الأميركي الاحتلالي ومنطقة إدارته المركزية في الساحة الخضراء. الفصائل الأخرى والتنسيق ومن حيث غياب الفصائل الرئيسية المتفقة مع خط المقاومة الشرعي في العراق، تبقى فصائل المجلس السياسي وجيش الطريقة النقشبندية إضافة إلى مجاميع أخرى حافظت على المنهج الشرعي الذي يلتزم أحكام المقاومة في الإسلام دون سفك للدماء المحرمة أو دفع لفتنة أكبر بين أبناء الوطن العراقي. وحديث أمين المجلس السياسي للمقاومة علي الجبوري مع قناة الجزيرة كان في الحد المقبول من حيث مباركته لاختيار الشيخ الضاري وتطلعه للتنسيق والتواصل معه ممثلاً للفصائل المنضوية في المجلس، وإن كان الأولى وفقا لبرنامج المعركة السياسية الحساس وبُعدها العسكري الحاسم وتداعياته على الساحة الوطنية، أن يبادر المجلس السياسي بخطوة تفويض مماثلة.لكن حركات التحرير الإنسانية لم تكن بالضرورة موحدة بالكامل بقدر ما يمثل الجسم السياسي الفعل العسكري الأكبر سواء بالاتحاد أو التنسيق مع مسار المعركة وانكساراته المشتبكة في العراق مع حالة الوجود والهيمنة الإيرانية التي تعيش حالة توافق جديدة لا تخلو من اضطراب مع الشريك المحتل في واشنطن. والأخطر تداخل هذه الحالة الاحتلالية واختراقها للنسيج الوطني العراقي. ولذا فإن مهمة المشروع السياسي صعبة وحساسة، ولكن هذا التوافق بلا شك سيدفع البرنامج التحرري وإمكانية تشكيل حكومة أو إدارة التحرير الأولى إلى رؤى مستبصرة بالواقع وبأهمية ضبط الملفات وإدارتها في الساحة الوطنية العراقية عبر القيادة التي باشرت رفض الاحتلال ومقاومته وتمسكت بالنهج المعتدل في فصائل المقاومة والهيئات السياسية وفي طليعتها هيئة علماء المسلمين.والمهم في هذا الإعلان الجديد أن هذه الفصائل تتحد في مرجعيتها الشرعية السُنيّة وتدرك الثوابت الوطنية وخصوصيات العراق التعددية، ومن خلال ذلك تصوغ مشروعها الوطني الذي سلمته للجهة الأقدر بلا منافس وفقا لتقلبات الحالة العراقية ومعاناتها من ضبط الخطاب والتدافع الوطني السياسي وترجمة مفاهيم ومبادئ التشريع الإسلامي إلى مشروع تنفيذي لما بعد التحرير يُقدّر بعمق وتأمل واع حجم التداخل والانفجار الذي شكله اشتراك القطبين الدولي والإقليمي في وضع العراق. فهذه الفصائل والمرجعيات السنية تنتمي عقديا وشرعيا إلى حيث منهاج أهل السُنّة الوسطي والمؤصل تشريعيا في رؤيته للحياة والأوطان والشراكة الإنسانية والوطنية وفي عزل المشروع الإسلامي العراقي عن حالة الاختراق القوية في تجاذبتها على المنطقة من خلال هذه الرؤية المتفق عليها في أصل مدرستي الخلف والسلف السنيتين وتاريخ التشريع الإسلامي لهما. ولذلك فقد جرى هذا الموقف الشرعي على هذه الفصائل كما جرى على المُتفِق من الفصائل الأخرى التي ذكرناها في عزل العمل المقاوم عن فكرة تقديس القتل لأجل القتل واستباحة الدم ومحاصرة الإنسان والأوطان تحت هذا العصف من التراكم الاحتقاني لاجتهادات جماعات لم تُحصّل في الأصل خلافة المنهج الشرعي السني المُزكّى تأصيلاً وتاريخاً، ثم طفقت تجوب عددا من أراضي المسلمين وتُسقط عليها أحكاماً قطعية دون فهم لواقع الأرض والمجتمع وقول الشرع في ذلك، ثم تعلن الحرب على كل اجتهاد يخالفها.والأسوأ أن هذا الدفع الذي تنتهجه تلك الجماعات يُشكل بعد حين أرضاً خصبة لعمليات اختراق واسعة لمجاميعها يتم تسييرها وفقا لأقطاب الصراع المحتلين للوطن.فهذه العزلة والمفاصلة كانت ضرورية من قبل فصائل المقاومة الإسلامية الوطنية العراقية، مع إدراك أن تورط بعض الأفراد والمجموعات في التوسع عن دائرة دفع الصائل من هذه الجماعات وكفه عن أهل العراق واستباحة دمائهم دائرة مشروعة، لكن التوسع فيها أوصل الأمر إلى تشكيل الصحوات الذي قاد إلى فتنة كُبرى استغلتها واشنطن وطهران ثم فجّرت الساحة بهم وبالقاعدة وأوصلت الأمور إلى ما وصلت إليه.ما يعنينا هو فرز فصائل الهيئة والمتفق معها من هذه العملية التي أدت إلى تعقيد المشهد قبل أن تستعيد المقاومة العراقية زمام المبادرة وصولا إلى نجاحها الأخير في تفويض الشيخ الضاري. ماذا عن القاعدة? ووصولنا إلى هذه النقطة يقودنا بالتأكيد للتعامل مع القاعدة التي شكلت إفرازاتها إحدى دوائر تعقيد مشهد التحرير والحماية الوطنية ومواجهة المحتل، وهو تعامل دقيق مع إشكاليات متعددة لا تستطيع في الأصل أن تقول إنها قاعدة واحدة.. بل أصبحت أكثر من قاعدة في ظل حركة التشرذم وما يترتب عليه من غياب للقيادات السابقة التي قُتلت وورثتها مجموعات صغيرة يأتيها دعم كبير وغامض وتُدفع في اتجاهات خطيرة تُبعثر المشهد، من أسوئها عمليات استهداف المدنيين الشيعة أو السُنّة المخالفين لرؤيتهم أو لمجرد تحقيق عملية قتل جماعي عُبئت به ضمائر أولئك الشباب في حقن مخالف لمنهج أهل السنّة يُسوّق بأنه جهاد مشروع.فإذاً هناك حالة تفصيلية في التعامل مع القواعد التي تنتمي للقاعدة، ولعل خطاب أبو حمزة المهاجر يحمل هذا التناقض المشار إليه من حيث تبرئته من أحداث التفجيرات والتصعيد على المدنيين ودعوته لاتفاق ضمني مع فصائل المقاومة، في حين أن الميدان يناقض حديثه أو أنه بالفعل يقصد ما يقول عن قاعدته هو، فماذا عن البقية؟المهم أن يتوجه المسار إلى فهم كارثة تجربة الصحوات وما أدت إليه، ومشروع تصفيتها الجاري بالتوافق الإيراني الأميركي وهي قضية يدركها قادة الفصائل الميدانيون، وكيف يتعامل معها على الأرض عزلاً لمشروع الاحتلال بشقيه الأميركي والإيراني وصولاً إلى تحييد القاعدة عن دماء المدنيين ومصالح المشروع التحرري إن اقتنعت مجموعاتهم بأن المقاومة الدولية المشروعة للأميركيين لا تعني أن يكون العراق أرضا محروقة ودماء حتى قيام الساعة.. وتاريخ التشريع الإسلامي يوضح الموقف من هذه القضية. الوحدة الوطنية في المشروع من هنا سيكون أهم مسارات ملف المشروع الوطني العراقي للتحرير معالجة شق الوحدة الوطنية والعلاقة بين الطائفتين. وبالرغم من أن الإشكال عميق لما أحدثه الاحتلال المزدوج من شق للصف وتحريض وتهييج عبر برنامج بول بريمر بكل تفريعاته، وصولاً إلى إعلان المالكي الأخير مشروعية الغالبية الطائفية الحاكمة في تحقيق مقاصد المشروع الاحتلالي، فإن هناك حركة تمرد استقلالية ضخمة لفعاليات شيعية عروبية ووطنية عديدة خارج تشكيلات الائتلاف الحاكم بوجوهه الثلاثة الأبرز.فقدرة المشروع الوطني التحرري بقيادة الشيخ الضاري على الوصول والتنسيق مع هذه المجموعات -والزعامات خاصة العشائرية- والاتفاق معها قبل الهجوم المركزي الشامل للمقاومة سوف يؤمن جانباً كبيراً من أرضية الوحدة الوطنية، في حين يحتاج الأمر مع أكراد العراق إلى عملية أصعب لا يمكن البدء بها قبل قضية توحيد القاعدة العربية العريضة للشعب، مع الإقرار بطمأنة حقيقية لكردستان العراق مستقبلا، لا تكون رهن الحزبين لكنّها تقدر تطلعات الشعب الكردي إلى قضية الحكم الذاتي الموسع مع بقائه في إطار العراق الموحد في سياسته الخارجية والدفاعية وشراكته الاقتصادية العادلة، لكنه ملف يُفضل تأجيله بكل تأكيد.حينما تكتمل الخطوط العامة وتنسيقها الأصلي مع أطياف الشعب العراقي ومكوناته، باتفاق مع فقه المشروع النهضوي الإسلامي ودائرته التقدمية الواسعة لصلاح الأرض والإنسان، سيكون المشهد موجهاً بكل تأكيد لما تحدثت عنه فصائل المقاومة من نقطة الصفر وتوقيتها في المعارك المركزية المصيرية أثناء عمليات الانسحاب إلى القواعد أو بعدها وفقا لخطة أوباما السرية مع الجيش الأميركي.فهي حالة يرصدها القادة الميدانيون ويقدّرون وضعها، لكن المهم هو ما تدركه المقاومة العراقية من إعدادات ضخمة تستعد لها واشنطن وطهران لحرب طالبان الكبرى، وهي استعدادات ضخمة لكنها لم تؤشّر بعد إلى توقع توقيت الهجوم وإن كان متوقعا أن يكون في نهاية الشتاء القادم. وفي كل الأحوال فإن إدارة هذه الحرب الأخيرة للمقاومة العراقية لن تكون أكثر تعقيدا من المشروع السياسي، خاصة مع حجم القدرات العراقية الفدائية والإبداعية من كوادر المقاومة أو أبناء القوات المسلحة السابقة، لكن المهم هو حجم التنسيق والتوقيت لإنجاز العمل، وأهمه ضمان ما بعده من التداعيات التي سيندفع لها الإيرانيون برعاية أميركية لتفجير المشهد حتى لا تستقر الأمور للمقاومة ومشروعها. الطريق الصعب إلى النصر من المؤكد أنه طريق صعب وإن دشنت المقاومة أهم خطواته، وهو يحتاج -أي المشروع السياسي- إلى سبر التعامل مع أطراف عدة، حتى من تورطوا في العملية السياسية بصورة محدودة أو من أراد بالفعل الإقلاع عنها. وسيشكل انطلاقه -عبر شعور المحيط العربي- مدخلاَ مهماً حين يرتكز سياسيا بدخول هذا الرقم الصعب إلى المشهد المقسم بين أطماع استعمارية لطهران وواشنطن.وعليه فقد تفرض قواعد اللعبة الجديدة على هذا المحيط خاصة الخليج ضرورة التعامل معه لكونه المنقذ الوحدوي الوطني للعراق، لا حباً فيه ولكن خشية من تداعيات الصفقة الأميركية الإيرانية واضطراب مسارات الاستقرار الإستراتيجي. ومع الاستفادة من تأثيرات قواعد اللعبة تبقى قضية عدم الثقة في هذه الأطراف من النظام العربي الرسمي هي الأصل وإن جازت الاستفادة من تناقضاتها، مع أن المشروع الوطني العراقي بقيادة حارث الضاري يُشكّل فرصة تاريخية لإنقاذ العراق والاستقرار القومي في الخليج مع معرفة حجم الاعتدال الذي يشكله الضاري وخطه السياسي ليطمئن المنزعجون من قوة العراق الحر.بعد اختيار الشيخ الضاري وتوافق المقاومة وهويتها ومنهجها الواضحين لم يبق للهيئات والحركات والتيارات الإسلامية والقومية في الوطن العربي من عذر في عدم المبادرة إلى التأييد المعنوي والمادي لهذا المشروع، خاصة وهم يعلمون أنّ قضية الفتنة في المنطقة لا يمكن أن تُبطل بدون قوة ردع قوية على الأرض وخاصة في مركز تفجير الفتنة من الاحتلال. وبالتالي فهو واجب شرعي لدعم مقاومة راشدة في منهجها وسلوكها لتحرير بلدان الأمة، وهي أيضاً مشروع ردع للفتنة التي توسعت بعدما سقط العراق بين الشريكين. وقضية الاعتذار بأن ينتظر المنتظرون حتى تستكمل المهمة ويصفو لها الجو فلا توجد حركة تحرر ومشروع إنقاذ دون مكابدة للصعاب والمخاطر والتقدم لمشاريع الإنقاذ، وإلاّ لم يصل أحد إلى مبتغاه حين ينتظر في بيته ويستنكف عن المواجهة ويكتفي بالملامة. وقد بدأ العراق عبر قياداته الشرعية الطريق وحيداً، والآن جاء زمن الوقوف معه فريضة وواجبا شرعيا ووطنيا وإنسانيا، وقد أتت الفرصة لهذه التيارات أن تمد يديها للقيادة الشرعية التي كانت تحتج بها.. إن كانت قضية هذه التيارات مبدأ وليس صوت ضجيج، نرجو أن يهتدوا إلى الطريق ويصل العراق إلى بر الأمان