للبصر تأثير بالغ وكبير على العقل والقلب، فما أن يقع البصر على شيء حتى تنتقل الصور إلى العقل والقلب متحولة إلى أفكار تسيطر على عقل المصلي وتشغله في الصلاة، وقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال: (هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد) رواه البخاري، ولذا كان توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك رضي الله عنه فقال: (يا أنس، اجعل بصرك حيث تسجد). وفي هذه النصيحة والإرشاد إشارة واضحة إلى أن الخشوع يتأكد بعدم تشتيت البصر، ولذلك راعى النبي صلى الله عليه وسلم كل ما يشغل المصلي ويشتت نظره من ملبسٍ أو المكان المُعد الصلاة. فبالنسبة للملبس فقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا يكون الملبس من الثياب مما يُشغل المصلي بشكله وأناقته، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصه بها أعلام، والخميصة كِساء مربع له علمان، وهو غالى الثمن يأتي من الشام، وسُمي خميصة لخفته وصفرة إلى طول. فنظر إلى أعلامها نظرةً، فلما انصرف يعني من صلاته قال: (اذهب بخميصتي هذه إلى أبى جهم، وائتوني بأنبجانية أبى جهم، فإنها ألهتني آنفا في صلاتي) والأنبجانية كساء غليظ لا عَلَم له معروف عند العرب. فإذا كان الثوب شغل النبي في الصلاة حتى نزعه خشيةً على خشوعه، فنحن من باب أولى. وأما إذا كان موضع الصلاة غير مناسب يذهب بالخشوع فإنه ينبغي التحوّل عنه أو تحويله إلى موضع تصلح الصلاة فيه، وذلك بنزع ما يُشغل المصلي في صلاته، فعن أنس رضي الله عنه قال: كان قرامٌ لعائشة سترت به جانب بيتها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أميطي – أي انزعي وأزيلي - عنا قرامك هذا، فإنه لا تزال تصاويره تعرض – أي تلوح - في صلاتي) والقرام سِتر رقيق من صوف ذو ألوان، وقيل فيه رقم ونقش. وروى الإمام مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها كان لها ثوب فيه تصاوير ممدود إلى سهوه، والسهو بيت صغير في ناحية الحجر يوضع فيه بعض الأغراض والحاجات، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى إليه، أي قبلته في بيته باتجاه هذا السهو المغطى بهذا الثوب، فقال صلى الله عليه وسلم لعائشة: (أخّريه عني، فإن تصاويره تعرض لي في صلاتى) " فأخرته عائشة فجعلته وسائد. ولما دخل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة ليُصلى فيها رأى قرني كبش، فلما صلى قال لعثمان الحجبي: (إني نسيت أن آمرك أن تُخمّر القرنين، فإنه ليس ينبغي أن يكون في البيت شيء يُشغل المصلى).