يُستحب للخاطب أن ينظر إلى المخطوبة بحضور مَحرمها ودون خَلوة بها، من غير تدليس في زينة أو تجمل منها، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنظرت إليها)؟ قال: لا. قال: (فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا) رواه مسلم. أي: صغرا، وقيل: زُرقة، وفي هذا دلالة لجواز ذكر مثل هذا للنصيحة، وفيه استحباب النظر إلى وجه من يريد أن يتزوجها. وعن المغيرة بن شعبة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له امرأة أخطبها، فقال: (اذهب فانظر إليها؛ فإنه أجدر أن يؤدم بينكما). أي: يوفق ويؤلف، وتحدُث بينكما المحبة والمودة. قال: فأتيت امرأة من الأنصار فخطبتها إلى أبويها وأخبرتهما بقول النبي صلى الله عليه وسلم عن النظر، فكأنهما كرها ذلك، فسمعتْ المرأة ذلك وهي في خدرها فقالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تنظر فانظر، وإلا فأنشدك. أي أسألك بالله أن لا تفعل ذلك، كأنها أعظمت ذلك قال: فنظرت إليها فتزوجتها، رواه ابن ماجه. فيُستحب للخاطب أن يرى من يريد خطبتها ولها أيضا أن تراه، قال جمهور العلماء: ينظر إلى وجهها وكفيها، فيعرف الجمال في الوجه، وخصوبة البدن أو السمنة ونحوه في اليدين، وقال بعضهم: إذا لم يكفي ذلك جاز النظر إلى وجهها ويديها ورأسها، فهذا على حسب الحاجة إذا لم يكفي ذلك في اتخاذ القرار، وإذا استطاع أن ينظر إليها باتفاق مع وليها فله ذلك، وإذا كان صادقا في الخطبة غير متلاعب ولا متلصص في أعراض المسلمين يجوز له أن ينظر إليها نظر غفلة وهي لا تشعر، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل). قال: فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها، فتزوجتها، رواه أبو داود. وقال بعض العلماء: ينبغي أن يكون نظر الخاطب إلى من يريد خطبتها قبل الخطبة، حتى إن لم تعجبه ولم يجد ما يدعوه إلى خطبتها ولم يجد ما كان يريده تركها من غير إيذاء، بخلاف النظر بعد الخِطبة ثم التراجع فإنه يؤثر على نفسية المخطوبة، وهذا ما تشكو منه بعض الفتيات، فإن لم يتيسر له النظر أو لم يكف النظر واحتاج إلى المزيد من المعرفة عنها بَعث من يثق به من النساء للنظر إليها ثم الإخبار بخَلْقها وخُلقها، وقد اتفق الفقهاء على أن للخاطب أن يرسل امرأة لتنظر المخطوبة ثم تصفها له ولو بما لا يحل له نظره من غير الوجه والكفين، يعني أن تصف الشعر ونحو ذلك من صفات الجسد، فيستفيد بالبعث ما لا يستفيد بنظره، وقالوا: لا بأس أن يرسل من النساء من ينظر إليها ليُخبره لبقية الوصف، وهذا مستثنى من تحريم وصف امرأة الأجنبية للرجل الأجنبي، لأن هذا للحاجة، وهذه عِشرة عُمُر، وسيُبنى عليها حياة بين زوجين، فلا بد أن يكون هنالك من القناعة التي كمالها في النظر المباشر أكثر من الوصف، ولذلك أجاز الإسلام للخاطب أن ينظر إلى من يريد خِطبتها، وذلك لأن نظر الغير لا يُغني عن نظر النفس، فلو وصف رجل لرجل امرأة وقال بأنها جميلة فقد تكون المرأة جميلة عنده وغير جميلة عند آخر، وقد يرى الإنسان المرأة على حال غير حالها الطبيعية، كما إذا وضعت أدوات الزينة، أما إذا نظرت إليها امرأة أخرى في مسجدها ونحو ذلك فإنها ربما نقلت إليه ما كان في الحقيقة أدق. وأما إرسال الفتاة صورتها فهو خطير جدا، وقد نتج على ذلك من الفساد ما لا يعلمه إلا الله، وحصل به من أنواع الشقاق الشيء الخطير، وكذلك الخلافات والجرائم ما حصل، وخاصة إرسال الصور عبر الشبكة العالمية، فقد تتم قرصنتها كما أنها ستحفظ ويتداولها غير المعني ويترتب على ذلك مساوئ عديدة، ولأن الصورة قد لا تحكي الحقيقة تماما، فكم من صورة رآها الإنسان فإذا شاهد الأصل وجده مختلفا تماما، وربما تبقى الصورة عند الخاطب ويعدل عن الخطبة فيلعب بها كما شاء، ومن الخطأ ما تفعله بعض الخطابات التي لديهن مجموعات من صور النساء يعرضنها على من يريد الزواج، فينظر الرجل إلى عشرين وثلاثين وخمسين صورة ليختار منهن، فيُقارن بين هذه وهذه فيحدث له من الاضطراب الشيء العجيب، ولا بأس أن يأتي وليُ المرأة بصورتها للخاطب قبل أن يراها، فإذا وافق مبدئيا طلب رؤيتها وتقدم لخطبتها، وهذا قد يفيد في تلاشي مواطن الإحراج عندما يراها ثم لا يريدها. وقال بعض العلماء: ينبغي أن يسأل عن جمالها قبل أن يسأل عن دينها، حتى إذا ردها ولم يقبلها كان رده لها لأجل عدم الجمال، بينما إذا سأل عن دينها أولا فقيل له: ذات دين، ثم سأل عن الجمال فلم يعجبه فيردها بعدما عرف أنها صاحبة دين، فيكون عدم قبوله لها بسبب الدمامة رغم أنها متدينة وهذا لا يليق بالمسلم، فلذلك يبدأ بمعرفة جمالها ثم يسأل عن دينها.