* لا أحد يصدق أن هناك من المواطنين من يشتري لأبنائه وفلذات كبده موادَ غذائية منتهية الصلاحية، أو لم يتبق من عمرها سوى بضعة أيام. فُتحَت أبواب السوق اليومي والأكثر شعبية "سوق باش جراح"...فكان الدخول إليه أشبه ما يكون بالمعركة، المئات من الشباب والأطفال وحتى الشيوخ احتلوا الأرصفة وحتى الطريق..جو ذاك اليوم كان حارا... وارتأينا أن تكون وجهة استطلاعنا هذا السوق الكبير لاكتظاظه بالباعة من جهة والمواطنين "المستهلكين" من مختلف الأعمار والفئات من جهة ثانية وبغية ترصد آراء الناس وأحوالهم مع المواد التي تباع على الرصيف وعلى الأرض وقد عكس مشهد تدافع الناس على اقتناء المواد الغذائية بأسعار رخيصة مدى فقر وحاجة هذا المجتمع، ربما لهذا لم يجد "بلقاسم" 16 عاما إلا أن يصيح بأعلى صوته "اشري يا الزوالي .. فرح ولادك 3 علب فروماج ب 80 دينارا"، اقتربت منه واستغليت صغر سنه بأن آخذ منه بعض المعطيات عن تجارته ليبوح لي بسر يعرفه الجميع في باش جراح "...أنا أحصل على هذا الجبن من أحد المصانع.. يفتحون لنا "الڨاراج" على الساعة الرابعة لنقوم نحن بأخذ ما استطعنا مقابل أثمان محددة، فمن يأخذ 10 علب من الحجم الكبير يدفع 1000 دينار، وكلما زاد العدد يدفع أكثر ولسنا لوحدنا، بل هناك حتى من أصحاب المحلات التجارية ممن يملكون سجلات تجارية.. السبب أن هذه المواد لم يبق إلا ساعات وتصبح مواد فاسدة، لهذا يتخوف أصحابها من أن تفسد دون أن يحصلوا على أرباح من ورائها حتى وإن كان بالخسارة.. المهم أن لا ترمى في السمار". ويضيف الطفل سعيد 14 عاما، وملامح التعب و ضيق العيش مخططة على تقاسيم وجهه البريء وهو يبيع المادلان: " أنا أتحصل على المادلان من مصنع في السمار، أشتريه منه بالباسينة ب200دج وليس بالكيل، وأبيعه بالكيلو 20دج و"الغاشي" يشتريه بدون أي مشكل". ولاحظت إقبال النسوة على طاولات الحلويات، بغية شرائها وشراء سكوت أبنائهن. فالأخت مريم، تقول إنها تفضل شراء هذه الحلويات التي لم يتبق من عمرها سوى أسبوع حتى تسكت ابنها الذي يرافقها وحسب ما قالت:"المهم لم تمت صلاحيتها بعد". كل هذا ليس من وحي الخيال بل هي حقيقة يعيشها المستهلك الجزائري بجميع فئاته، فالأب المتواضع الدخل يأمل في أن يلبي كل رغبات أولاده التي قد تطال مواد غالية لا يقدر على شرائها، لذا تراه مجبرا على أن يرتاد مثل هذه الأسواق أين يجد بالتأكيد ضالته من السلع المختلفة والرخيصة، فالماركات العالمية لسلع "الفروماج" والسردين المعلب، الطماطم، وحتى المنظفات الغذائية والماكياج متواجدة وبأثمان بخسة، فسعر علبة من الجبن العادي من 16 قطعة يقدر في السوق الشعبية ب 40 دينارا للعلبة الواحدة، ويقدر سعر علبة الطماطم من نوع ازدهار ب 55 دينارا، ويقدر سعر المنظف السائل لغسل الأواني ب 60 دينارا، أما فيما يخص سعر المشروبات الغازية والسوائل فسعر عصير من ماركة "رامي" من نوع الكيوي يقدر ب 70 دينارا، فيما يقدر في المحلات التجارية ب 120 دينار، وسعر كوكتال منه يقدر ب 40 دينارا، فيما يقدر سعره في المحلات التجارية ب 80 دينارا وكثيرون هم أولئك الذين لا يستطيعون شراء عصير الكيوي من علامة رامي بثمن 120 دينار، لكنهم يجدون نفس العلامة بثمن 70 دينارا للقارورة الواحدة ويمكن للمشتري أن يتحصل على 3 زجاجات بسعر 150 دينارا..'' .. كانت الساعة تشير إلى الثانية عشر بعد الظهر ومع ذلك لاتزال السوق تعج بالمواطنين.. عندما عدت إلى بائع الحلويات و الأجبان لأتأكد فيما إذا كانت أشعة الشمس قد تمكنت من إذابتها.. وجدت أن صاحب السلعة قد استعان بمظلة لحمايته .. مشهد لا يصنعه إلا الجزائريون. فلا تندهشوا نحن في سوق"باش جراح" أو كما يسميها البعض بمفرغة المواد الغذائية التي بقي على مدة صلاحيتها أيام أو ساعات.