"مجتمعنا يحكمه قانون الغاب... ولم نعد نأمن على أنفسنا حتى في بيوتنا" أصبحت سلوكيات العنف في الآونة الأخيرة من السمات التي تصبغ المجتمع الجزائري، فقد اتسعت دائرتها ولم تعد تستثني أي مكان أو أي شخص، وإن تعددت قراءات الخبراء، حول أسبابها، بين من يرجع ذلك لتأثيرات العشرية السوداء، وبين من يرجعها لعوامل نفسية واجتماعية، فإن الجميع يدق ناقوس الخطر، بشأن الظاهرة، لا سيما في ظل عدم وجود بوادر لتحسن الأوضاع الاجتماعية للشباب، الذي اتخذ من العنف، وسيلة مثلى لتفريغ شحنة الضغوطات التي يعانيها. إن كنت تستعد للخروج من المنزل، فعليك أن تتخذ كل الإجراءات الاحترازية، فبالإضافة إلى اهتمامك بشكلك وهندامك، عليك أيضا أن تحسن إخفاء هاتفك النقال، ومحفظة نقودك، وهذا لأنك في شوارعنا معرض ليس للسرقة فقط، بل لأسوء أنواع العنف، أما أثناء تواجدك خارج المنزل، فأنت تضطر في الكثير من المرات إلى تجاوز ما لا يروق لك من الكلام، والتنازل في بعض الأحيان عن حقك، تفاديا للوقوع في إحدى موجات العنف، التي باتت تجتاح شوارعنا في مختلف الأوقات، ولأتفه الأسباب. والملاحظ بالنسبة لهذه المظاهر التي اكتسحت مجتمعنا الجزائري، بشكل لافت، هو التوسع الذي تعرفه ليس في أعداد الحوادث التي تقع فقط، وإنما في أشكال العنف، وأنواع الأسلحة المستخدمة، فبالنسبة لشفرات الحلاقة، تعد أحد الأدوات البسيطة، التي يحملها الشباب يوميا، تأهبا لأي شجار، في حين تعتبر السيوف، العصي، والسكاكين مختلفة الأحجام، شكلا آخر من أشكال الأسلحة المستخدمة في المعارك التي تقوم بين الحين والآخر، في مختلف الأحياء والشوارع، هذا بالإضافة إلى قارورات المولوتوف. "مجتمعاتنا ..غابة يحكمها قانون الغلبة للأقوى" أما عن الحوادث التي تسببها مختلف مظاهر العنف المنتشر في مجتمعنا، فهي كثيرة جدا، إلى درجة أننا اعتدنا على قراءة قصصها، عبر صفحات الجرائد، أو مشاهدتها عبر وسائل الإعلام بشكل يومي، وفي استطلاعنا لآراء بعض المواطنين حول الظاهرة تفاجئنا بأن كل من تحدثنا إليهم، سبق وأن تعرضوا لمواقف عنف، أو على الأقل شاهدوها أمام أعينهم. فبالنسبة لإحدى السيدات تقول أنها عايشت حادثا وقع في إحدى محطات النقل، بدأ بمشادات كلامية، وسرعان ما تطور ل"حرب"، بمختلف الأسلحة، التي تقول أنها لم تستطع أن تفهم من أين أحضروها بتلك السرعة، "كأنهم كانوا مستعدين للمشاجرة"، وتأسفت السيدة على الحالة التي آلت إليها مجتمعاتنا، وتقول في هذا الصدد "في السابق كنا نخشى على بناتنا من الخروج إلى الشارع، أما الآن فصرنا نخاف على الفتيات والشباب، وحتى على أنفسنا، لأنه لم يعد هناك أي شعور بالأمان، ولا وجود للاحترام، ولأتفه الأسباب نكون كلنا معرضين للخطر". أما إحدى الطالبات الجامعيات، فقد أكدت هي الأخرى أنها عايشت موقف عنف، فأثناء خروجهما من الجامعة باتجاه محطة النقل، تهجم عليهم مجموعة من اللصوص، أخذوا كل ما معهن من مال وهواتف نقال، وتضيف أنهم لم يكتفوا بذلك، بل قاموا بضرب صديقتها بالسكين على وجهها، لأنها حسب المتحدثة، لم تتقبل الموقف وكانت تتجادل معهم، كما أبدى أحد المواطنين استياءه من هذه الظواهر وقال "أصبح مجتمعنا أشبه بغابة يحكمها قانون الغلبة للأقوى، ولم نعد نأمن على حياتنا حتى في بيوتنا". مختصون يحذرون من موجة عنف أخرى قد تجتاح الجزائر وفي هذا الشأن تنبأ بعض الخبراء، بأن الجزائر مقبلة على موجة عنف أخرى، يكون المسؤول عنها هم الشباب الذين يعانون البطالة، والتهميش، في ظل الأوضاع الاجتماعية، والمعيشية الصعبة، والقاسية. في حين اعتبر البعض الآخر أن ما يعرفه مجتمعنا من تصعيد بالنسبة للعنف في الشوارع، وفي أماكن أخرى، هو انعكاس للرواسب، والتراكمات النفسية، التي تشكلت لدى الأجيال الذين عايشوا العشرية السوداء، والتي تميزت بكثرة مشاهد ومواقف العنف التي كان أطفالنا وشبابنا يتعرضون إليها بشكل مكثف، وفي كل الأماكن والأوقات، وذلك في حياتهم اليومية، أو عبر وسائل الإعلام، وهو الأمر الذي انعكس على تصرفاتهم في الوقت الراهن، حيث أصبح هؤلاء يعبرون عن مختلف احتياجاتهم، وانفعالاتهم، بسلوكيات عنيفة، سرعان ما تزايدت حدتها نتيجة الأوضاع الاجتماعية المتدنية، وانتشار الظواهر الاجتماعية السلبية، مثل تفشي البطالة بين الشباب، وإدمان المخدرات، وهي كلها عوامل أخرى تغذي توجه الفرد إلى الجنوح والعنف، في مختلف المواقف الحياتية التي تواجهه.