بمجرد أن سيطر تنظيم القاعدة الإرهابي على مدينة تمبكتو التاريخية بمالي، أنشأ بها ما أسماه "أكاديمية لتدريب الجهاديين"، على طريقة المخيمات التدريبية التي أقامها الأصوليون في بيشاور بباكستان خلال الثمانينات، لمحاربة القوات السوفيتية آنذاك. وقبل أن تقرع طبول الحرب في مالي، كان قادتها يروجون لما مفاده أنهم على استعداد لصد أي هجوم يستهدفهم، لكن بعد أن ضيق الخناق عليهم من قبل القوات الفرنسية والجيش المالي، فروا من المدينة المذكورة إلى وجهة مجهولة يعتقد أنها تقع على الحدود مع النيجر، تاركين وراءهم ما يثبت سعيهم لبسط سيطرتهم على منطقة الساحل الإفريقي، ومنها وثيقة سرية محررة باللغة العربية. الوثيقة التي عثرت عليها صحيفة "دايلي تليغراف" البريطانية بأحد معاقل الإرهابيين بتمبكتو تؤكد ذلك، حيث أوردت أنه في حين كان فيه شمال مالي على وشك السقوط بين أيدي عناصر من قبائل التوارق وجماعة أنصار الدين "الجهادية"، عقد ما يسمى بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب اجتماعا بتاريخ 18 مارس 2012 ضم 33 قياديا. وأوردت الصحيفة المذكورة أن أمير التنظيم الإرهابي المكنى أبو مصعب عبد الودود هو من ترأس الاجتماع ، ووفقا للوثيقة فقد عرض أبو مصعب بالاجتماع "نظرة مستقبلية" و خطط السيطرة على الصحراء الإفريقية وقال في تسجيل عثر عليه بعين المكان أن الفرصة مواتية لتنفيذ الخطة التي ستكون محل "مناقشة مثيرة و دراسة متأنية". وتقوم الخطة حسب "دايلي تليغراف" على تشجيع جماعة أنصار الدين على ما وصف بأنها انتصارات حققتها في المواجهات الأخيرة في الصحراء الكبرى واعتبارها "عملاً بطولياً"، من ثم يكون بوسع تنظيم القاعدة "قيادة ومراقبة أنشطة الجهاد لتحقيق الأهداف المطلوبة". ويكمن الهدف الذي سطر تنظيم القاعدة لتحقيقه من وراء هذا المدح "المجاني"، في الحصول على موطئ قدم في المواقع التي سيطرت عليها جماعة أنصار الدين شمال مالي، من ثم بسط سيطرتها على كامل المنطقة. ويؤكد البروفيسور مايكل كلارك المدير العام لمعهد الدراسات الملكية البريطاني أن حركة الطوارق وحركة أنصار الدين تحالفتا مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب وخاضتا الحرب معه على أمل السيطرة على شمال مالي وإعلان استقلاله عن الجنوب وتأسيس دولة الأزواد "تحت قيادة مباشرة من تنظيم القاعدة ". وفي تحليله للاستراتيجية التي تعتمدها التيارات الجهادية، يشير كلارك إلى أن امتداد التيارات المتشددة يعود إلى جنوب أسيا، وسرعان ما تحول إلى اليمن والصومال ومنها إلى شمال إفريقيا إلى أن وصلت إلى منطقة الساحل، بفعل انتشار كميات كبيرة من الأسلحة بشتى انواعها إثر سقوط نظام معمر القذافي. كما يهدف التنظيم المذكور ضمن مخططاته إلى إضفاء عدم الاستقرار على منطقة الساحل الإفريقي" قد يصل امتداده إلى سواحل البحر المتوسط عبر مالي" ومن ثم استثمار هذا الوضع " لخلق حلقة يستطيع من خلالها تطويق منطقة المغرب العربي والصحراء الإفريقية كجزء من مشروع الخلافة الإسلامية التي يحلم بها".