"لن أعود إلى المنزل، لن أتحمل ظلمه وقهره ووحشيته، أنانيته تمزقني، وتعاليه وقسوته يجعلني فريسة في قبضة فخه، لن أتنازل عن قراري حسمت في مستقبلي الشارع أو عتمة المجهول أفضل من العيش مثل سبية تحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، تركت له المنزل والأطفال وحتى المجوهرات التي اقتناها لي ليلة زفافنا،لا أحتاج منه أي شيء العقد والعمرالذي قضيته برفقته طوقني فيهما بأسوار المعتقل لا أشتم للحياة طعما ولا رائحة ولا أرى لها لونا غير السواد والعتمة، برحيلي سأهدم إمبراطورية الظلم التي شيدها فوق كرامتي ".. بهذه العبارات النارية تحدثت" وهيبة" وهي تحترق وتنفجر منها حمم بركانية، وجدناها تفترش "الكارطون" بأحد الشوارع الرئيسية للعاصمة، قادمة من ولاية داخلية، وبرغم ثراء زوجها إلا أنها فضلت المجهول على تحمل إزدرائه واحتقاره لها، بدت "وهيبة" في حالة انهيار شديدة بسبب العنف النفسي الممارس عليها من طرف زوجها، الذي كان يعاملها كخادمة أو جارية وليست شريكة حياة، واشتدت المعاملة السيئة لها بعد وفاة والديها. شتم.. ضرب وابتزاز للاستيلاء على الراتب. وليس بعيدا عن "وهيبة" انبعثت صرخة أخرى لحواء من محل لبيع المأكولات الخفيفة، وتتفق "سارة "لشابة مع "وهيبة" في تقاسم وحشية وأنانية الرجل التي نالت من سعادتهما، وإن كانت "سارة" تحمل ألما مغايرا في صدرها سببه له شقيقها، حيث قالت أن الرجل الجزائري مازال يفرض قبضته الوحشية على المرأة وينصب نفسه عليها ملكا أو حاكما يتسلط عليها كيفما شاء، حيث يجبرها شقيقها الذي تركته نائما على منحه كامل راتبها وإذا امتنعت يشبعها سبا وشتما يصل ويتطور إلى حد الضرب، في حضرة والدتها وفي غياب الأب الذي ترك المنزل دون رجعة ولا يعرف له أي مكان. تحدثت بعبارات تنبض بالأسى عما تكابده بسبب العنف النفسي الذي يسببه لها شقيقها وفوق هذا وذاك يبتزها ويسرق منها راتبها تحت طائلة القوة وحكم القوي على الضعيف ويصادر مجوهراتها إذا أقدمت على اقتناء أقراط او خاتم من ذهب، ولكي تسلم من شره تحاول تلبية طلباته غير أنها تخف جزءا من الراتب عن عينيه. و"منى" المطلقة هي الأخرى إحدى ضحايا العنف اللفظي وابتزاز الرجل ورغم قصة الحب التي جمعتها بطليقها إلا أن جشعه حول الحياة الزوجية إلى جهنم،يصادر أبسط حقوقها ويعاملها مثل قاصر وإذا تفوهت بأي كلمة يسمعها كلاما جارحا ويتفنن في استفزازها خاصة امام الآخرين، هذا على حد تأكيدها ما عجل بفك الرابطة الزوجية التي كانت تجمعهما،لأنها اكتشفت متأخرة أنه معقد نفسيا من المراة ولا يتقبل حقيقة انها شريكته. " تفوقي العلمي حوله إلى وحش" أما "حميدة "فهي الأخرى هربت من قسوة والدها وتعنيفه لوالدتها وأخواتها اللائي يكبرنها سنا فوقعت في قبضة سجان آخر وصدمتها كما قالت كانت كبيرة في زوجها الذي كان يبدو متفتحا، تفكيره مغاير لتفكير الجيل السابق من الآباء، إلى أن سبب انقلاب زوجها عدم تقبله بأن شريكته تفوقه علما لانها متحصلة على شهادة الليسانس أما هو فلم يتحصل على الشهادة الابتدائية، واعتبرت هذه المفارقة والهوة حولت الحب الذي جمعها بشريكها إلى نيران معركة حامية الوطيس تخمد وتلتهب كلما أبدت رأيها في مسألة وفجأة يقفز عليها وهو يمطرها بوابل من الشتائم، ترى أنه يستحيل أن تستمر في معاشرته، ورغم أنها أم لطفل وحامل في شهرها السابع إلا أنها لن تسامحه عندما هددها إذا أنجبت له بنتا فإنه سيشبعها ضربا،وانفجرت مندهشة، أرأيتم رجلا في ذروة الجهل اكثر من زوجي اللئيم، ورغم انها تدرك جيدا أن القانون ينصفها إذا رغبت في إيداع شكوى، إلا أنها تعي جيدا أن الشكوى لن تغير من الأمور شيئا بل تزيد من شحنة الرجل وترفع من نية الانتقام منها. وكم هن كثيرات النسوة اللائي ترين أن حظهن في هذه الحياة قليل جدا سواء مطلقة أو أرملة أو تأخرت في الزواج،ووجدن أنفسهن يجابهن الشتائم من طرف الرجل سواء كان أخ أو أب، ولم تخف "سامية" أن الرجل الجزائري بطبعه عنيف خاصة إذا تعلق بالمرأة،ولا يتقبل فكرة أن تتفوق عليه أو أن تكون في نفس المستوى معه تتقاسمه الحقوق، وتكون ندا له . درجة العنف تناهز في الجزائر معدل المتوسط وفي ظل غياب الإحصائيات الدقيقة حول حجم العنف الحقيقي المقترف ضد جنس المرأة في الجزائر توجد دراسة وحيدة عكفت على إجرائها الوزارة المنتدبة المكلفة بالمراة تعكس واقع مر ومقلق لأرقام العنف الممارس ضد المرأة منذ السنوات الأخيرة على يد أقرب المقربين على غرار الزوج ..الأب، وتؤكد ذات الدراسة عن نتائج مست ألفي أسرة جزائرية أوضحت أن " درجة العنف في الجزائر تناهز سقف المتوسط " حيث أفادت أن امرأتان من كل عشرة نساء بالجزائر تتعرضان للعنف الأسري وأفضت نتائج الدراسة ذاتها إلى أن عشرة بالمائة من الجزائريات هن عرضة للعنف الجسدي، وأن من يتورطون في هذا العنف هم أفراد الأسرة نفسها، ويأتي في الصدارة الأزواج أفرزت الدراسة التي مست ألفي أسرة جزائرية عن نتائج تؤكد أن الأرامل والمطلقات هن الضحايا الرقم واحد لممارسي العنف، وأن لا مانع في تعنيفهم ولا حماية تقيهن من الأيادي المتطاولة عليهن، حيث أفضت الدراسة إلى أن 20 بالمائة منهن تتعرضن للإهانة، مقابل خمسة بالمائة منهن تتعرضن للعنف المادي. ويأتي العنف على هاتين الشريحتين لتزيد الطين بلة، فهن تعانين من سلسلة من المشاكل والمتاعب والمظالم، خاصة المطلقات التي تقترب نظرة المجتمع لهن إلى النبذ، حيث يحملهن مسؤولية الطلاق، حتى لو كانت حجة الواحدة منهن قوية في طلب الطلاق ومقبولة جدا من وجهة نظر القانون، إلا أن لقب مطلقة بات سببا لإطلاق الأحكام المسبقة عليهن كما لو لم يكن مباحاً في الشريعة الإسلامية، وإن خفت وطأة هذه النظرة خلال السنوات الأخيرة إلا انها لم تقترب بعد مما هو مفترض. والدليل أن المطلقات تتتلقين حصة الأسد في الإهانة والتعنيف حسب هذه الدراسة. الإحصائيات غير الدقيقة تسجل تسعة آلاف معنّفة وتجيد عادة النساء المتعلمات الدفاع عن أنفسهن ورد المظالم عنهن، كما أن المستوى التعليمي العالي يزيد من احتمالات الاطلاع على القانون، وليس غريبا أن تكتسب المتعلمات ثقافة قانونية تمكنهن من معرفة حقوقهن، والمواد القانونية التي سنت لحمايتهن من اليد المعنفة، وفي حال وقعن ضحايا عنف ما السبيل لرد الإعتبار والمطالبة بالحقوق. تسعة آلاف شاكية واستقبلت مراكز ومصالح الأمن بمختلف مناطق وولايات الجزائر تسعة آلاف امرأة وفتاة معنفة خلال العام 2008، وحسب إحصائيات الشرطة فإن العنف الزوجي يتصدر قائمة أنواع العنف الممارس ضد النساء، خلال الأشهر الإثنتي عشر الأخيرة. ويمارس المعنفون ضغطا نفسيا على الزوجات بنسبة 31.3 بالمائة يليه العنف اللفظي بنسبة19.1 بالمائة، بينما يحتل العنف الجنسي المرتبة الثالثة بنسبة قدرها 10.9 بالمائة. العنف اللفظي أزمة أخلاقية وذهب الأستاذ "محمد.ب" المختص في علم الإجتماع إلى اعتبار العنف اللفظي شكلا من أشكال العنف الذي ولد مع أول انقسام واستغلال طبقي على الصعيد الإنساني وقال انه كان الانقسام الأول بين الرجل والمرأة حيث خلف الضحية الأولى التي تمثلت في المرأة. موضحا أنها ظاهرة اجتماعية لها جذورها الاقتصادية وتعبر بشكل واضح عن طبيعة العلاقة اللا متوازنة بين الرجل والمرأة مع استخدام مجالات البنى الفوقية واللغوية فضاء لممارستها بشكل مباشر في حياتها الزوجية أو في عملها و في الشارع وقال الأستاذ المختص في علم الاجتماع أن انتشار الظاهرة ووصولها لحالة يمكن وصفها بالأزمة الأخلاقية التي تلقي بظلالها على علاقة الرجل مع المرأة من جهة وعلى هوية حضارتنا من جهة أخرى يفرض على الجميع التصدي لشكل سيئ جدا من أشكال العنف ضد المرأة من خلال دراستها وإيجاد حلول فعلية لها. وأرجع العوامل التي تؤثر في انتشار هذه الظاهرة المشينة في عدم تناول الظاهرة من قبل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية باعتبارها أزمة أخلاقية تهدد هيكل المجتمع وبناه التحتية . وعدم التركيز على الظاهرة وأثارها السلبية فالتنشئة الصحيحة تقلص من تفشي الآفة وأوضحت المختصة في علم النفس "نسيمة جيراد "أن العمل على التنشئة الاجتماعية الصحيحة لفلذات أكبادنا، وتركيز الجهود على تربية سليمة للأطفال تقلص من الظاهرة، وترى تفشي الظاهرة رغم التطور الذي عرفه مجتمعنا أمر يسهل تفسيره في مجتمع مثل المجتمع الجزائري حيث قالت يحمل الرجل الجزائري في عقله الباطن ولا شعوره اعتقادا بأن العنف ضد الزوجة مباح وهو من مكونات الأسرة، وأقرت حسب ابحاثها أن العنصر النسوي أكثر ضحايا العنف في المحيط الأسري. ولم تخف أن تعلم المرأة من شأنه ان يقلص من استفحال هذه الجريمة التي تقترف ضد الشريكة الحقيقية للرجل، بدون وجه حق.