هل سيخرج الأطفال اليوم كما كنا نخرج زمان من نوافذ البيوت وشرفاتها حين يهطل المطر في بداية فصل الهطول، وينشدون بأصواتهم البريئة "يا شتا صبي صبي، واليوم عرس العربي"؟ وهل سيحتفل الأطفال اليوم كما كنا نحتفل ونحن صغارا، بالمطر ويصنعون زوارق من ورق في الجداول الصغيرة التي تشكلها مياه المطر كما كنا نفعل؟ هل يخرجون اليوم يحتفلون بعودة الزرزور المهاجر وينصبون له الشراك كما كنا نفعل يوما؟ تلك حكايات كان فيها المطر أروع من حلم. أما اليوم، فالمطر صرنا مع الأسف نصنع له قوارب حقيقية ننقل بها الأطفال إلى المدارس وليست للعب أو من أجل أن نصل إلى الضفة الأخرى من الحي، والأطفال صاروا يلتصقون بأمهاتهم خوفا من أن تبتلعهم البالوعات التي أهملتها البلديات سنوات، لأن المير لا يملك صلاحيات الإصلاح، ولكنه في الوقت ذاته يملك صلاحيات واسعة للترشح من أجل أن لا تكون له صلاحيات، وتلك مفارقة عجيبة للمير الذي يترشح من أجل "عيون مدام دليلة". هكذا ببساطة صار المطر الذي كان حلما ذات يوم، كابوسا حقيقيا، جعل الناس تقضي ليلها فوق السطوح، وبعضهم يحارب ليلا جيوش الماء ليخرجه بالدلاء من بيته، وبعضهم هرب منه لدى الأقارب أو في الزوايا الخربة قبل أن يبتلعه وأطفاله، واليوم لن نلوم أطفالنا إذا غنوا "يا شتا ما تصبيش"، فالليلة ليست عرس العربي، لأن العربي حرمته البلدية من بيت يتزوج فيه، وإن وجد بيت ابتلعه الماء.