ساعات أو أيام تفصلنا عن إعلان زعيمة حزب العمال السيدة لويزة حنون، ترشحها من عدمه، وهي في حال ترشحت تكون قد قررت دخول معركة الرئاسيات للمرة الثانية بعد تلك التي أدخلتها التاريخ خلال العام 2004 حينما أصبحت أول امرأة عربية تترشح لمنصب رئيس جمهورية ومع تجدد موعد الانتخابات الرئاسية، يتجدد النقاش حول مدى تقبل الجزائريين لامرأة على رأس البلاد، والسؤال المطروح مجددا: هل ترشح حنون لمنصب رئيس الجمهورية الهدف منه المشاركة وتأكيد إثبات الذات، مع قناعة راسخة بعدم الفوز بمنصب الرئيس في مجتمع يوصف بالذكوري؟ أم أن المشاركة موصولة باحتمال وأمل الفوز ولو على المدى البعيد؟ ما موقف الناخب الجزائري من امرأة تطمح لاحتلال أعلى منصب على رأس الجمهورية، هل يدعمها ويصوت بقوة لصالحها، وهو الذي كبر في مجتمع رجولي يفضل الذكر، بل المرأة فيه ذات نزعة ذكورية، هل يساندها متخليا بذلك عن كل عقده؟ أم أن عقد الذكورة والدونية... ما هي إلا تهم ألصقت بالجزائري الذي يؤكد آخرون أن مرور السنوات وما نتج عنها من تراكمات، أفرزت تغييرات مخالفة لتلك المعطيات المكونة للصورة النمطية المعروفة عنه؟ هي أسئلة طرحتها "الأمة العربية" على عدد من النساء والرجال بمجتمعنا، وكانت ردودهم متباينة... يردد الكثير من الجزائريين أن قيادة المجتمع وظيفة رجالية تماما، مثلما هو البيت وأشغاله من مهام النساء ووظيفتهن الطبيعية، وهي ذات الصورة النمطية التي يحملها غالبتنا عن مجتمعنا، وهو ذا تصورنا لطريقة تفكير أفراده أو رجاله على الأقل، لذلك قد يبدو مفاجئا بعض الشيء ورود النقيض في نتائج استطلاعات الرأي التي شملت عامة الجزائريين والتي يكشف عنها أستاذ علم الاجتماع ناصر جابي في حديث ل "لأمة العربية "، الذي يقول إن المجتمع الجزائري على عكس ما يشاع عنه، فهو واقعا "بيّن أنه تجاوز مسألة التقسيم الجنسي للعمل السياسي"، مستشهدا باستطلاعات الرأي المؤكدة لذلك.. "الكثير من الجزائريين خلال إجاباتهم عن الأسئلة بخصوص هذا الموضوع، أكدوا أنهم لا يفرقون بين رجل وامرأة على رأس أي هيئة أو جمعية، ونفس الشيء فيما يخص البرلمان والبلديات، حيث لا يرون أي مشكل في ترأس المرأة لها"، مضيفا أن "المجتمع الجزائري مقارنة مع المجتمعات العربية، شهد تقدما كبيرا، وعموما لا عقدة لديه أن تكون امرأة على رأس السلطة، محلية كانت أو ولائية أو برلمانية أو غيرها". أما عن لويزة حنون، فيؤكد جابي أن الناخب لم يقل لها يوما أنه لا ينتخبها، لأنها امرأة، "يبدو لي أن هناك تقبلا"، والمشكل بالنسبة لمحدثتنا يطرح على مستوى الأحزاب في حد ذاتها التي عادة ما يسيطر عليها رجال محافظون نوعا ما، سواء أحزاب التيار الديني أو الوطني، وبالتالي " فالأحزاب هي التي تستبعد المرأة على مستوى الترشيح... لذلك لا يمكن مناقشة تقبل أو رفض الناخب الجزائري للمرأة طالما أنها لم تترشح من أساسه ولم تقدم إليه من قبل الأحزاب التي يسيطر عليها رجال ذوو نزعة ذكورية". وماذا عن الترشح حرة خارج فضاء الأحزاب؟ سألنا محدثنا الذي رد بأن لا فرصة لها في الترشح من هذا الباب: "فحضور الأحرار بالجزائر ضعيف، لأن الأحزاب تسيطر على العمل السياسي في بلادنا". ويؤكد جابي بأن المرأة مؤهلة، "فطيلة السنوات الثلاث الأخيرة تفوقت الإناث في نتائج اختبارات البكالوريا، بالإضافة إلى تفوق عدد أستاذات الجامعة على عدد زملائهن الرجال..."، ويختم أستاذ علم الإجتماع: "لقد تفوقت المرأة على مستوى العديد من المهن كالصحافة والتعليم والطب... هي مؤهلة وكفأة، لكن اللعبة السياسية مغلقة ولا يسمح بدخولها إلا للرجال" . "حنون رئيسة للجزائر.. لمَ لا؟" تبدي أغلب نساء الجزائر من الناشطات في الحقل السياسي والمثقفات، تأييدا لترشح إمرأة لمنصب رئيس الجمهورية. فسيدة النشرة الأولى والوزيرة السابقة السيدة زهية بن عروس تقول ردا على سؤالنا حول مسألة ترشح المرأة لهذا المنصب الهام في الدولة، دون تردد "جيد، جيد، جيد..."، وأردفت تقول: "كنت دائما استحسن وأحث الشابات والنساء عموما على الاندماج في الأحزاب، والترشح من خلالها أو حتى عن طريق الترشح الحر... فالعالم حاليا لا يميز بين رجل وامرأة". وعن مدى تقبل المجتمع الجزائري تحديدا المعروف أنه ذكوري لشغل المرأة لأهم منصب في البلادو ردت محدثتنا تقول: "مع احترامي للمختلفين معي، إلا أنني أرى أن المجتمع الجزائري يتقدم... يكفينا فخرا أن الجزائر قدمت أول امرأة في العالم العربي ترشحت لمنصب رئيس الجمهورية خلال العام 2004... وهذا هو حق المواطنة، أن يحق لكل جزائري وجزائرية الترشح لأي منصب...". وتتحدث زهية بن عروس عن لويزة حنون وترشحها، فتقول: "إذا كانت ترى أن لها ناخبين وقاعدة وأنا لا أشك في أنها تتوفر عليها فمرحبا بها في الموعد الانتخابي...". وعن المنافسة واختلاف المرشحين وتنوع التيارات التي يمثلونها، تقول زهية بن عروس: "في الاختلاف نعمة، علينا تعويد أنفسنا على عدم الإقصاء والتهميش، علينا أن نعود ذواتنا على عدم الحكم بالمطلق أو إصدار أحكام مسبقة...". وردا عن سؤال "الأمة العربية" بخصوص حظوظ حنون في الفوز في رئاسيات أفريل المقبل، صمتت زهية بن عروس قبل أن ترد متأنية: "والله يعني..."، ثم استطردت قائلة: "لكن أظن في السنوات القليلة المقبلة مع الأجيال المقبلة، هناك أمل كبير"، مضيفة أن الأوضاع قد تتحوّل لتصبح أغلبية نواب البرلمان نساء بدلا من الرجال، وختمت محدثتنا تقول: "نحن في الطريق السليم". ترى نورية حفصي أنه من غير الممكن عدم دعم المرأة التي تترشح لرئاسة البلاد، رغم أن الإتحاد الوطني للنساء الجزائريات الذي تقوده يدعم ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة ثالثة، وتضيف في تصريح ل "الأمة العربية": "نتمنى أن تتمكن امرأة من تبوأ هذا المنصب العالي، وليس مستحيلا أن يتحقق هذا الحلم ذات يوم"، وترى حفصي أن ترشح امرأة لمثل هذه المنصب كفيل أن يجعل العقليات تتقدم ويساهم في تحرير بعض الذهنيات، خاصة لدى عدد كبير من رجال الطبقة السياسية، لأن الشعب بريء من الاتهامات التي نلصقها به". وعن حظوظ حنون في الفوز، تعلق محدثتنا: "من الجيد أن تدخل المنافسة، فهي لها شعبية كبيرة... إلا أن أغلبية التنظيمات الفاعلة داعمة للرئيس بوتفليقة... لكن شخصيا، أؤمن أنه سيجيء يوم تقود الجزائر امرأة". ويعد ترشح حنون قفزة نوعية فيما يخص ترقية حقوق المرأة في الجزائر، فالمجال السياسي يقول النقابي مزهود الذي يتساءل يتساءل في حديثه ل "الأمة العربية": "ما الذي يمنع امرأة جزائرية أن تكون رئيسة للبلاد، طالما هناك تجربة ناجحة في العالم الإسلامي، متمثلة في السياسية بيناظير بوتو في الباكستان...؟". وبغض النظر عن الفوز أو الفشل في هذه المعركة الانتخابية، يرى محدثنا أن "ترشح المرأة لمثل هذه المناصب يساهم في دفع قضية المرأة إلى الأمام، وهو يشجعها نفسيا على الإقبال على العمل السياسي، وهي التي تشكّل أكثر من نصف عدد أفراد المجتمع...". ويعترف النقابي مزهود أن "مجتمعنا ذكوري لأسباب تاريخية وثقافية"، لكنه يرى أن "التاريخ أثبت أيضا أن المجتمع يؤمن بقدرات المرأة، لأن الرجال قبلوا أن تقودهم امرأة في ثورات ومعارك كبيرة في التاريخ..."، ويتساءل: "هل جزائري أمس أكثر تقدما من جزائري اليوم؟... لا أعتقد ذلك". ويضيف بأن نجاح نساء في فرض أنفسهن على مستوى المجالس المنتخبة "يجعلنا نتساءل هل الذين امتنعوا عن انتخابهم، يعود سبب امتناعهم لأن هذه المرشح أنثى؟... لا أعتقد"، يقول مزهود الذي أردف يقول: "إذا الشعب وجد حلولا لمشاكله في محاور البرنامج الذي تقترحه المرأة المرشحة، أعتقد أنه سوف يصوت عليها، حتى لو كان هناك من يحمل أحكاما مسبقة على المرأة بالفشل". تقول المديرة العامة للمعهد الوطني للتكوين المتواصل، السيدة وزنة بوخميس: "المهم أن تشارك المرأة في الرئاسيات". وعما إذا كانت تعتقد بأن لويزة حنون في حال ترشحت بإمكانها تحقيق الفوز، ردت العضو المنتخب في بلدية بئر خادم عن حزب جبهة التحرير الوطني: "قد لا تنجح هذا العام، ربما يحدث الأمر خلال عشر أو خمسة عشرة عاما، لكن تظل المشاركة في حد ذاتها مهمة جدا... وأنا مقتنعة أنها ستنجح ذات يوم". "ولمَ لا"، هكذا كانت أيضا الإجابة الأولى لنائبة "الآفلان" في المجلس الشعبي الوطني، فريدة جفال، ردا على نفس السؤال، وأردفت قيادية الحزب العتيد تقول: "حنون أثبتت وجودها وبرهنت على قدراتها في المجال السياسي. وإذا كانت تتمتع بقدر عال من الثقة بالنفس وببرنامج حزبها، ما عليها إلا أن تخوض غمار معركة الانتخابات الرئاسية، لمَ لا... طالما أن قوانين الجزائر تكفل منذ الاستقلال المساواة بين الجنسين، إذن فالمجال مفتوح أمام كل الجزائريات لتترشحن لأي منصب سياسي...". تقول مناضلة حزب العمال ونائبته بالمجلس الشعبي الوطني، نادية شوشام: "جميل أن تترشح امرأة لمنصب رئيس جمهورية، رغم أنه أمر عادي في الجزائر. البلد الذي عرف تاريخه بطلات مثل لالا فاطمة نسومر وكهينة وغيرهن من النساء اللواتي كن قائدات جيوش... وترشح لويزة حنون اليوم إذا ترشحت يؤكد أن هناك تواصلا في ثقافة مجتمعنا ودليل على عدم وجود إشكالية بخصوص ترشح المرأة لأي منصب، حتى لو كان منصب رئيس الجمهورية، خاصة وأن هناك رجالا يدعون السيدة حنون للترشح... ونحن نتمنى أن تظهر جزائريات أخريات تترشحن لهذا المنصب الهام". وعن حظوظ السيدة لويزة حنون في الفوز، ردت مناضلة حزب العمال: "احتمال أن تكون لنا رئيسة جمهورية ذات يوم... لمَ لا؟". * "الرجال قوامون على النساء" وخلافا للرأي المتفائل بتجاوب الجزائريين وتصويتهم لصالح المرأة المرشحة، يرى الكثير من الجزائريين أن ترشح حنون صعب، لا يعدو أن يكون مجرد مشاركة في موعد إنتخابي هام لا يمكن أن تخرج منه فائزة مهما بذلته من جهود، لأن الناخب الجزائري حينما يغادر بيته نحو مكتب الإقتراع لا يخلف وراءه تركيبته النفسية وأفكاره ومعتقداته وعقده. يقول رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، الحقوقي حسين زهوان، إن تركيبة الجزائري الإيديولوجية والثقافية لا تزال تمنعه من الوقوف بقوة إلى صف المرأة الطامحة في ترأس البلاد، رغم أن النصوص القانونية لا تمنع ترشح النساء لأي منصب سياسي... ويستدرك محدثنا قائلا: "فقط النص الدستوري يشير إلى أن المرشح لمنصب رئيس جمهورية يجب أن يكون جزائريا مسلما..."، ويضيف: "الناخب الجزائري لا يزال غير مهيأ لاحتلال المرأة لمنصب رئيس الدولة، فالرجال في مجتمعنا تسيطر عليهم أفكار مثل (الرجال قوامون على النساء)، وغيرها من تلك الأفكار التي تتناقض والنصوص القانونية التي تكرس المساواة بين الجنسين"، ولهذا يرى محدثنا أن ترشح زعيمة حزب العمال للرئاسيات لا يعدو أن يكون مجرد مشاركة لا تتجاوز المكسب المحقق، منها امتيازات لحزب العمال مع إحداث دعاية له والحصول على دعم معنوي. أما رئيسة جمعية الإطارات النسوية ببجاية، السيدة نظيرة تلمساني، فتؤكد أن "ترشح امرأة لمنصب رئيس جمهورية دليل على التقدم الذي وصلت إليه المرأة الجزائرية في بلادنا، من حيث حصولها على حقوقها في الممارسة السياسية، ولو أن فوزها في مثل هذه المعارك الانتخابية حسب محدثتنا ليس سهلا... فإذا كان الرجل يغار على زوجته الإطار، خاصة إذا فاقته مرتبة في السلم الوظيفي، فما بالك أن تسير كل الجزائر!"، وأردفت السيدة تلمساني تقول: "لكن مع التغييرات الحاصلة في المجتمع الجزائري خلال السنوات الأخيرة، يمكن القول إن كل شيء محتمل...". أما المرشح الحر للرئاسيات المقبلة، عبد الله طمين، فعبّر عن إيمانه العميق وقناعته بقدرات المرأة وإمكانية تفوقها على الرجل في أي وظيفة تشغلها: "طالما هي قادرة على التفكير مثله، لذلك لا أرى فرقا بينهما، بل أحيانا تكون أذكى منه، وهناك نساء حديديات يشهد لهن العامل بأسره بمواقفهن الأشجع من مواقف الرجال. وطالما أنها تتمتع بالكفاءات المطلوبة، فمن حقها تقلد أي منصب...". لكن المشكل في المعادلة حسب طمين لا يكمن في المرأة المرشحة لهذا المنصب الحساس، بقدر ما يتعلق بالناخب الجزائري: "مقارنة مع مجتمعات أخرى، فمجتمعنا متأخر قرنين من الزمن، إنه بحاجة ماسة لتوعية وتربية ليتقبل المرأة على رأس البلاد... أما حاليا، فغالبية فئات المجتمع غير مهيأة لهذا الأمر، فقط النخبة ممن تلقوا تعليما وتكوينا عاليا وعلى قدر معتبر من الوعي السياسي، يتقبلون الأمر بلا حساسية ولا فرق لديهم بين الجنسين في أي منصب كان...". وأكد طمين أن "أغلب فئات المجتمع الجزائري ليس لها بعد نظر بخصوص ترشح المرأة للرئاسيات، وبالتالي لن تتقبل امرأة رئيسة للبلاد، خاصة وأن بعضهم لا يزال متحفظا على المرأة التي تمارس مهنة التعليم...". أما الرئيسة السابقة للمجلس الأعلى للدولة، السيدة فريدة أبركان، فأكدت ل "لأمة العربية" أن مسافة طويلة تفصلنا عن تولي امرأة لمنصب رئيس جمهورية الجزائر: "الجزائريون ليسوا مهيئين بعد لتسليم مقاليد حكم البلاد لامرأة، وإن كانوا يقبلونها في منصب قاضية بالمحكمة"، تقول القاضية السابقة السيدة أبركان التي تضيف: "الجزائريات أنفسهن غير مهيآت بعد لهذا الأمر". وتتحدث أبركان عن حنون فتقول: "هي متمكنة و معروفة ولها شعبية... مع ذلك لا أظن أنها ستنجح في اعتلاء سدة الحكم في البلاد"، فللمسألة جذور تمتد لسنوات طويلة من عمر الجزائريين، لذلك فلإنجاح مسعى المرأة المرشحة لمثل هذه المناصب الحساسة، تقترح "تربية الجيل الجديد وتحضيره على نحو يجعله يتقبل المرأة في أي منصب دون تمييز بينها وبين الرجل". مهما كانت عراقيل ترشح النساء كثيرة وموانع فوزهن متراصة، يظل الطموح غير محدود والأمل قائما وتظل إرادة المرأة الجزائرية فوق كل عائق ومانع، وهي التي سجلت نفسها كأول امرأة عربية ترشحت للانتخابات الرئاسية، فليس بعيدا أن تكون أول امرأة عربية تشغل منصب رئيس الجمهورية... إن لم يكن خلال أفريل المقبل، فخلال كل عام هناك "أفريل". والعهدة الرئاسية وإن أصبح عددها غير محدد للرئيس، فيظل عمر الواحد منها محددا بخمس سنوات، مع إنتهائها يتجدد أمل المؤمنين والداعمين لتسليم مقاليد حكم البلاد لإمرأة.