حققت حقول المشمش، خلال الموسم الفلاحي الجاري، في عدد من ولايات شرق البلاد إنتاجا قياسيا غير مسبوق، الأمر الذي هوى بأسعاره إلى أقل من 10 دنانير في أسواق الجملة، وأيضا محصول الطماطم الذي كان هذا العام وفيرا مقارنة بالسنوات الماضية، حيث بلغ سعر الكيلوغرام الواحد في أسواق الجملة 20 دينارا، على غرار منتجات موسمية أخرى مثل الخوخ والتفاح.. وقد أكد عديد الفلاحين في منطقة المتيجة أنهم احتاروا في التعامل مع الكميات الهائلة التي جنوها بعد أن أغلقت مركبات التحويل القليلة جدا في منطقة الوسط، كما في شرق البلاد، أبوابها عن استقبال كميات إضافية من "خام المنتجات"، وعلى رأسها المشمش والطماطم بهدف التحويل الصناعي، ليكون مصير هذا الفائض إما الأسواق لبيعها بأقل من سعر تكلفتها وفي معظم الأحيان تتعرض للتلف، وبالتالي رميها في وديان المنطقة. وقد سجلت حقول كل من ولايات باتنة وأم البواقي وخنشلة هذا العام إنتاجا قياسيا من منتوج المشمش، فضلا عن إنتاج حقول بالمتيجة من بوفاريك الى حدود ولاية عين الدفلى، وقد هوت أسعار هذا المنتوج إلى مستوى متدني في متناول الجميع، حيث بلغ 10 دنانير فقط للكيلوغرام خلال الأسبوعين الأولين من شهر جويلية الجاري، وذلك على مستوى أسواق الجملة للخضر والفواكه، ويصل المنتوج إلى المستهلك بسعر 20 إلى 25 دينار. وعلى غرار المشمش، نجد أيضا محصول الخوخ والخوخ المنقح والتفاح، وكلها منتجات سجلت فائضا كبيرا خلال هذا الموسم. وفي وقت كان من الأجدر بالسلطات البحث عن سبل استغلال هذا الفائض من خلال توجيهه إلى المركبات الصناعية بهدف التحويل بعد شرائه طبعا من الفلاحين، ترك الوضع على حاله، الأمر الذي تسبب في تلف مئات الأطنان من المنتجات واحتار الفلاحون في إيجاد الكيفيات والحلول المثلى لاستغلاله بعد أن سجلت حالات إشباع قصوى بالنسبة لمصانع التحويل القليلة جدا في مناطق الوسط وشرق البلاد بالنظر إلى طاقة استيعابها المحدودة. توجيهات بن عيسى.. حبر على ورق وقد تأسف العديد من الفلاحين الذين تحدثنا إليهم في بعض المشاتي المعزولة بولاية بومرداس وأيضا في ولاية البليدة، لكون خطاب وزارة الفلاحة والتنمية الريفية لا أساس له في الواقع وعار من الصحة تماما، عندما تتحدث في خطابها الترويجي لعقود "النجاعة الفلاحية" عن استعداد واهتمام الدولة بشراء فائض الإنتاج من الفلاحين لاستغلاله في برامج التحويل الصناعي، وقد أكد الفلاحون أنهم تكبّدوا خلال المواسم الثلاثة الماضية خسائر كبيرة من جراء كساد المنتوج واضطروا لبيعه بالسعر الرمزي وإتلاف أطنان منه. وأضاف الفلاحون الذين تحدثنا إليهم، وعدد من مراقبي أسواق الجملة للخضر والفواكه، أنه وباستثناء منتوج القمح بنوعيه اللين والصلب ومحصول الشعير والحليب، فإن الوزارة لا تلتفت إلى محاصيل الشعب الأخرى، والدليل أن مئات الأطنان تتلف ومصيرها الوديان ومراكز الردم التقني الفلاحي لاستغلالها على الأقل كمواد مغذية ومدعمة كيميائيا لأديم الأرض. وقد تساءل العديد من الخبراء المتتبعين لملفات الفلاحة والأنشطة المرتبطة به، عن سر إحجام وتغافل السلطات عن تحفيز المستثمرين للنشاط في قطاع التحويل الصناعي للمنتجات الفلاحية، فالعدد القليل جدا الذي ينشط حاليا في البلاد يعاني من ضائقات مالية كبيرة، خصوصا المركبات التابعة للقطاع العمومي، موضحين أن البلاد تخسر سنويا المليارات من الدينارات بسبب قصور وعقم أداء شعبة تحويل المنتجات الفلاحية. التصدير.. كبوة أخرى وكان المدير العام للوكالة الوطنية لترقية التجارة الخارجية "الجاكس" محمد بنيني قد سبق وان اعترف بصعوبة مهمة تصدير المنتجات الفلاحية الجزائرية إلى الأسواق الخارجية بالنظر إلى الصعوبات الكبيرة التي تعترض المصدرين الجزائريين وهي من طبيعة تقنية وبيروقراطية محليا ومواجهتها أيضا شروط تعجيزية من طرف الأسواق المستقبلة خصوصا الأوروبية منها . وقد أكد بنيني أن الجزائر وبغض النظر عن هذه العراقيل التي تسعى وكالته لاحتوائها من خلال إطلاقها برامج دعم ومساندة المتعامين الجزائريين لإقحام منتجاتهم في الأسواق الخارجية "أوبتيم اكسبور"، فان الجزائر تتمتع بامكانيات ومؤهلات كبيرة تمكنها من مزاحمة كبريات البلدان الإفريقية المصدرة للمنتجات الفلاحية لكن المطلوب حاليا، قبل التفكير في أي عملية تصديرية هوتأهيل الفلاحين وتحديث آلة الإنتاج والعمل من اجل مطابقة المنتجات للمعايير والمقاييس الدولية في مجال النوعية والتنافسية. ويذهب العديد من المتتبعين للملف الفلاحي في البلاد إلى القول إن الجزائر ما تزال حاليا تستورد مواد فلاحية مصنعة كان بالإمكان دعم برامج إنتاجها محليا مثل المصبرات والمربيات. شركات بولونية وألمانية عبّرت عن رغبتها في الاستثمار بقطاع التحويل سجل المتعاملون الجزائريون الذين شاركوا في معرض برلين للمنتجات الفلاحية والصناعات الغذائية، شهر فيفري الماضي، الاهتمام البالغ الذي أبدته العديد من الشركات الألمانية والبولونية للاستثمار في قطاع التحويل الصناعي للمنتجات الفلاحية، لكن مصادرنا أكدت أن المتعاملين الألمان والبولنديين اختاروا التريث في الوقت الحالي بسبب غموض آليات وإجراءات الاستثمار الأجنبي في القطاع الفلاحي، بالرغم من التطمينات التي قدمتها وزارة الفلاحة للشركاء الأجانب الراغبين في الاستثمار المباشر وفقا للقاعدة الجديدة المنظمة للاستثمار الأجنبي 51 49 بالمائة. ويشير العديد من التقنيين الفلاحين إلى أن طريق كسب رهان الصناعات التحويلية للمنتجات الفلاحية ما يزال طويلا، والمطلوب حاليا فتح نقاش وطني حول هذه الشعبة الفلاحية المهمة التي من شأنها أن تكون مصدرا للعملة الصعبة والقيمة المضافة واستحداث مناصب الشغل لو تستغل بالشكل اللازم .