تعيش أمهات وزوجات المساجين حالة مضطربة وغالبا ما تكون كارثة، نظرا للمشاكل التي يعشنها ناهيك عن نظرة المجتمع إليهن أحيانا باردة قاطعة كحد السيف وأحايين أخرى قاسمية، إضافة إلى المعاناة اليومية جرّاء الفقر وتدني حياتهن المعيشة وخاصة هاجس ضمان قفة لأبنائهن أو أزواجهن السجناء. كما تضاف لهنّ مسؤولية تربية الأبناء وحتى الأحفاد وما يترتب عليها من مصاريف لا يقدرن عليها، لكن المعضلة الكبرى تكمن في طلاق عينه كبيرة من هذه النساء بعد دخول أزواجهن السجن، مما يتحمّلن ظلما اجتماعيا مضاعفا ويشعرن بالإقصاء والحقرة بل منبوذات. نساء لا يحبّذن التحدّث عن أنفسهنّ، لأنّهنّ لسن في حالة تسمح لهنّ بذلك وبحكم انشغالهن الدائم بتدبير شؤونهن الحياتية وجريهنّ وراء تحضير القفة وجلوسهنّ بجوار الحائط الخارجي للسجن وانتظارهن لدورهن قصد الدخول لزيارة أولادهن وأزواجهن، لا ذنب اقترفته سوى أنهن أمهات وزوجات السجناء وراء القضبان يدفعون ثمن ما اقترفوه من جنايات وجرائم وسرقات، ولأنهن يملكن قلبا حنونا ولا يهنأ لهن بال على فلذات أكبادهن وهم بعيدين عنهن أو شريك لحياتهن لا يعرفون ما حلّ بهن إلا من خلال تلك الزيارات التي تعدّ على رؤوس الأصابع. تحكي لنا إحداهن السيدة ( سليمة )،وهي أم لمحبوس، تبلغ حوالي خمسين سنة ونيف، قصتها بقلب متردد وروح منكسرة، وجسم تبدو عليه أعراض المرارة والألم، ومما زاد الطين بلة ضغط ألسنة الناس التي لا ترأف بحالها، وتحسّرها على فلذة كبدها الموجود في السجن وهي تتردد على مركز إعادة التربية والتأهيل بوهران مدة ثلاثة أعوام... أما السيدة ( مليكة ) وهي أم أخرى لأحد المحبوسين البالغة من العمر الخامسة والأربعين،غادرت البيت الزوجية بعد عشرة أعوام من الزواج، حيث تقول بأنّ زوجها قد خيّرها بين ترك ابنها الموجود في السجن لحاله وشأنه والبقاء في البيت، لكنها احتارت أخذ القفة لابنها في السجن، ثمّ أضافت متسائلة.." أي قلب يجعلها تتخلى عنه؟.."، وما كان على زوجها سوى أن طلّقها ببساطة.. ومما أثار انتباهنا وجود الجدة ( فاطمة ) البالغة خمس وثمانين سنة، وهي تتردد على مركز إعادة التربية والتأهيل طيلة عامين، لزيارة ابنها وحفيدها معا، كما أنها تجهل سبب دخولهما إلى السجن، فلم نشأ أن نخوض في حياتها الشخصية حتى لا نجرح مشاعرها أو نتسبب في إحراجها .. وإذا كانت الأمّ تعيش الحيرة بين أبنائها وقسوة المجتمع ، فإنّ الزوجة أيضا تعيش ذلك، فبين الحيرة وواجبها كزوجة وأم والمشاكل الاجتماعية المحيطة بها ، مثل حالة السيدة ( سعاد ) التي تقول بأنه قد ألقي عن زوجها القبض وحكم عليه بخمسة أعوام سجنا نافذا، وعليه قامت بكل ما استطاعت من أجله حيث وكّلت محامي للدفاع عنه بعد أن باعت كل ما تملكه من مجوهرات، لكنه مع ذلك دخل السجن وهي اليوم تعاني الأمرّين، من ظلم المجتمع لها عموما والأهل بشكل خاص... فيما تقول سيدة أخرى تبلغ من العمر ثلاثون عاما، السيدة ( نصيرة ) متزوجة من رجل يبلغ ستين عاما، كانت رافضة لهذا الزواج لكنها قبلت به في نهاية المطاف نظرا للحالة المزرية التي كانت تعيشها، وهي اليوم تعيش بين الحلو والمر، وكل ذلك هربا من ألسنة المجتمع القاسي. فإذا كانت الزوجة تتحلى بالصبر والقوة لمواجهة الأوضاع القاسية، وتقاوم الإستسلام واليأس فهل يمكن للزوج أن يتحمّل ما تعيشه الزوجة في حالة العكس؟....