تعتمد أغلب العائلات العنابية لتغطية مصاريف قفة سجنائها على رهن المجوهرات، وبيع أغراض منازلها. وحسب بعض الأمهات والزوجات، فإن تكلفة القفة الواحدة تفوق 9 آلاف دينار، الأمر الذي يثقل كاهل الأهالي الذين يضطرون لاحتساء بعض المرق مع الخبز اليابس بسبب الفقر المذقع وغلاء المعيشة ببلادنا كانت وجهتنا نحو المؤسسة العقابية ببوزعرورة في البوني، كانت الساعة تشير إلى الثامنة صباحًا، حيث يصطف حشد كبير من زوار المساجين المتهمين في إطار الحق العام. إقبال النسوة كان كبيرًا وبأيديهن قفف ممتلئة عن آخرها لا يقوين على حملها في انتظار دورهن على أحر من الجمر للدخول وتبادل الحديث حول المصاريف اليومية والفقر والحاجة إلى جانب التطرق إلى العراقيل التي تفرضها إدارة السجون وطول فترة محاكمة ذويهم الموقوفين لأكثر من شهر على ذمة التحقيق. كان الجو شديد البرودة وقتها، إلا أن ذلك لم يمنع العائلات من مبارحة مكانها بل التحلي بالصبر لزيارة أهلها من السجناء. تقربنا من إحدى النساء وهي خالتي عريفة القادمة من مدينة الطارف، جاءت لزيارة شقيقها البالغ من العمر 30 سنة ومعاقب ب 5 سنوات حبسا نافذا، لارتكابه جريمة القتل العمدي. وبمجرد أن سألناها عن مصاريف القفة، أجهشت بالبكاء من شدة فقرها وحاجتها لتقول لنا إنها تعاني الأمرّين لملء قفة شقيقها، وقد أطعلتنا عمّا تحويه القفة فوجدناها تتوفر على طبق شخشوخة وفاكهة وعلبة سيحارة. وتضيف “لقد حرمت فلذات كبدي من كل شيء من أجل قفة أخي الوحيد”، بعد أن كانت قد فقدت شقيقها الأكبر في حادث مرور بعنابة. وواصلت محدثنا كاشفة أن تكاليف قفتها تفوق 7 آلاف دينار، ونظرا لأعباء المصاريف الكثيرة فهي تزور سجن بوزعرورة عند منتصف كل شهر. غيرنا الوجهة نحو امرأة أخرى وهي موظفة بإحدى البنوك بوسط مدينة عنابة، تتحمّل مصاريف القفة التي تجلبها لشقيقتها أسبوعيا. تقول محدثتنا إن شقيقتها اتهمت في قضية ترويج المخدرات التي تقضي لأجلها عقوبة 3 سنوات. توقفت عقارب الساعة عند الحادية عشرة حين ازداد توافد أهالي المساجين ببوزعرورة فأغلب الوافدين من الولايات المجاورة، حرمتهم المسافات الطويلة من الظفر بالمكان الأول لملاقاة أهاليهم من السجناء، الأمر الذي زاد في توترهم. إحدى الأمهات كانت تبدو شاحبة من شدة الإرهاق والمرض، وبالرغم من تكاليف الدواء إلا أنها حرصت على توفير القفة لزيارة ابنها المحكوم عليه بالمؤبد لارتكابه جريمة قتل، حيث باعت هذه الأخيرة كل أغراض المنزل حتى غرفة نومها لتغطية تكاليف القفة التي تكلفها أسبوعيا 4 آلاف دينار، إذ أطلعنا على محتواها فوجدنا بها طبق من “الحريرة” والسمك وكيس كبير من التبغ (الشمة) وأنواع أخرى من الفواكه. غير بعيد عن البوابة، كانت تقف فتاة تبلغ من العمر23 سنة كانت شاردة، اقتربنا منها فأخبرتنا أنها تعمل منظفة بمستشفى ابن رشد بعنابة، زوجها معاقب بعام حبسا نافذا بجنحة التعدي على عقارات صناعية، وقالت إنها تتشارك مع شقيقتها لتوفير لوازم القفة التي تكلفها أسبوعيا 7 آلاف دينار، لتضيف قائلة إنها جلبت طبق السردين والأرز وبعض الفواكه الأخرى، منهية حديثها معنا بالقول إنها قفة الزوالي!! وتحدثنا إلى إحدى القادمات من ولاية سطيف، كانت امرأة متقدمة في السن جاءت لزيارة ابنتها المعاقبة بالمؤبد والتي اتهمت بتورطها في تهريب المخدرات إلى الجارة تونس. وأطلعتنا والدة السجينة على ما تحويه القفة من بعض الأطباق التقليدية وعلب سجائر وبعض الفواكه. ودعنا المرأة ونحن نتساءل عن مصير هذه العائلات التي باتت عاجزة عن توفير مصروف إضافي لتغطية قفة سجين.