أصبح تقدم أي مجتمع مرتبطا ارتباطا وثيقاً بمدى تقدم النساء وقدرتهن على المشاركة في المجالات العملية التي تفتح لهن المجال للتسيير الجيد لبيتهن وأولادهن وأزواجهن، وبمشاركة المرأة في الحياة العملية مع الرجل تم القضاء على كافة أشكال التمييز ضدهن، لأنهن أولا أمهات مسؤولات عن تربية أجيال الغد، وزوجات يتدبرن في البيت، ويوجهن اقتصادياته، وخروج المرأة للعمل منحها الحق في تسيير ميزانية البيت، فبعض الرجال لم تعد لهم القدرة على الموازنة بين مصاريف البيت، مما جعلهم يتقاسمون مسؤوليتها مع زوجاتهم· غير أن الوضع يتحول في بعض الأحيان إلى صراعات بين الطرفين، خصوصا مع رغبة كل واحد منهما بالاستحواذ على عملية الإنفاق على البيت وتسيير الميزانية، لاعتقاد كل منهما أنه الأحسن والأجدر بتسيير ميزانية البيت، مع تبادل تهمة التبذير وسوء التسيير بينهما، ومن هنا يقع الجدل والتساؤل عن من هو الأحق بهذا، هل هو الزوج الذي يعد مصدر الدخل الأول؟ أم هي الزوجة التي تعرف احتياجات البيت جيدا؟ أم أن مشاركة الميزانية بينهما هي الحل الأمثل؟ لبناء أسرة متماسكة ماديا، وبالتالي أسرة سعيدة تسودها مشاعر المحبة والوفاء· وتعد الميزانية بالنسبة للأسر الغنية غير مهمة إطلاقا، خاصة وأنه في كثير من الأحيان، يكون دخلها الشهري أكثر من مصاريفها، غير أن الأمر يعد مشكلة حقيقية تتربص بالعائلات ذوي الدخل البسيط والمتوسط، مما يهدد قدرتها الشرائية، غير أن البعض من الأزواج يقدمون على تسليم الميزانية كاملة للزوجة، خاصة بعد الدراسات الأخيرة التي أكدت على أن المرأة تعد خبيرة في الأمور المالية بحجة درايتها التامة باحتياجات ومتطلبات البيت والأولاد، خاصة بالنسبة للمرأة العاملة، التي تملك كافة الحظوظ التي تأهلها لوضع ميزانية ناجحة، وهو الأمر الذي بتنا نراه يومياً، وبشهادة العديد من الأزواج الذين أصبحوا يسلمون الأمور المالية لزوجاتهم وهم مرتاحون تماما، وفي هذا الصدد يقول السيد (م· ج) إنه يضطر في أول كل شهر إلى تسليم المسؤولية المالية لزوجته، لأنه يعتبرها أكثر كفاءة لتسيير الميزانية، ليضيف أنه لن يجد أحسن منها لإدارة ميزانية الأسرة، لأنها الوحيدة التي تعرف ما يلزم البيت وما يحتاج إليه الأولاد، كما أنه معروف عن المرأة قدرتها على التوفير والادخار، وهو ما يرهن حظوظ الرجل أمامها، ويجعلها المؤهلة الوحيد لتسيير الأمور المالية، وفي السياق ذاته تقول السيدة (س· ك) إنها اتفقت مع زوجها منذ البداية على تقاسم الأمور، مع إلحاحها على ضرورة وضع ميزانية مرنة، وعدم ترك الأمور للصدفة، وعليه لم نواجه أي مشاكل مادية منذ زواجنا، لتضيف أنه إذا أراد الأزواج معرفة سر نجاح الأسرة ماديا، عليهم أولا أن يتفقوا على كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالأمور المالية، لكي لا يقعوا في مشاكل وصراعات لا تحمد عقباها· وفي سياق ذي صلة، يؤكد العديد من الأزواج أن ترك الميزانية لزوجاتهم، يعد أمرا مستحيلا، خاصة وأن العديد منهن لا يتحملن المسؤولية جيدا، فيتركن التصرف بالأمور المالية للصدفة، لتجدهم في نهاية الشهر لا يعرفون كم هو مبلغ المال المنفق، وفي كثير من الأحيان يلجأون إلى الاقتراض حتى قبل نهاية الشهر، وتقول السيدة(ف· ح) إنها عانت كثيرا لما كانت أمور تسيير الميزانية بيد زوجها، لتتفق معه على تركها هي تتصرف، حيث أصبح يضع كل شهر راتبه بين يديها، غير أنها ندمت على طلبها جدا، لأنها لم تقو على هذه المسؤولية التي كانت تظن في السابق أنها سهلة، لتجد نفسها قبل نهاية الشهر بحاجة إلى اقتراض مبلغ آخر من المال لإنهاء الأيام المتبقية من الشهر، لتضيف أنها ونتيجة لعدم وضعها لميزانية تسير من خلالها مصاريفها الشهرية، فإن الاقتراض يكون النتيجة الحتمية لكل شهر، وفي كل مرة تتهم من قبل زوجها بالتبذير وسوء التسيير، ويحملها المسؤولية كاملة، خاصة وأنها هي من أرادت تحمل مهمة الإدارة المالية للبيت، لتعقب أنها لو تركت الأمر بيد زوجها كما في السابق، لربما لم تقع في هذا المشكل العويص· وعليه يعد سر نجاح الأسرة ماديا، في تضافر جهود الطرفين من أجل وضع ميزانية ناجحة، يتم من خلالها التوفيق بين المخروج والمدخول، من أجل بناء أسرة متماسكة، ولو كان الدخل محدودا·