فتيات في عمر الزهور وعجائز قدّمن كل ما يمتلكن من حنان ومحبة لذرية جاحدة باعت الغالي والنفيس من أجل تربيهم وتعليمهم وقضين الأيام والليالي يسهرن على فلذات أكبادهن عشنا الجوع والعطش وقبلن الإهانة من أجل أداء الأمانة والكثير منهن تطلقن من أزواجهن للمحافظة على أبنائهن بعد سنوات وعوض أن يرتحن من عناء التربية ويسترحن من هموم المسؤولية وجدن أنفسهن مرميات في دور العجزة وسجينات بين أربعة جدران يندبن حظهن التعيس ويعدّن شريط الذكريات الماضية بسبب ذرية أينعت وحينها جاء دورها لمساعدة والديهما وشكرهما أدارت ظهرها لمن أرضعتها وتنكرت للماضي المشترك في شهر رمضان المعظم وأنت تزور ديار العجزة والمسنين تشعر بإحساس خاص وتلاحظ في أعين النزيلات اللهفة والإشتياق إلى رؤية أحد أفراد العائلة يطول الإنتظار ولا شيء في الأفق يتحقق ورغم الزيارات اليومية للعديد من المحسنين والمحسنات وللوافدين من كل مكان ورغم الإبتسامة - المصطنعة - من قبل الماكثات بذات الدار إلا أنك تدرك بأن كل إمرأة لها قصتها الخاصة ولها عالمها المتميز وآمالها التي لاتحقق وآلامها التي لاتفارقها هن كثيرات ومن مختلف الأعمار والأمصار جئن من دون رغبتهن ورغم الرعاية والعناية إلا أنهن يدركن بأن الحياة الحقيقية لا تكون على هامش المجتمع وأنه لا ذنب لهن حتى يقابلن بالجحود ويطردن من الوسط العائلي ويتسألن عن فلذات أكبادهن، عن أبنائهم وبناتهم وعن قلوبهم القاسية التي فقدت الشعور بالآخر. إنتقلنا إلى دار المسنات بحي السلام بوهران لقضاء أمسية هناك وتناول وجبة الإفطار مع نزيلاتها ومهما كتبنا وروينا عن المشهد الذي رأيناه هناك فإننا لن نقدر على نقل الصورة كاملة لأن المشاعر التي إنتابتنا كانت أقوى من كل حرف ومن كل كلمة كتبناها ألم وحسره، حيرة وفرحة بؤس وأمل مضادات إجتمعت في تلك اللحظة عند أمهات كن إلى وقت قريب في وسط عائلي طبيعي يطبخن ويغسلن يأكلن ويلعبن مع الأبناء والأحفاد وفي لحظة جنون شيطاني يجدن أنفسهن غريبات أسيرات دور العجزة ومراكزها. حاولنا إخفاء تأثرنا بحالاتهن وقمنا بالتحدث إليهن وحاولنا إ خفاء تأثرنا بحالاتهن وقمنا بالتحدث إليهن وسماع ما بداخلهن من جراح وآهات ولم ندرك أنفسنا إلا والآذان يدعونا للإفطار تناولنا مع الحاضرات وجبة الإفطار وبحضور مدير الدار السيد عمر بن سحانه ومجموعة من المربيات والشايف ياسين المطبخي المرح وهو يقدم لهن المأكولات وتقاسمنا معهن مائدة الطعام في جو المرح والفكاهة. غادرنا الدار كاتمين دهشتنا وداعين للأبناء والآباء بالهداية وللأمهات المسكينات بالصبر ومذكرين القراء بمنزلة الأم ومكانتهنا في الإسلام وبأن الجنة تحت أقدام الأمهات قيلت لعظمة شأنها وقدرها عند الله (عز وجل) حافظوا على أمهاتكم يرحمهم الله تعالى وصح فطوركم.