- الأيادي البيضاء...الحلم الأخضر مطلع السبعينات كانت الجزائر قد فرغت من التفكير في حكاية الحلم الأخضر الذي سيكون حزاما يشد وسط الجزائر، كان السد الأخضر ضرورة بيئية من أجل التوازن الإيكولوجي ولكنه كان أكثر من ضروري لوقف التصحر، وقد أعتبر وقتها كتعويض للثروة الغابية بعدما طالها من تخريب وحرق واتلاف في الحقبة الاستعمارية عموما وأثناء الحرب التحريرية خصوصا، جندت الجزائر 20 ألف جندي ببزاتهم الخضراء وأيديهم البيضاء للتناوب على عملية تخضير أو زرع آلاف الأشجار من الصنوبر الحلبي والبلوط عبر ولايات الجلفةوالمسيلة والبيض والأغواط وباتنة والنعامة وخنشلة وفي عمق يصل إلى عشرين كيلومترا داخل تلك الولايات، الحلم بدأ بشجرة زرعها "هواري بومدين" ليعلن بدء الزحف الأخضر في اتجاه عكسي نحو الزحف الرملي. مكن السد الأخضر من بعث أكثر من 400 قرية إلى الوجود ووصل الى 1500 كيلومتر وربط شرق البلاد بغربها وتحول حقا إلى حقيقة بعد أن كان حلما. أهداف السد تصد كان من بين أهم أهداف السد الأخضر النيل من تطلعات الصحراء، أرادت الجزائر أن تحد من التصحر ولكن أيضا تم اختيار المكان الذي يستضيف الأشجار وفق استراتيجية تساهم في فك العزلة عن تلك الولايات والمدن التي يعبرها السد الأخضر وتوفير مناصب شغل، إضافة إلى تمكين التجمعات السكانية القريبة منه من الاستفادة منه على أكثر من صعيد، الهدف الآخر كان البحث عن توازن بيئي يمكن تلك الولايات التي تعرف بالجفاف غالبا من الحصول على بعض الرطوبة وخلق فضاءات يمكنها أن تمنح السكان بعض الراحة والهدوء في عطلهم.، اذا فالتفكير في السد الأخضر والعمل عليه لم يكن بدواعي بيئية فحسب ولم يكن لمكافحة التصحر فقط وإن كان ذلك جوهره إلا أنه تعدى إلى دور اجتماعي. الغابات فضاءات حُيدت عن دورها حيدت غابات الجزائر عن دورها في السنوات الأخيرة فبعيدا عما طالها من تخريب بأيدي مختلفة تحولت الى فضاءات للرذيلة، ويتذكر الكثير من العائلات فترات سابقة كانت فيها الغابات ملجأ أسبوعيا للترفيه والتنفيس قبل أن تتحول الى مأوى للمشبوهين أو الى أماكن غير آمنة، وتشهد عدد من الغابات تحولا من غابات الى مراتع للسكر والعربدة حيث يتم تسويق الخمور فيها واتخاذها كمخمرات على الهواء الطلق، وهو ما تعرفه غابة ك"سن الباء "بالجلفة وهي غابة شكلت فضاء مهما لسكان مدينة الجلفة قبل أن يستعمرها باعة الخمر والسكارى وتتحول إلى مكان خطر في سنوات قليلة، هؤلاء المترددون على الغابات لا يقيمون أي اعتبار للقيمة البيئية لها فتجد آثارهم في غير مكان وهي طبعا آثار سلبية لنار عشوائية أو لبقايا قوارير الخمر المكسرة. نفس الأمر هو ما يحصل في عدد من الغابات التابعة للسد الأخضر والتي تتقاطع مع مدن أو تمر بجانبها. الجلفة.. أهم ولايات السد الأخضر في تردٍ مستمر تداخلت عوامل إنسانية ومناخية في النيل من السد الأخضر ليصبح السد الأخضر في ولاية الجلفة مهددا بالزوال، رغم أن الولاية كانت تشكل أهم ولاية يشملها المشروع منذ انطلاقته وتم غرس 30580 هكتار بالجلفة وحدها. ويعتقد البعض أن المشروع كان يمشي نحو الفشل منذ البداية في ولاية الجلفة، حيث لا تتجاوز نسبة النجاح في بعض المناطق 20 بالمائة لعدة معطيات، من بينها الاختيار لشريط الغرس وانعدام المتابعة التقنية ونوعية البذور الرديئة وغرس الأشجار في أراض رعوية، بالإضافة إلى عدم مراعاة المؤثرات الفيزيائية للمناخ، فعشرات الآلاف من الأشجار التي تم غرسها من طرف أفراد الجيش في المرحلة الأولى التي تمتد إلى 1984 بمنطقة تعظميت على عرض ما بين 5 و20 كلم وطول 50 كلم أصابها الإتلاف والقطع الفوضوي وأخرى لا أثر لها بسبب انعدام الحراسة والسقي، أما المرحلة الثانية من 1984 حتى 1990 فعرفت نجاحا نسبيا، إذ أوكلت الدراسة التقنية والمتابعة للمصالح الغابية وعملية التشجير لأفراد الجيش مع إعادة التشجير بمناطق أخرى التي أصابها اليبس والإتلاف، حيث توسعت العملية لتشمل موقعين في بلدية مليليحة وآخر ببلدية عين معبد امتدادا إلى غابات للجلال والسحاري القبلي مع مراعاة مناخ كل منطقة ونوعية البذور، حيث تم في هذا الإطار تشجير 30580 هكتار. ولاية الجلفة التي تتوفر على مساحة غابية تقدر بأزيد من 200 ألف هكتار أي بنسبة 6.47 بالمائة من المساحة الإجمالية تعرف تهديدا واضحا بشهادة من سكنها سابقا حيث تغيرت أجواؤها وعرفت نسبة كبيرة من التصحر وما يزال السد الأخضر في شريط الولاية يعرف ترديا واضحا. الجفاف، التقطيع والرعي العشوائي قلصوا من السد توجد مساحات صخرية شاسعة وكثبان رملية تعترض السد أو تقع ضمن نطاقه لا يصلح فيها شيء، ما يعتبره البعض خطأ في الغرس بينما يرى فيه آخرون أهم ما في المشروع إلا أن نجاح السد الأخضر يعبر عنه ميدانيا من خلال نماذج ماثلة بينها ولاية المسيلة التي تحولت مساحات كبيرة منها إلى غابات، ويمكن القول أن نسبة نجاح المشروع بلغت 60 بالمائة إلا أن الجفاف يأتي على أجزاء مهمة من السد، ففي باتنة كان السد الأخضر يشكل حماية ما يقارب نصف مليون هكتار من أراضي بلديات الجنوب والجنوب الغربي لولاية باتنة، أي ما يقارب 19 بلدية، وهو المشروع، الذي لم يحقق أهدافه وفق ما خطط له، فأجزاء منه اندثرت بمجرد الانتهاء من غرس الأشجار بفعل اختيار نباتات وشجيرات غير ملائمة، إضافة إلى عدم صيانة ومتابعة ما تم تشجيره بصورة جدية حتى أن هناك أماكن تعرضت لإبادة كل ما تم غرسه بسبب الرعي غير القانوني في غياب أي رقابة سواء من طرف المجموعات المحلية أو المؤسسات المشرفة على المشروع. ويلاحظ أن البلديات المجاورة بولاية سطيف تعرف موت آلاف الشجيرات إما لإصابتها بأمراض طفيلية أو بسبب الإهمال أو الجفاف وحتى الحرائق ومن الإهمال تحولت مساحات إلى أماكن لرمي أو مفرغات عمومية غير معلنة. ورغم تدعيم وتوسيع مشروع السد الأخضر بباتنة، إلا أن سنوات الجفاف قد أتت على أجزاء منه، ناهيك عن إهمال عنصر الصيانة بسبب الظروف الأمنية ببعض المناطق، وهو الأمر الذي ينطبق على عدة جهات من السد في مختلف الولايات، وتأثّر محيط السد الأخضر بسنوات الجفاف في نهاية التسعينيات ومطلع الألفية الجديدة ، ناهيك عن ضعف الدراسات التقنية ومتابعة المشاريع بدقة. الرعي الفوضوي والاحتطاب يقضي على الثروة الغابية بالأغواط وهي الولاية التي تعتبر بوابة الصحراء والتي تستضيف احتفالات اليوم العالمي لمكافحة التصحر. ... و6000 ألف هكتار مهددة بالتصحر كشف مدير الغابات الجزائرية عشية الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة التصحر أن ما يعادل 600 ألف هكتار من المناطق السهبية معرض للتصحر، طبعا هذا ما يتعلق بالوضع الحالي دون كشف ما قد يحدث إذا لم يتم تدارك الوضع في القريب العاجل، الولايات السهبية تشكل بينها أكثر من 20 مليون هكتار وهي المعني الأول والمباشر بظاهرة التصحر، ولعل وجود هيئة المحافظة العليا لتطوير السخوب التي يوجد مقرها بولاية الجلفة كان لها دور كبير في مكافحة التصحر وتنظيم الرعي وإعادة بعث المناطق الرعوية إضافة الى مساهمات أخرى ناجحة لعملية صد الجراد منذ سنوات قليلة، هذه المؤسسة التي حققت تفوقا بيئيا وعلميا نادرا تعرضت فجاة إلى انتكاسة بعد أن غادرها محافظها السابق الذي ظل على رأسها لسنوات، وربما يمكن التأكيد أن المشاكل التي تعيشها المحافطة ساهمت في الحد من مردودها وبالتالي في منح التصحر فرصة مواصلة الزحف، لقد كانت المحافظة بشهادة الجميع بحاجة الى دعم مسيريها والشباب الطموح الذي يعمل بها لكنها لم تلق الدعم بل تم تشتيت جهود الجميع وانخرطت محافظة ترقية السهوب في دوامة من المشاكل وجمد نشاطها بشكل شبه تام. البحث عن الصحراء. يسعى الأوربيون وغيرهم إلى الصحراء كفضاء ساحر ولكنهم لا يكفون عن مكافحتها، أما نحن فإننا نملك الفضاء الساحر ولا نسعى بشكل جيد للحد من امتداده خاصة وأنه يشكل النسبة الأكبر من مساحة البلاد،تبدو الجزائر في هذه المرحلة بحاجة الى دعم كبير للمساحات الخضراء وغرس الأشجار ولكن أيضا إلى إعادة تأهيل السد الأخضر وسد فراغاته، خاصة وأنه يشكو من تدهور فعلي رغم أنه شكل في مرحلة ما نموذجا للدول المجاورة وغير المجاورة، رئة الجزائر في خطر ، ورئة الجزائر ليست فقط الغابات الشمالية ولكنها أيضا الغابات المانعة التي تقف في وجه التصحر.