ممتن لعز الدين ميهوبي لأنه منحني الثقة من أول يوم دخلت فيه التلفزيون * أولا، كيف أحوالك في الغربة؟ ** أشكركم في البداية على استضافتي، ولكم مني ولقراء "الأمة العربية" أطيب تحية. أما أحوالي، فهي أحوال الغربة، وأحمد الله عليها في جميع الأحوال. * كيف كانت بدايتك في مجال الإعلام؟ ** لغتي الأمازيغية التي أعتز بها ككنز من كنوز الثراء الثقافي في بلدي، هي سر امتهاني للإعلام، فدراستي الجامعية كانت في مجال علمي، هو علم الأحياء. لكن بالتوازي مع ذلك، كنت قد شاركت في عدد من الدورات التدريبية في مجال تدريس اللغة الأمازيغية، حتى أنني حصلت على شهادة رسمية كمدرس للغة الأمازيغية. وفي فترة لاحقة، شاركت في إعداد أول كتاب مدرسي للأمازيغية في وزارة التربية. النشرة الإخبارية الأمازيغية في التلفزيون الجزائري، كانت في بدايتها باللهجتين القبائلية والشاوية، وحين تقرر إضافة الميزابية، وهي لهجتي، تقدمت علي المسابقة وحظيت بالقبول. عند خروجي من الأستوديو بعد أول نشرة لي، استدعاني مدير الأخبار إلى مكتبه وكان قد نصب حديثا، وهو عز الدين ميهوبي، كاتب الدولة المكلف بالإتصال حاليا. قال لي بنبرة حاول أن يجعلها مستاءة، إنه قرر توقيفي عن تقديم النشرة، لكن ابتسامته خانته، فكشف لي أنه لا يريد أن يتعود علي المشاهد في نشرة الأمازيغية، لأنه ينوي تحضيري لتقديم نشرة الواحدة. وفعلا، أوقفني عن تقديم النشرة الأمازيغية عدة أسابيع، لكنه اضطر لأن يعيدني لبضعة أشهر إلى أن استكمل وضع الرؤية الجديدة التي أتى بها إلى مديرية الأخبار حينها. * علي أوجانة وجه تلفزيوني جزائري معروف من خلال تقديمه لنشرة أخبار الثامنة خلال السنوات الماضية، ألا يحن إلى أيامه في التلفزيون الجزائري؟ ** بالتأكيد أحن إلى تلك الأيام وإلى زملاء تقاسمت معهم أوقاتا جميلة وأخرى عصيبة. لدي هناك أعز الأصدقاء، وأنا في تواصل مستمر مع البعض منهم، رغم حواجز الزمان والمكان. * ماذا قدم لك التلفزيون الجزائري؟ ** التلفزيون الجزائري مدرسة عظيمة بالنسبة لي، فيها تعلمت الكثير من أسس العمل الصحفي، وكان لي شرف تعلّمها من أساتذة سأظل أكن لهم الإحترام والتقدير ما حييت. ذكرت عز الدين ميهوبي الذي أمتن له بمنحه لي ثقته المهنية من أول يوم، لكن هناك أسماء كثيرة أخرى شجعتني وأخذت بيدي ولم تبخل علي أبدا بنصيحة، وأخص منها بالذكر محمد عوادي الذي فتح لي أبوابا كثيرة، وعبد الله تيكوك الذي أستلهم منه دوما روح المثابرة والإخلاص للمهنة، رغم متاعبها. * من خلال تجربتك في قناة "بي بي سي"، هل يمكن أن تقيّم لنا هذه التجربة مقارنة بمحطات إعلامية أخرى؟ ** منذ نعومة أظافري وأنا من المستعمين المحبين لإذاعة "بي بي سي"، وبالتالي إلتحاقي بها كان في حد ذاته مصدر سعادة كبرى. يصعب عليّ أن أعقد لها مقارنة مع تجاربي الإعلامية السابقة، لكنها بالتأكيد تجربة فريدة حققت لي أكبر قدر من الإرتياح المهني. * لماذا جل الإعلاميين عندنا يصبحون ظاهرة إعلامية بمجرد أن يخرجوا من أرض الوطن، ويلتحقون بقنوات أجنبية؟ ** لا أرى بأن الأمر يتعلق بمغادرة الوطن، بقدر ما هو مرتبط أساسا بكونهم يعملون في مؤسسات إعلامية ناجحة شعبيا وتتمتع بتغطية جغرافية واسعة. هناك الكثير من الصحفيين الجزائريين الأكفاء والناجحين في الخارج، لكنهم غير معروفين لدى العامة، لأنهم يعملون في مؤسسات إعلامية قد لا تصنف على رأس المفضلات. إضافة إلى ذلك، الشاشة لها تأثير رهيب وغير عادل في الكثير من الأحيان؛ فعندما نتحدث عن نجاح الصحفيين الجزائريين في الخارج، تلقائيا تتبادر إلى الأذهان أسماء مقدمي البرامج وقارئي النشرات على القنوات التلفزيونية، رغم أن هؤلاء أعدادهم قليلة جدا مقارنة بالأسماء التي لا تحصى من الصحفيين الجزائريين الذين أثبتوا قدراتهم المهنية بعيدا عن أضواء الأستوديو. * كيف هي علاقتك بالوسط الإعلامي عندنا؟ ** تربطني علاقات طيبة بالكثير من الزملاء في مختلف وسائل الإعلام الجزائرية. هناك احترام متبادل وعدد كبير من فرص التعاون المهني. * كيف ترى مستوى الإعلام الجزائري بكل صراحة؟ ** أحس بالفخر الشديد بالمسار الذي سلكته صحافتنا المكتوبة. لكن بكل صراحة، أشعر بحسرة ومرارة أكثر شدة، لأن القواعد التجارية المسيسة التي تحيط بالمجال الإعلامي في الجزائر، تؤثر سلبا على العمل الصحفي نفسه. وطالما لم تتحرر الإعلانات ومؤسسات الطباعة من قبضة السلطة، فإن الحسرة مرشحة للبقاء وقتا أطول. طبعا، أتحدث هنا عن الصحافة المكتوبة، ولا داعي لأن أتطرق إلى الإعلام المرئي والمسموع في ظل الاحتكار التام المفروض عليه. * ماذا قدمت لك قناة "بي بي سي" وماذا قدمت لها؟ ** هيئة الإذاعة البريطانية منحتني مجالا واسعا لتعلم المزيد في فنون العمل الصحفي، وأشعر فعلا بأن كل يوم أقضيه في العمل أكسب فيه معلومة أو خبرة جديدة. هذه بالطبع إحدى ميزات العمل الصحفي بشكل عام، وهو سبب عشقي لهذه المهنة. لكن في "بي بي سي"، هناك بعد آخر، هو الإنتماء إلى مؤسسة عريقة لها باع طويل في هذا المجال. أما أنا في المقابل، فأحاول جهدي وسأظل أحاول أن أقدم لها عملا صحفيا يرقى إلى مستوى القيم والمبادئ التي تلتزم بها المؤسسة. * ماذا يمكنك أن تقدم للجزائر من خلال قناة "بي بي سي"؟ ** الكثير.. لكن كيف؟ هناك قيود كثيرة توضع على تغطية القضايا التي يمكن أن يستفيد منها المشاهد الجزائري. العقدة في هذا الأمر، هو أن ما يفيد المواطن الجزائري هو في معظم الأحيان ما تريد السلطة التكتم عليه، وأحيانا لا يكون للموضوع أي بعد سياسي مباشر. ورغم ذلك، تفاجأ برفض السلطات منح رخصة التصوير، هذا يقلص كثيرا من الخيارات المتاحة أمامك كصحفي لاختيار الطريقة المثلى لتناول الموضوع. ما يبقى متاحا في الغالب، هو إجراء حوارات عبر الهاتف مع شخصيات من المعارضة، وهذا ما نقوم به حين يكون هناك حدث أو مناسبة، وهذا يسمح للمتسمع والمشاهد الجزائري بأن يسمع آراء تخصه لا يسمح له بسماعها على القنوات الإعلامية الممولة بالمال العام، أي بأموال المواطنين. * هل فيه إمكانية للرجوع إلى أرض الوطن والاستقرار هنا، أم أن الوقت لم يحن بعد ولازالت مشاريع كثيرة في الانتظار؟ ** أملي أن يأتي يوم يمكن لنا جميعا أن نحقق فيه مشاريعنا وأحلامنا دون أن نضطر إلى مغادرة الوطن. الإستقرار مجددا في أرض الوطن، هو حلم جميل لم يحن بعد موعد تحقيقه. لكن في انتظار ذلك، وطني يبقى دوما مستقرا في قلبي. * في ختام حوارنا، كلمة تود توجيهها لشخص معين؟ ** "ما يخاف من النار غير اللي في كرشو التبن"، أقولها لكل من يعتقد أن الصحفي يمكن أن يكون إرهابيا بقلمه.