الغديوي: الجزائر ما تزال معقلا للثوار    مولودية وهران تسقط في فخ التعادل    مولوجي ترافق الفرق المختصة    قرعة استثنائية للحج    جبهة المستقبل تحذّر من تكالب متزايد ومتواصل:"أبواق التاريخ الأليم لفرنسا يحاولون المساس بتاريخ وحاضر الجزائر"    الجزائر تحتضن الدورة الأولى ليوم الريف : جمهورية الريف تحوز الشرعية والمشروعية لاستعادة ما سلب منها    المحترف للتزييف وقع في شر أعماله : مسرحية فرنسية شريرة… وصنصال دمية مناسبة    تلمسان: تتويج فنانين من الجزائر وباكستان في المسابقة الدولية للمنمنمات وفن الزخرفة    مذكرات اعتقال مسؤولين صهاينة: هيومن رايتس ووتش تدعو المجتمع الدولي إلى دعم المحكمة الجنائية الدولية    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي عائلة الفقيد    قرار الجنائية الدولية سيعزل نتنياهو وغالانت دوليا    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي في وفاة الصحفي محمد إسماعين    التعبئة الوطنية لمواجهة أبواق التاريخ الأليم لفرنسا    الجزائر محطة مهمة في كفاح ياسر عرفات من أجل فلسطين    الجزائر مستهدفة نتيجة مواقفها الثابتة    مخطط التسيير المندمج للمناطق الساحلية بسكيكدة    حجز 4 كلغ من الكيف المعالج بزرالدة    45 مليار لتجسيد 35 مشروعا تنمويا خلال 2025    47 قتيلا و246 جريح خلال أسبوع    دورة للتأهيل الجامعي بداية من 3 ديسمبر المقبل    تعزيز روح المبادرة لدى الشباب لتجسيد مشاريع استثمارية    نيوكاستل الإنجليزي يصر على ضم إبراهيم مازة    السباعي الجزائري في المنعرج الأخير من التدريبات    سيدات الجزائر ضمن مجموعة صعبة رفقة تونس    البطولة العربية للكانوي كاياك والباراكانوي: ابراهيم قندوز يمنح الجزائر الميدالية الذهبية التاسعة    4 أفلام جزائرية في الدورة 35    "السريالي المعتوه".. محاولة لتقفي العالم من منظور خرق    ملتقى "سردية الشعر الجزائري المعاصر من الحس الجمالي إلى الحس الصوفي"    الشروع في أشغال الحفر ومخطط مروري لتحويل السير    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    السلطات تتحرّك لزيادة الصّادرات    بورصة الجزائر : إطلاق بوابة الكترونية ونافذة للسوق المالي في الجزائر    إلغاء رحلتين نحو باريس    البُنّ متوفر بكمّيات كافية.. وبالسعر المسقّف    وزارة الداخلية: إطلاق حملة وطنية تحسيسية لمرافقة عملية تثبيت كواشف أحادي أكسيد الكربون    مجلس حقوق الإنسان يُثمّن التزام الجزائر    مشاريع تنموية لفائدة دائرتي الشهبونية وعين بوسيف    اللواء فضيل قائداً للناحية الثالثة    المحكمة الدستورية تقول كلمتها..    المغرب: لوبي الفساد يتجه نحو تسييج المجتمع بالخوف ويسعى لفرض الامر الواقع    الأمين العام لوزارة الفلاحة : التمور الجزائرية تصدر نحو أزيد من 90 بلدا عبر القارات    دعوى قضائية ضد كمال داود    تيسمسيلت..اختتام فعاليات الطبعة الثالثة للمنتدى الوطني للريشة الذهبي    الخضر مُطالبون بالفوز على تونس    الشباب يهزم المولودية    سباق الأبطال البليدة-الشريعة: مشاركة أكثر من 600 متسابق من 27 ولاية ومن دول اجنبية    وزيرة التضامن ترافق الفرق المختصة في البحث والتكفل بالأشخاص دون مأوى    النعامة: ملتقى حول "دور المؤسسات ذات الاختصاص في النهوض باللغة العربية"    العدوان الصهيوني: الأوضاع الإنسانية في غزة تزداد سوء والكارثة تجاوزت التوقعات    الذكرى 70 لاندلاع الثورة: تقديم العرض الأولي لمسرحية "تهاقرت .. ملحمة الرمال" بالجزائر العاصمة    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



-
نشر في الأمة العربية يوم 07 - 08 - 2009

لا تظهر كثيرا، وحينما تفعل يكون بحثا عن فريسة لها، إنها إحدى المحاميات اللاتي وجدن في المهنة نافذة على الكسب السهل، هي محامية بات يعرفها الكل بعدد من محاكم العاصمة، بتصرفاتها الاحتيالية التي لا تخفى إلا على مواطن أبله أو ساذج. فبعد الإيقاع بفريستها، والتي بمجرد أن تبدأ بالتحدث إلى أحد ضحاياها، والذي عادة تتصيده من أروقة المحاكم، بإيهامه أنها تعرف الكل، من القاضي إلى البواب. تعمل المحامية على إدخال ضحيتها إلى دوامة من الكذب قصد إقناعه بأنها متمكنة من ربح قضيته، بداية تضرب للضحية موعدا قرب المحكمة، ويكون الموعد عادة متزامنا مع وقت الغداء أو قبيله بقليل. ولأنها تحاول أن تكون مع شخص آخر، عادة ما يكون يعرفها أو تثق فيه، غير أنه لا يكون محاميا حتى لا يسرق طرقها في الحصول على موكلين، من الوزن الثقيل، فتحاول الإيماء إلى الضحية بالحديث إلى من يرافقها، فتدعو نفسها إذا لم يكن قد حان وقت الغداء إلى ارتشاف فنجان قهوة أو مشروب، مستغلة الفرصة أثناء ذلك في التحدث عن "القضايا المستعصية التي ربحتها"، و"الطرق الناجحة" التي استعملتها فيها. في كل حديثها، تسعى المحامية إلى التظاهر بأنها تتحدث إلى من يرافقها، وذلك حتى لا تلفت انتباه الضحية إلى أنها تحتال عليه ولا تظهر أي طمع فيه. وبعد الانتهاء من القهوة، تقول لا تتحرج في تذكير ضحيتها إن موعد الغداء قد حان وإنها جائعة، وطبعا الضحية الذي يسعى بكل الطرق لإرضاء من سيكسب قضيته، التي ربما تكون قد وصلت إلى المحكمة العليا، وهي آخر مراحل النظر في أي قضية، لا يتردد في دعوتها إلى الغداء على حسابه طبعا، هنا تقوم محاميتنا بالإشارة إلى المطعم الذي تريد تناول وجبة الغداء فيه، وتعمد إلى اختيار واحد من أفخم المطاعم، مدعية أنها تفضّل تناول غدائها " كالعادة" فيه.
عند الدخول إلى المطعم، تقوم بإلقاء التحية على العمال، وحتى صاحب المطعم الذي يعرفها، ذلك أنها تقصده في كل مرة مع "فريسة" جديدة تدفع الكثير في أغلى الأطباق. ومع أن صاحب المطعم من المستبعد أن يكون يعلم بالحقيقة، فإن ضحيتنا تكون قد تشكّلت لديه قناعة بأن هذه المرأة غير كاذبة، وهذا فعلا مطعمها المفضل، تتخذ ومن معها مكانها المعتاد وتطلب أغلى الأطباق. وما إن تجلس، تبدأ في تقزيم القضية بالنسبة لها، ومن الحين إلى آخر تلتفت إلى من جلبته معها وتأخذ في قص قصصها عن النائب العام السابق "الفلاني"، والقاضي الذي درس معها والذي يعمل حاليا بالمحكمة العليا. وبالكثير من الضحك والهزل، تؤكد أن هذا لا يرد لها طلبا والآخر يفرح عند رؤيتها، وآخر خدمها في الكثير من المرات. وما إن ينتهي الغداء، حتى يكون الضحية قد دخل مرحلة أخرى، وهي التوسل إلى المحامية في أن تستخدم كل الطرق من أجل تمكينه مما يكون حقه، أو حتى ليس بحقه، وإنما يريد الحصول عليه ما دام الأمر يتطلب التضحية ببعض المال، ثمن حكم يرضيه.
ومباشرة قبل الافتراق، تنزوي المحامية مع صاحب القضية في أحد الأماكن، كمدخل إحدى العمارات مثلا، وهناك تتسلم الدفعة الأولى من أتعابها والتي تكون بالملايين، حتى قبل الاطلاع على الملف، كونها أقنعت ضحيتها أنها سوف تلجأ إلى طرق تتطلب أكثر من استعمال القانون.
من حالات النصب التي يندى لها جبين كل من سمع بها من المحامين الغيورين على المهنة، والتي تترجم نوايا بعض من دخل سلك المحاماة لغرض الاغتناء بسرعة مهما كان الثمن، حالة محامية مبتدئة، تولت الدفاع عن سيدة عجوز متابعة ببعض الجرائم الواقعة تحت طائلة قانون محاربة الفساد من اختلاس، وتزوير واستعمال المزور... وقد كان لهذه العجوز حسب مصدر على اطلاع بالقضية أبناء يعيشون في المهجر انتقلوا إلى الجزائر من أجل القضية، من بينهم ابنة حاولت جاهدة العثور على محام ينقذ والدتها العجوز من السجن، الذي قضت فيه شهورا، غير أن المحامية الفتاة التي كانت بالكاد قد أنهت تربصها، أقنعت ابنة المتهمة أنها تعرف القاضي المكلف بملف القضية التي يجري التحقيق فيها، بإحدى المحاكم الواقعة في دائرة اختصاص مجلس قضاء البليدة. ويبدو أن هذه المحامية أعماها غنى العائلة والعملة الصعبة، خاصة وأن ابنة المتهمة أخبرتها أنها مستعدة لدفع المبلغ الذي يطلبه أي محام يمكنه إخراج والدتها من السجن، وبالعملة التي يريد، فلم تتردد المحامية في طلب مبلغ قدره 80 مليون سنتيم، بدعوى أن القاضي "المرتشي" طلبه منها من أجل تبرئة والدتها، من التهم الموجهة لها.
طبعا، الابنة لم تجد بدا من تلبية طلب المحامية، أملا في إخراج والدتها من السجن الذي أنهكها في سنها المتقدمة، علما أن الثمانين مليون سنتيم قد تكون دفعة أولى فقط، قدمتها الابنة للمحامية التي أقنعتها بأن المحامي الذي كان مؤسسا في القضية، وهو من أكبر المحامين وأكثرهم نزاهة، لا يمكنه إخراج والدتها التي تواجه تهما خطيرة، ويحمل ملفها أدلة دامغة ضدها، كان الحل الوحيد اللجوء إلى "رشوة القاضي "من أجل حفظ الملف أو تبرئتها إذا ما اجتازت المرحلة التي يمكن معها الحفظ.
يذكر أن الابنة التي لم تسجل قضية والدتها أي خطوة إيجابية، من التي أوهمتها بها المحامية، مع أنها "أرسلت المبلغ كاملا للقاضي عبر محاميتها"، وقد لجأت إلى المحامي الذي كان متوليا ملف والدتها من البداية، وقصت عليه القصة كاملة. ولأنه يعلم أي نوع من القضاة الذي يوجد ملف المتهمة أمامه، فقد اكتشف أن ابنة موكلته راحت ضحية عملية نصب إحدى زميلاته المبتدئات في المهنة، وأسر المحامي الذي رفض الكشف عن هويته وهو واحد ممن يشهد لهم بالكفاءة والنزاهة،من طرف المحامين والقضاة وممثلي النيابة على حد السواء ل"الأمة العربية"، أنه تحرى عن الأمر وعلم أن المحامية استحوذت على المبلغ، وأن القاضي ليس من المرتشين. كما أن لا علاقة لها به، والقصة التي ألّفتها كانت من أجل الإيقاع بفريستها فقط. ومع أنه رفض متابعة القضية من جديد رغم توسلات موكلته، إلا أنه تأسف لممارسة بعض المحامين للنصب على موكليهم من أجل المال، متناسين المبادئ والأخلاق واليمين الذي أدوه قبل ولوج المهنة.
إن كان أغلب المحامين النصابين يدّعون معرفة القضاة، فإن البعض ممن امتهنوا النصب لسنوات وتشبعوا من الخبرة في المجال مجال النصب طبعا الذين يعمدون إلى ادعاء معرفة القضاة، إذا ما كانت القضية لازالت في المحكمة الإبتدائية، أو مجلس القضاء. والأكثر من هذا، يعمدون إلى معرفة ليس كغيرهم من النصابين الصغار، معرفة القضاة إذا ما انتقلت القضية إلى أكثر من المستويين المذكورين. بل إن محاميتنا المعروفة بالدفاع عن الرعايا الأفارقة في الجزائر، تقول لضحاياها إنها تعرف أحد إطارات الوزارة الذي يمكنه التدخل حتى بعد صدور الحكم، وتمكين المتهم الذي حكم عليه بالسجن، أن ينعم بالحرية من جديد بعد أن قضت العدالة بغير ذلك.
ولعل قصة المرأة التي التقتها "الأمة العربية" أثناء القيام بهذا التحقيق، أبسط مثال على حقيقة النصب وسط المحامين وادعاءات بعضهم بمعرفة إطارات الوزارة، قالت السيدة في مختصر قصتها مع المحامية التي قالت "إنها نصبت علي بلا رحمة"، إن زوجها الصيدلي الذي كان متابعا ببيع "حبوب مهلوسة"، حكم عليه بالحبس النافذ لأربع سنوات، وإن المحامية نصحتها بعدم الاستئناف في الحكم، إلى أن انتهت المدة القانونية لذلك والمقدرة بعشرة أيام، التي بعدها يصبح الحكم نهائيا. كما أن المحامية وعدتها بعد الاطلاع على الملف بالبراءة رغم ثقل التهمة المتابع من أجلها ذلك أنها قالت للسيدة التي كان همها خروج زوجها المعاق حركيا بنسبة 80%، إن لها "معارفها" في قطاع العدالة وأنها سوف تتصرف، واعدة إياها بإخراج زوجها حتى في حال إدانته، بدعوى أن لها إطارا في وزارة العدل تعرفه وسوف يساعدها في ذلك، طالبة منها مبلغا ماليا لم تتنازل عن فلس واحد منه، رغم الظروف المزرية التي تعيشها تلك المرأة، التي لم تعد تجد ما تسد به رمقها ورضيعتها.. وكان المبلغ 50 مليون سنتيم، ثمن البراءة المزعومة التي وعدتها بها، فلم تجد الزوجة بدا من بيع كل ما يمكنه أن يباع لديها، إضافة إلى مساعدات الأقارب من أجل جمعه، ثم سلمتهم للمحامية التي ظلت تعدها بالبراءة، وبتدخل الإطار الذي تعرفه. لكن بعد مدة لم تعد ترد على مكالماتها، وتنصلت من الأمر.
يذكر أن هذه المحامية دارت حولها الكثير من الإشاعات، ولازالت تنشط بنفس الطريقة غير مبالية بما يقال عنها، في ظل عدم وجود أي شكوى رسمية ضدها.
إن كانت عمليات النصب هذه لم تكتشف، ولازال ممارسوها يصولون ويجولون في المحاكم والمجالس القضائية، فإن طمع بعض المحامين المبتدئين في أن يصبحوا من رواد النصب في المحاماة، عجّل بنهايتهم المهنية، كونهم "لم يحسبوها جيدا" ولم يدرسوا كل الاحتمالات.
ومن أمثلة هؤلاء محام لا يهمنا ذكر اسمه كشف ما قام به، عن واحدة من عمليات نصب المحامين التي تتم بمساعدة بعض كتّاب الضبط عديمي الضمائر، الذين ينسون اليمين التي أدوها من أجل حفظ أسرار يؤمّنون عليها بخصوص القضايا.
مختصر القضية التي اكتشفتها قاضية بمحكمة بئر مراد رايس بالعاصمة، وهي المكلفة بملف متهم تم إيداعه الحبس الاحتياطي على ذمة التحقيق، أنه بعد ارتكاب القاضية لخطأ مهني بعدم قيامها بإجراءات تجديد مدة الحبس الاحتياطي للمتهم، بعد انقضاء الفترة المنصوص عليها قانونا، ولما أدركت ذلك، احتارت فيما تفعل وتساءلت عن الحل، وهي تحدث كاتبتها، كونها مجبرة على الإفراج عن المتهم بقوة القانون، في الوقت الذي تستدعي التهم المتابع من أجلها إبقاءه في الحبس. وقد قالت لها الكاتبة "لا خيار لديك سيدتي الرئيسة سوى أن تفرجي عنه.."، فقالت لها القاضية "ليس أمامنا من حل آخر، سيستفيد من الإفراج بقوة القانون..".
إلى هنا الأمر عادي، لتبدأ عملية النصب من هذا القرار، حيث تقول بعض المصادر المطلعة على الملف الذي لازال يلفه الكثير من التستر، كونه لازال قيد التحقيق، إن كاتبة الضبط التي تعرف أحد المحامين المبتدئين اتصلت بهذا الأخير وأخبرته بالأمر، طالبة منه أن يستغل الفرصة ويتأسس في القضية، بعد الاتصال بأهل المتهم والتأكيد لهم أنه سوف يخرج ابنهم غدا، وهذا ما فعله المحامي الذي طلب مبلغا قدره 40 مليون سنتيم، ادعى أنه سوف يسلّمه للقاضية المكلفة بالملف. لكن أخ المتهم الذي أمّن جزءا من المبلغ، توسّل إلى المحامي أن يمهله بعض الوقت لتأمين المبلغ المتبقي، لكن المحامي رفض، مدعيا أن القاضية لن تقبل، ليحدث ما لم يكن في الحسبان.
فقد توجه أخ المتهم إلى مكتب القاضية، دون علم المحامي طبعا، وذلك حتى يستعطفها من أجل إمهاله وقتا أكثر. وعند استقبالها له، قال لها: "أرجوك سيدتي الرئيسة، امنحيني بعض الوقت لجمع المبلغ المتبقي.."، فقالت له القاضية التي لم تفهم شيئا: "أي مبلغ؟"، فقال "المبلغ الذي طلبته من أجل الإفراج عن أخي، والذي أرسلت لك جزء منه مع محاميه.."، هنا فهمت القاضية أن ثمة عملية نصب، ذكر فيها اسمها بدعوى أنها "مرتشية"، وبدأ التحري في القضية وسماع أخ المتهم الذي اعترف بكل شيء والكاتبة التي تبين تورطها.
وفي الوقت الذي تمسكت القاضية بالمتابعة الجزائية، فقد اتخذت نقابة محامي العاصمة إجراءات فصل المحامي ومنعه من مزاولة المهنة مدى الحياة.
* على الهامش:
في دردشتنا مع أحد ممثلي الحق العام وكيل جمهورية سابق بمحكمة سيدي امحمد بالعاصمة الذي رفض ذكر اسمه للحصار المفروض على المعلومة في الدوائر القضائية، أكد لنا المتحدث أن هذه الأفعال الاحتيالية موجودة فعلا وسط العديد من المحامين، منوها بنزاهة البعض منهم الذين قال إنه يعرفهم شخصيا. وفي الوقت الذي أشار فيه ممثل النيابة إلى الضجة التي قد يحدثها طرح موضوع كهذا للرأي العام، فقد أكد أن النيابة وعبر ممثليها في جميع الهيئات القضائية، تمر عليها الكثير من عمليات النصب التي يمارسها بعض المحامين عديمي الضمير، إلا أنه لا يمكن للجهة التي يمثلها أو جهة أخرى مهما كانت، تحريك الدعوى ضد المحامي المحتال، إلا بشكوى من الطرف الذي تعرّض للاحتيال، ترفع إلى وكيل الجمهورية لدى المحكمة الواقع في دائرة اختصاصها، ومن ثمة تقوم النيابة بإخطار النقيب ووضع الملف بين يديه.
وعن استخدام بعض المحامين لأسماء القضاة ونواب الجمهورية في النصب على المواطن، قال المتحدث إنهم كممثلين للحق العام يخشون دائما تشويه سمعتهم، من طرف هؤلاء المحامين الذين قد يدّعون معرفة هذا أو ذاك في النيابة، كاشفا بأنه لما كان وكيل جمهورية، كان يتفاجأ أحيانا ببعض المحامين الذين لا تربطه بهم أية علاقة، يطرق باب مكتبه ويدخل، فيلقي التحية ولا غيرها ومن ثمة يخرج، أردف المتحدث أنه لم يفهم يوما سر هذا التصرف، غير أن شكه في الأمر أوصله إلى درجة أنه أحيانا يلحق بالمحامي ويلقي نظرة خارج المكتب عله يجده مصطحبا لأحد معه، وهنا أشار المتحدث إلى سذاجة المواطنين وجهل بعضهم، مما يجعلهم يصدقون المحامي إذا ما قال لهم إنه يعرف وكيل الجمهورية الفلاني. وبمجرد أن يراه يدخل المكتب ثم يخرج، يقتنع بذلك. وفي هذه الحالة، قد يستغل المحامي النصاب التمثيلية التي قام بها، في طلب المال من موكله، بدعوى أنه تحدث إلى وكيل الجمهورية الذي "يعرفه"، وهنا قد يطلب منه فور خروجه من المكتب دفعة أولى من الأتعاب. وعلى هذا علق المتحدث ب "لا يسعنا إلا أن نقول حسبنا الله ونعم الوكيل فيهم".
وبعد أن تأسف المتحدث لوجود مثل هذه التصرفات اللاإنسانية وسط المحامين، قال ممثل النيابة إن هذه المهنة كغيرها، تضم عديمي الضمير والمحتالين، مشيرا إلى أن الأمر لم يستبعد فيه أحيانا تورط بعض القضاة أو وكلاء الجمهورية "فعديمي الضمير موجودون في كل القطاعات" يضيف المتحدث مؤكدا في ذات السياق أن تورط القضاة في مثل هذه العمليات الاحتيالية، لم يعد موجودا الآن،فيما يتزايد توجه الكثير من المحامين نحو احتراف النصب على المواطن، الذي يكون قد باع ملكا موروثا له أو حتى بيته، أو مجوهرات زوجته، من أجل تأمين المبلغ الذي طلبه المحامي المحتال، وهذا يضيف ممثل الحق العام شيء لا يمكن أن يفلت به النصاب، فالعديد من المحامين الذين يعلم بامتهانهم للنصب "ونحن نعرفهم جيدا"، يدفعون يوميا ثمن المال كسبهم الحرام.
رأي النقابة
أعرب المحامي مولود بن ناصف، عضو بمجلس منظمة محامي العاصمة، تحدث إلينا باسم النقابة، عن أسفه لوجود مثل هذه التصرفات المخزية وسط المحامين. وبعد تردد بن ناصف في نشر غسيل أصحاب الجبة السوداء على صفحات الجرائد، قال المحامي، وهو أستاذ محاضر بكلية العلوم القانونية الإدارية بجامعة الجزائر، ومن أعضاء المجلس المشهود لهم بالنزاهة، إنهم كنقابة لا يمكنهم اتخاذ أي إجراء ضد المحامي النصاب، إلا بناء على شكوى من الطرف المتضرر، والتي لما يتقدم بها إلى وكيل الجمهورية الذي يخطر النقيب بها، أو ترفع إلى هذا الأخير شخصيا، وهنا تباشر المنظمة الإجراءات التي ينص عليها القانون الداخلي للمهنة، حيث تباشر المنظمة التحقيق في القضية وسماع الأطراف. وإن كان الجرم كبيرا، يتم ووفقا لقرار إحالة، إحالة المحامي المشتكى منه على المجلس التأديبي، الذي قد يتخذ قرارا بفصله إذا ما ارتأى ذلك. وإلى ذلك الحين، تسحب بطاقة الختم من المحامي المعاقب، ليترك المجال للضحية قصد متابعته جزائيا.
ويشير الأستاذ بن ناصف، إلى أنه في بعض الملفات، لا تصل الأمور إلى الفصل، حيث تقوم لجنة أخلاقيات المهنة الموجودة على مستوى المنظمة، والمكلفة بتصفية الملفات البسيطة، بمحاولة إيجاد الحلول الودية بين الطرفين، ليتم بعدها حفظ الملف.
وعن المحامي المبتدئ الذي كشفته قاضية بئر مراد رايس، قال بن ناصف إنه تم سحب البطاقة المهنية منه والختم، وقد تم فصله نهائيا من قائمة المحامين، مؤكدا أن قاضية بئر مراد رايس أصرت على متابعة المحامي المفصول جزائيا، ورجح المتحدث أن يتابع المحامي المفصول بتهم النصب والاحتيال.
وإن كان المجال لا يتسع لذكر كل عمليات النصب التي مارسها بعض من امتهن النصب من أصحاب الجبة السوداء، وذلك لكثرتها، فإن الحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها؛ أن المهنة لازال يزاولها الكثير من أصحاب الضمائر الحية، الذين يشهد لهم بالنزاهة، من طرف الكل، أو من قال عنهم ممثل النيابة الذي تحدثنا إليه، ممن يتولون "القضايا الإنسانية كقضايا النفقة والإهمال"، دون مقابل، فقط من أجل تمكين زوجة ضعيفة أو ضحية فقير من حقه، في الوقت الذي وقف فيه الكثير من المحامين إلى عارضة المحاكم هذه السنة بتهم يندى لها الجبين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.