إن مشكلات كثيرة تتعلق ب "المنتوج السياحي" ومستلزماته التي تكاد تنعدم، و في حال توفرها، تفتقد للضروريات ولأدنى أسباب الراحة والأمن الاطمئنان. هذه المشكلات تطل علينا لتضع كل الجزائريين أمام تحد يجب رفعه بكل مسؤولية، كدولة وهيئات وكأفراد وجماعات. والجزائر إذا نظرنا إليها من زاوية ما يسمى بالمنتوج السياحي، فإنها ليست بمحرومة ولا بفقيرة، فالطبيعة منحتها من الكنوز ما جعل الاستعمار يضرب جذوره في هذه الأرض الطيبة قرابة قرن و نصف قرن.. في لقاء إعلامي بالقناة الأولى، تحت عنوان" الجزائر شباب" دار حديث مثير تناول موضوع الشباب و السياحة، إلا أن ما أثار انتباهي أكثر من غيره في هذا اللقاء هو ما يطلق عليه" ثقافة السياحة" في الجزائر. و قد اتفقت أفكار المتحدثين على أن الجزائر تفتقر لثقافة سياحية تخدم القطاع، وأرجع بعضهم أسباب ذلك لطبيعة النظام السياسي السابق، الذي لم يول اهتماما كافيا لقطاع السياحة كمورد اقتصادي، من منطلق أن البلاد غنية ببترولها وغازها فجعل السياحة في آخر اهتماماته. غير أنه من الإنصاف بمكان أن نقول أن ما أنجز في تلك الفترة من هياكل، لا يستهان به، مقارنة بما نراه اليوم، والذي لم ينجز سوى كلاما عن سياسة سياحية، لا نرى لها آفاقا واضحة، لا في المستقبل القريب ولا في المستقبل البعيد، لأن الهياكل والهيئات الموجودة في الوقت الحاضر، هي نتاج المرحلة السابقة، وهي وحدها الباقية "صامدة "، رغم ما طالها من إهمال و تسيب، وقلة "حيلة" . ومن نتائج إهمال الجانب السياحي في تكوين الفرد الجزائري، أنها أدت إلى غرس فكرة العزة و الكرامة و الأنفة المفرطة في نفوس الشباب، مما جعلهم يعتقدون أن خدمة الأجانب بمقابل، أي بثمن، يعتبر نوعا من الإهانة و الإذلال أو تنقيصا من قيمتهم و عزتهم وكرامتهم المكتسبة، أو شيئا في هذه السبيل، بينما يقدمون، و هو نفس سلوك كل أفراد المجتمع الجزائري، نفس تلك الخدمات بدون مقابل، من منطلق الكرم وحسن الضيافة المعروفة في وسطنا، غير أن الراهن أو الواقع المعيش، وبكل ما يعرفه من تناقضات واختلالات، في مجال الحياة التي تعقدت بشكل لافت، و أصبحت أكثر صعوبة على الطبقة الشعبية ذات الدخل الضعيف، وحتى ذات الدخل المتوسط منها، بسبب وجود تفاوت غير منطقي بين الأجور والأسعار في السوق، هذا الواقع المختل التوازن يفرض على الدولة أن توجه سياستها في مجال السياحة لصالح تكوين الفرد، تكوينا يأخذ بعين الاعتبار الثقافة السياحية، بمعنى إدراجها في المناهج الدراسية لتكون هدفا وغاية ومرمى على حد تعبير التربويين، أي تكوين فرد يسلك مع الآخر سلوكا ينبع من ثقافة سياحية تخدمه و تخدم شعبه ووطنه في الأخير، أي جعل ذلك عاملا من عوامل خلق الشغل و توفير مناصب العمل وجلب الموارد والاستثمارات والعملات الأجنبية، هذا إذا أضفنا إليها العناية اللازمة ب "المنتوج السياحي"، المهمل على جميع الأصعدة، سواء من حيث هياكل الاستقبال أو من حيث الخدمات، فما يقدمه لنا الواقع ليس سوى مجموعة من الفنادق التي أكل الدهر عليها وشرب، ومؤسسات خدماتية ضعيفة من حيث القدرة المالية و من حيث القدرة البشرية، التي تستطيع أن تبدع وتخطط وتكسب ثقة السائح، كما أن ما يوجد على مستوى القطاع الخاص، مما يسمى بالوكالات السياحية،ليس بالقادر على تقديم أيتها خدمة تدخل في مجال السياحة بالمعنى السياحي الحقيقي الذي يجلب الخير للبلاد، لأنها عبارة عن وكالات لجمع المال لا غير، وهي توجه بشكل خاص عملها للسياحة الدينية المحلية والخاصة بالعمرة، عدا ذلك لا نرى لها أي دور يذكر، اللهم بعض النشاطات "المنعزلة" في جنوب البلاد، اللهم إلا دورها في "تصدير" السياح الجزائريين، واستنزاف العملة الصعبة بدون مقابل، لإنعاش السياحة في البلدان الأخرى. إن مشكلات كثيرة تتعلق ب"المنتوج السياحي" ومستلزماته التي تكاد تنعدم، وفي حال توفرها، تفتقد للضروريات و لأدنى أسباب الراحة والأمن الاطمئنان. هذه المشكلات تطل علينا لتضع كل الجزائريين أمام تحد يجب رفعه بكل مسؤولية، كدولة وهيئات و كأفراد وجماعات. والجزائر إذا نظرنا إليها من زاوية ما يسمى بالمنتوج السياحي، فإنها ليست بمحرومة ولا بفقيرة، فالطبيعة منحتها من الكنوز ما جعل الاستعمار يضرب جذوره في هذه الأرض الطيبة قرابة قرن و نصف قرن، وما يزال، فهي أي الجزائر، نصب عينيه دوما كهدف صالح للاستغلال بطريقة أو بأخرى، وفي أي وقت. فهذا الجنوب وحده يشكل متحفا طبيعيا متنوعا، بل جنة للسائحين، بما تضمه المساحات الشاسعة للصحراء من مغريات تفتح شهية الفضوليين، وتقتحم أسوار الهائبين منهم، وتروي عطش أكثرهم ظمأ للاستهلاك السياحي، وأما الشمال فإن طبيعة مناخه المتوسطي، وشواطئه الممتدة على أكثر من ألف كيلومتر، ومعالمها التاريخية المتنوعة والمتعددة والمنتشرة عبر كامل التراب الوطني، من الشرق إلى الغرب، وما تزخر به من حمامات معدنية طبيعية، تتواجد في الجهات الأربعة من التراب الوطني، من ڤالمة إلى مغنية، ومن تيزي وزو إلى سطيف، هي أيضا كنوز سياحية يمكن أن تجلب السائحين بأعداد كبيرة، غير أن بين ما توفره الطبيعة والتاريخ من موارد، وبين ما يقدمه الإنسان من جهود لكسب ثقة السائحين.. فرق .. ليس بالقليل الذي يمكن تقليصه بسهولة، وتلك هي المشكلة التي يجب أن يولى لها الجانب الأوفر من اهتمامنا كأفراد وجماعات وهيئات، لأن المستقبل القريب، كما يصوره لنا المستشرفون، ليس بالذي يجعل الأجيال مطمئنة، باستطاعتها أن تنام على أذنيها قريرة العين! فموضوع السياحة في بلادنا، آن الأوان لدخوله من الباب الواسع، وبدون أية عقدة، وتغيير المفاهيم والعقليات من أولى الأولويات الواجب العناية به، لأن ما نشاهده كواقع على مستوى المعاهد الخاصة بالتكوين السياحي، ممثلا في المتخرجين منها، لا يرقى إلى أدنى مستوى تكويني في المجال، كون السياسة العامة في البلاد لم تنتهج هذه السبيل. وأما يجري اليوم عن التوجه الجديد نحو قطاع السياحة، فلا أراه من هذه الزاوية إلا عملا يفتقر إلى الاستعداد "الفطري" إن صح التعبير أي أنه يندرج في إطار ما يمكن تسميته "العمل الظرفي" الذي لا يدوم إلا كما تدوم الحملات الظرفية كحملات النظافة والتشجير والتلقيح... المعروفة. إن الحديث عن سياسة سياحية في بلادنا يستدعي جهودا جبارة في مجال "إعادة تكوين الإنسان" وهذا العمل لا يمكن إنجازه بين ليلة وضحاها، بل هو عمل ينطلق منذ نشأة الطفل الأولى في أسرته الأولى ليستمر الجهد بعد ذلك في مختلف الأوساط التي تدخل في تربية الطفل من الوسط المدرسي إلى الوسط الاجتماعي المتعدد الأوجه، وهذا العمل الدؤوب يستلزم بدوره أطنانا من الصبر، وتلك مشكلتنا، نحن الجزائريين نريد كل شيء في أسرع وقت، وبأية طريقة، ولا يهم إن كان العمل متقنا، المهم هو الظاهر أو الشكل الذي يبدو للرائي على أنه تام وفقط. أما الحديث عن نقص" الثقافة"، فلا يخص المجال السياحي وحده، بل يعني كل مناحي الحياة و مجالاتها، فإذا تكلمنا عن الصحة مثلا، صح القول بأننا نفتقد للثقافة الصحية، وإذا تكلمنا عن التجارة، فغياب السلوك التجاري بيّن واضح بل صارخ، حتى تلك الابتسامة المزيفة، منعدمة، وإذا سرنا على الطريق نصدم أو نتيه، و إذا تطرقنا للجانب الديني، جاز أن نقول بأننا أيضا فقراء للثقافة الدينية الحقيقية بما نلاحظه من نفاق واضح في تصرفات الناس، التي تخالف روح الدين وتعاليمه، وإذا انتقلنا لمجال الخدمات فحدث و لا حرج، إذ أن الخدمات في مختلف المؤسسات تقدم و كأنها "مزية" ولا تستند لأي وازع لا أخلاقي ولا مهني، حتى أن ما هو واجب صار تفضلا وتكرما على المخدوم، وهلم جرا، فالمشكلة عامة، لا نستثني أي قطاع، فأينما "وليت وجهك" تلاحظ النقص الفادح بل الغياب المريع لكل ما يمت بصلة إلى الثقافة، بل نحن أمام "ثقافة" جديدة هدامة مسحت معالم الثقافة البناءة، و حلت محلها بكل "وقاحة"، ومن ثم، لابد أن نعيد ترتيب بيوتنا من أساسها، والبقية بعد ذلك،ستأتي، ليس بدون عناء، و لكن ستأتي. إذا كان هاهو واقعنا اليوم، فالجواب على السؤال التالي يضع أمامنا واقعا آخر يجب السعي لأجل الوصول إليه. إن الثقافة السياحية مطلوبة لضرورتها، كون السياحة تساهم في البناء العمراني والاقتصادي وتبرز مكوناتها السياحية، عن طريق التعريف بالآثار والمواقع السياحية والثقافية والدينية والترفيهية، وتدفع بالتنمية إلى الأمام من خلال تطوير المؤهلات الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية والبشرية، مثل البنى التحتية كالطرق والمرافق الأساسية المتنوعة، وتنعش الصناعات التقليدية، والمنتجات الزراعية والغذائية، والتجارة، والخدمات في مجال النقل وغيرها من المجالات، وتعلي من شأن التراث الثقافي والديني والفني. ولأن السياحة بهذا الحجم من الأهمية، فهي تتطلب التعامل مع السياح كأفراد، بالترحاب والصدق والأدب لإعطاء الانطباع الحسن عن شخصيتنا الإسلامية التي ندعيها. وهذا السلوك من شأنه أن يوفر عند ازدهار السياحة، فرصا للعمل كمرشدين سياحيين، أو العمل في القطاع السياحي بشكل عام وبصفة من الصفات. كما أن السياحة تدرب الشباب على تحمّل مسؤوليتهم في تدبير شؤونهم الخاصة، وتساعدهم على مواجهة الصعاب، وتمنحهم الآفاق الرحبة للتعارف مع شباب شعوب أخرى، وهي أي السياحة، بهذا، تساهم في بناء شخصية الفرد الثقافية وتفتح له آفاقا أخرى، كما تجعله يحس بأهمية تعلم اللغات وفوائدها، حيث إنها تعد من أهم مفاتيح الثقافة السياحية. هكذا تبدو لي أهمية الثقافة السياحية بالنسبة للفرد والمجتمع والوطن، فما على القائمين على القطاع سوى جعلها محور أي عملية استثمارية، لعل ذلك يصرف نظر الشباب عن إلقاء أنفسهم في أحضان المجهول.