عائلة زعيوة : هل اختفى ابننا لأنه صور أحداث تلك الليلة؟ إسلام زعيوة.. اسم آخر في قائمة الحراقة المفقودين في مياه البحر، ودمعة أخرى تحرق جفون العائلات الجزائرية في شهر رمضان الكريم. عائلة زعيوة بعين البنيان بالعاصمة تشتت وهي تبحث عن فلذة كبدها في مدينة عنابة التي انطلق من شواطئها قارب خشبي حمل ابنهم منذ أزيد من أسبوعين نحو سردينيا الإيطالية، قبل أن يصطدم رفقة قارب حراقة آخر بعائمة حراس الشواطئ الذين يصرون لحد اليوم على عدم وجود حراق مفقود، بينما تؤكد العائلة وأطراف أخرى على فقدان إسلام خلال ذات الليلة التي قتل فيها حمزة إكرام... وأن قربيا له أخبر حراس الشواطئ بسقوطه في الماء لكنهم لم يكترثوا له وخلفوه وراءهم ومضوا بباقي الحراقة. "اليوم" تنقلت إلى عائلة اسلام زعيوة بعين البنيان والتقت بعدد من أفرادها الذين فتحوا قلوبهم وقد أجّلوا الدموع للقاء قريب مع الغائب، وقلوبهم تنبض أملا وتضرعا لله لحصول المعجزة. استقبلتنا أمينة، أخت اسلام، بهدوء وكادت تنسى أن ترحب بنا في بيتها، وكأن الكلام جف على شفتيها، قبل أن تستدرك وتدخلنا للصالون وتشرع في الحديث عن الغائب قائلة "يوم بلغنا خبر اصطدام القاربين بعائمة البحرية في عنابة وأصابة الحراقة ووفاة أحدهم تنقلنا بسرعة إلىِ عنابة. قصدت كل مكان بحثا عن خبر مؤكد بشأن أخي، زرت المستشفى أين يرقد الحراقة المصابون وتحدثت لبعضهم وأخبروني أنه كان معهم، ومن بينهم ابن خالي الذي أكد أن إسلام كان برفقته وسقط في الماء ... قصدت العدالة والبحرية لأستفسر عن مصير أخي وكل ما قالوه لي أنهم يبحثون عنه". ولم تكن أمينة الوحيدة المتنقلة إلى عاصمة الحرقة حيث تقول "كل عائلتي زارت عنابة. أنا، إخوتي وأمي اليوم في طريق العودة من هناك رفقة أخي. لقد قصدت وكيل الجمهورية لإيداع شكوى وطلب البحث عن إسلام، لكنه رفض قبول الشكوى وقال لها : ماذا تريديني أن أفعل للبحرية " ؟ ". تقول أمينة هذه الجملة بحزن ممزوج بالكثير من الأسف والإمتعاض من موقف السلطات. وهنا يتدخل أخوها "عبد الأمين" الذي التحق بنا قبل دقائق "يوميا أتصل بحراس الشواطئ، لأسأل عن مصير أخي لكن لا جديد يبلغونني به". ولا يكف محدثتنا عن طلب كل الجهات التي يرى أنها على صلة بملف الحراقة وقضية اختفاء أخيه. وفي حضورنا، يتصل بوزارة الدفاع الوطني ويطلب منهم رقم جهة في عنابة تفيده بمعلومات أخرى حول مصير شقيقه، ويتصل على الرقم 038867694.. يرن الهاتف ويرد عليه شخص، ويشغل عبد الامين تقنية الإنترفون ليسمعنا المكالمة التي بدأ بتقديم نفسه على أنه أخ "زعيوة اسلام المفقود" ثم يسأل "كاش خبر على خويا؟"، ويرد عليه المجيب "أعطينا رقم هاتف" ويستجيب عبد الأمين ويرجع محدثنا للأيام الأولى التي تنقل فيها لعنابة وتوجه للمحكمة سائلا عن مصير أخيه وقلبه يعتصر ألمًا ... ولا يزال "قصدنا مكتب وكيل الجمهورية لكنه لم يشأ استقبالنا. توجهت بعدها إلى البحرية فقالوا إنهم يبحثون عنه، وأكدوا لي بعدها عبر الهاتف أن الدوريات لا تتوقف عن البحث عنه". شقيقة إسلام : شهادة الحراقة وابن خالي مهمة يقول عبد الأمين "لقد أخبرت حراس الشواطئ بأنهم خلفوا أخي في الماء، فقالوا لي لا ولكن الإصطدام بين عائمتهم وقوارب الحراقة أدت إلى سقوط الحراقة في الماء وقد يكون إسلام قد غطس تحت العائمة ولأن الإضاءة كانت ضعيفة في جنح الظلام فقد تعذر رؤيته". ويستطرد محدثتنا قائلا "من خلال ما بلغنا من شهادات مرافقيه على متن القارب، فإن أخي كان يقوم بتصوير حراس الشواطئ والحراقة، وفجأة أطفأ حراس الشواطئ الأضواء وقاموا بالإصطدام بهم ... والله أعلم". في نفس السياق، تتحدث أمينة فتقول "لقد تحدثت مع أكثر من عشرة حراڤ كانوا في نفس الليلة مع إسلام، وأخبروني أنهم صلوا مع بعض قبل ركوب البحر. وحدثوني عن الأوقات التي قضوها مع أخي وهم جميعا يتذكرونه ويشهدون بأنه كان معهم على متن القارب، فأين اختفى؟". وأردفت شقيقة إسلام التي غطى التعب والحزب ملامح وجهها وقالت بصوت أعلى ينم عن قلق وتوتر بالغ "السؤال الوحيد الذي أردت الحصول على إجابة له هو : هل كان أخي معكم؟ وجميعهم دون استثناء أكدوا لي أنه كان معهم ليلتها". وكانت أمينة قد التقت ما لا يقل عن عشرة حراقة من الناجين من الحادث المأساوي ليلة السابع إلى الثامن أوت الجاري، وزارتهم في المستشفى الجامعي "ابن رشد" بعنابة وسألتهم عن أخيها، ومن بينهم ابن خالها "عبد الرحمان شكور" وشاب آخر هو الثالث في العاصميين الذين كانوا في رحلة تلك الليلة السوداء. وتقول أمينة "أخي وابن خالي والشاب الثالث وهو يقطن بباب الوادي دفعوا للمهرب حوالي 13 مليون سنتيم مجتمعين". وتصدق عائلة زعيوة ما جاء على لسان أحد الحراقة الناجين الذي صرح أنه كان مع إسلام وهو يصوّر بواسطة الهاتف النقال ما يحدث ليلتها، وحينما تعرض للعنف على يد حراس الشواطئ الذين كانوا على متن العائمة "الوافي". لكن ولأنها لم تكن بعين المكان، فإن عائلة زعيوة تبقي كل الإحتمالات واردة، إلا أنها لا تستطيع في نفس الوقت حسب تصريحاتها لنا أمس تكذيب أشخاص كانوا شهود عيان في الليلة المشؤومة وقد اتفقت شهاداتهم على نفس الشيء. ولم نتمكن من الإلتقاء بوالدة إسلام نظرا لتواجدها خارج العاصمة حيث تنقلت رفقة ابنها إلى عنابة، لمعرفة مصير ابنها المفقود منذ أزيد من أسبوعين. مع العلم أنها امرأة مسنة تبلغ من العمر 65 عاما ومصابة بداء السكري ولا تقوى على الصيام في شهر فصل الحر، فكيف وهي تقطع مسافة تقارب 600 كلم على متن حافلة وتظطر للإفطار في الطريق. ظروف عائلة زعيوة في غياب ابنها ورحلة البحث عنه التي تدخل أسبوعها الثالث، تبدو جد مأساوية. أسرة مشتتة لا تعرف مصير ابن كان يفترض أن يلتحق مع الدخول الجامعي المقبل بزملائه في كلية الحقوق بجامعة الجزائر. وقد أطفأ إسلام شمعته الواحدة والعشرين يوم 5 جوان الماضي، وهو حاصل على شهادة بكالوريا في دوة جوان 2007 والتحق بكلية الحقوق ببن عكنون. يشهد أصدقاء وجيران إسلام الذين التقيناهم، بأن هذا الأخير كان على قدر عال من الأخلاق والمودة. وأكدوا أنهم لم يتخيّلوا يوما أنه سيقدم على هذه الخطوة وما بدر يوما منه ما يوحي بأنه يفكر في الهجرة خاصة غير الشرعية. وفي انتظار ظهور حقيقة اختفاء اسلام تظل كل الإحتملات واردة، توازيها أسئلة لا تنتهي تطرحها عائلته "لماذا اختفى إسلام وليس آخر، هل لأنه كان يصوّر أحداث تلك الليلة؟!. وهل يكذب كل الحراقة الشاهدون على تلك الليلة؟ وإذا كان حقا قد غرق دون علم حراس الشواطئ فلماذا لم يستجيبوا لنداء قريبنا الذي كان معه وأخبرهم أنه سقط في الماء. لماذا لم يتحركوا ويفتشوا عنه على الفور؟!، ثم إذا سلمنا بأنه غرق أو مات وسقط في الماء ولم ينتبه إليه حراس الشواطئ، فلماذا لم يلفظ البحر جثته لحد الآن حتى بعد مرور أكثر من أسبوعين عن اختفائه؟" ...أسئلة عائلة زعيوة تكاد لا تنتهي وبقدر أكبر منها يبدو قلقها وتشتتها وحزنها على ابن في عز الشباب ضاع منها ولم يظل لها منه سوى بضع صور وبعض الملامح في الذاكرة. وهي لذلك تصر على الوصول للحقيقة مهما كان الثمن ... فهل ستظهر حقيقة اختفاء إسلام أم أنه سيضاف اسمه إلى قائمة الحراقة المفقودين الذين اختارهم البحر دون سواهم.