*طبيبتان في إطار عقود ما قبل التشغيل وممرضان متربصان لإنقاذ حياة أكثر من 31 ألف نسمة كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن واقع الصحة بولاية الجلفة خاصة الجهة الشمالية بالعيادات المتعددة الخدمات التابعة للمؤسسة العمومية الجوارية بعين وسارة، حيث تحدث العديد من المواطنين عن تدني الخدمات في هذه العيادات بل ذهب بعضهم إلى وصفها بالهياكل بلا روح، والبعض الآخر اتهم الأطباء وعمال شبه الطبي بالتقصير وعدم الاهتمام بالمريض هذا الأمر جعلنا نختار دخول العيادة المتعددة الخدمات المتواجدة بحد الصحاري وقضاء الليلة هناك رفقة الأطباء والممرضين وكذا العمال المهنيين بداية من الساعة التاسعة ليلا. اختيارنا لهذه العيادة لم يكن وليد الصدفة ولكن كان مؤسسا على لسببن اثنين، الأول هو التغيير الذي حصل مؤخرا على مستوى إدارتها الشيء والذي ساهمت فيه جريدة "النهار" بنسبة كبيرة إثر نشرها للنقائص الكبيرة التي كانت تعاني منها جميع المصالح نتيجة عدم اهتمام مسؤوليها السابقين، أما السبب الثاني الذي جعلنا نختار هذه المنطقة بالذات هو احتلالها للمرتبة الأولى على مستوى الولاية من حيث لسعات العقارب والانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي، حيث لا يزال السكان يتذكرون آخر ضحية وهي السيدة التي فارقت الحياة متأثرة بسم العقرب. انقطاع الكهرباء..وارتفاع عدد ضحايا لسعات العقارب والثعابين أول ضحية كانت في تلك الليلة سيدة تبلغ من العمر 27 سنة تقطن في الريف غير بعيد عن المدينة. كانت الساعة تشير إلى التاسعة والنصف حيث تم التكفل بها وحقنها بالمصل المضاد للتسمم العقربي، بعدها بعشر دقائق فقط انقطع التيار الكهربائي وبدأ المصابون يتوافدون على العيادة بشكل يثير الخوف، لم نصدق الذي يحدث، قدم شخصان في آن واحد أحدهما مصاب بلسعة عقرب والآخر بعضة ثعبان على مستوى الرجل اليسرى، الأول تكفلت به إحدى الطبيبات وممرض وطبيبة أخرى برفقة ممرض آخر تكفلا بالثاني، لحظات بعدها فقط دخل طفل لسعه عقرب على مستوى اليد وبعده سيدة أخرى، علما أن العيادة لا تتوفر إلا على غرفة واحدة يوجد بها سريران. والقانون ينص على بقاء الشخص المصاب بالتسمم العقربي داخل المستشفى أكثر من ست ساعات كاملة، مما أجبر المصابين على الاستلقاء فوق الكراسي داخل غرفة الانتظار الخاصة بالرجال ومنهم من استلقى على الأرض بينما تم وضع السيدتان في الغرفة التي بها سريران، وبقيت الطبيبتان اللتان تعملان في إطار عقود ما قبل التشغيل فقط برفقة أحد الأطباء الذي تدخل للمساعدة بالرغم من أنه في راحة، يتنقلون بين المصابين. وفي حدود الثانية عشرة وعشرون دقيقة بعد منتصف الليل، تأتي سيدة سادسة مصابة كذلك بلسعة عقرب تم وضعها في غرفة خاصة بالأشعة نظرا لعدم وجود مكان آخر تستلقي فيه، بعدها وفي حدود الساعة الواحدة والنصف صباحا بدأت حالة شخصين من المصابين تسوء مما حتم على الطاقم الطبي تحويلهما إلى مستشفى عين وسارة على جناح السرعة؛ وبينما كانت إحدى الطبيبات تحضر الوثائق الخاصة والأمر بمهمة لسائق سيارة الإسعاف الوحيدة المتواجدة على مستوى العيادة والممرض المرافق للمصابين، قدم طفل آخر في حالة يرثى لها تم تحويله هو الآخر ليصل عدد المصابين الذين يجب تحويلهم إلى المستشفى إلى ثلاثة تم نقلهم جميعا بسيارة إسعاف واحدة، وبقيت العيادة بدون وسيلة لنقل الحالات الاستعجالية. وعند الساعة الثالثة صباحا تم السماح لاثنين من المصابين بمغادرة العيادة بعد تحسن حالتهما الصحية، ليلتحق بالعيادة ثلاثة أشخاص آخرين دفعة واحدة كلهم مصابين بلسعات العقارب ليتم التكفل بهم، إلى غاية السادسة صباحا التي شهدت حضور آخر ضحية لتلك الليلة وهو طفل لم يتعد سنه العشر سنوات لنفس السبب وقد تم حقنه بالمصل المضاد للتسمم العقربي كما تم السماح لأربعة أشخاص بمغادرة العيادة والالتحاق بمنازلهم بعد تحسن حالتهم. العيادة تستقيبل أكثر من 15 مصابا بالتسمم العقربي في الصباح أخبرنا الأطباء وعمال شبه الطبي بأن هناك ليال يستقبلون فيها أكثر من خمسة عشر مصاب بالتسمم العقربي. وبالرغم من النقص الفادح في الإمكانيات المادية والبشرية، إلا أن أصحاب المآزر البيضاء بالعيادة المتعددة الخدمات بحد الصحاري يتحدون كل الصعاب. غادرنا العيادة وسط ذهول كبير مما يعانيه هؤلاء خاصة من ناحية السهر والتعب، الشيء الذي أصبح يحتم على السلطات الوصية ضرورة الإسراع في إكمال أشغال بناء العيادة المتعددة الخدمات الجديدة والواسعة التي بإمكانها تخفيف الضغط نظرا لتوفرها على ما يفوق 60 سريرا وتزويدها بعدد معتبر من الأطباء والممرضين.