المصادقة على مشروع قرار قدّمته الجزائر    عرقاب: ينبغي تنويع مصادر تمويل مشاريع الطاقة    بوغالي يدعو إلى تكثيف الجهود العربية    الجزائر تدعو إلى التحقيق بشأن الجرائم الصهيونية    خيانة مخزنية للقضية الفلسطينية    الخضر يتقدّمون    الخريطة الوهمية تتبدّد !    كل الحسابات مفتوحة في مواجهة الإياب    27 مليون دولار لإنتاج البلوط الفليني في الجزائر    ربيقة يبرز التزامات الجزائر    الدولة ملتزمة بتلبية متطلبات الصحة    هذا جديد رحلات الحج    وزير الصحة يلتقي نظيره الجيبوتي    وزير المجاهدين يتحادث ببرلين مع عدة وزراء و مسؤولي منظمات دولية    رئيس الجمهورية يعزي في وفاة قائد القطاع العسكري لولاية تيميمون    إنشاء مصنع لإنتاج الهيدروجين ومحطات للطاقة الشمسية    الجزائر وسبع دول من "أوبك+" تعدل إنتاجها النفطي    تقديم بند طارئ باسم المجموعة العربية حول الوضع في فلسطينين    حجز 68 طنا من المواد الاستهلاكية الفاسدة بقسنطينة    ترويج للثقافة وللتراث الجزائري وتثمين لمواهب الشباب    العدسة في خدمة التراث    الجزائر تودع ملف تسجيل "الحلي الفضّي لمنطقة القبائل" لدى اليونسكو    ستافان دي ميستورا يصل الى مخيمات اللاجئين الصحراويين    دي ميستورا يزور مخيمات اللاجئين الصحراويين بتندوف    غزة تباد ورفح تنزف أمام عالم يكتفي بالمشاهدة    دعم التعاون الإفريقي بين الدول المنتجة للنفط    هلاك شخص في اصطدام سيارة بشاحنة    " الجمعاوة " أمام محكّ النزاهة    شباب بلوزداد في مهمة اللحاق بالرائد    الفرنسيون يواصلون حقدهم على عطال بسبب دعمه لغزة    رحيل المفكّر الاقتصادي الجزائري الكبير عمر أكتوف    القانون الأساسي والنظام التعويضي: استئناف النقاش الثلاثاء القادم    العدوان الصهيوني على غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 50609 شهيدا و 115063 مصابا    وفاة شخص وستة مصابين في حادثي مرور    إبراز جهود الجزائر في مجال الذكاء الاصطناعي    الارتقاء بدور المجتمع المدني كفاعل أساسي في التنمية    وزير الاتصال يشرف على حفل استقبال بمناسبة عيد الفطر    برمجة فتح الرحلات عبر "بوابة الحج" و تطبيق "ركب الحجيج"    بفضل مشاريع كبرى أقرها رئيس الجمهورية, الجزائر تسير بخطى واثقة نحو أمنها المائي    التأكيد على التزام الدولة الجزائرية بتلبية المتطلبات التي يفرضها التطور المتواصل في مجال الصحة    الاتحاد العام للتجار والحرفيين يشيد بالتزام التجار بالمداومة خلال عطلة عيد الفطر    كلثوم, رائدة السينما والمسرح في الجزائر    السيد بداري يترأس اجتماعا تنسيقيا لدراسة عدة مسائل تتعلق بالتكوين    اتحاد الكتاب والصحفيين والادباء الصحراويين: الاحتلال المغربي يواصل محاولاته لطمس الهوية الثقافية الصحراوية    ربيقة يبرز ببرلين التزامات الجزائر في مجال التكفل بالأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة    الفروسية: المسابقة التأهيلية للقفز على الحواجز لفرسان من دول المجموعة الإقليمية السابعة من 10 إلى 19 أبريل بتيبازة    كرة القدم/ترتيب الفيفا: المنتخب الجزائري يتقدم إلى المركز ال36 عالميا    قِطاف من بساتين الشعر العربي    تحديد شروط عرض الفواكه والخضر الطازجة    مراجعة استيراتجيات قطاع الثقافة والفنون    فتح معظم المكاتب البريدية    سونلغاز" يهدف ربط 10 آلاف محيط فلاحي خلال السنة الجارية"    الجزائر تودع ملف تسجيل "فن تزيين بالحلي الفضي المينائي اللباس النسوي لمنطقة القبائل" لدى اليونسكو    فتاوى : الجمع بين نية القضاء وصيام ست من شوال    اللهم نسألك الثبات بعد رمضان    لقد كان وما زال لكل زمان عادُها..    أعيادنا بين العادة والعبادة    عيد الفطر: ليلة ترقب هلال شهر شوال غدا السبت (وزارة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وعاد وحيدا تحت المطر
الحلقة الثامنة
نشر في النهار الجديد يوم 17 - 11 - 2008


* *
كان الصمت بينهما كائنا متمردا يلجم الألسن تاركا الأرواح تهيم بعيدا عن الأرض، كلاهما كان في حديث مع الروح، وكلاهما لم يعد يسمع من الضوضاء سوى دقات قلبيهما، كان اثنين والصمت بينهما يعبث بفوضى الأشياء متمردا بكل عنفوانه، كطفل يعبث بكل ما حوله حتى صار بخيل لهما، وكأن الهمس صار صياحا من طول الصمت التي بدا وكأنه سيطول إلى آخر الزمن .
*
*
ولكنها كانت أكثر حيوية منه وتعرف كيف تصنع الظروف أحسن منه، وصار الصمت كفقاعة صابون سرعان ما فجرتها بإشارة من يدها إلى النادل، فحضر هذا الأخير ومال برأسه بأدب.
*
*
قالت له:
*
*
- أريد كأسا من العصير
*
*
وكأنه وجد الفرصة ليصنع بعض الجمل والكلمات يفتح بها شهية الروح لحديث آخر طويل، حين رد عليها بسؤال:
*
*
- هل أعجبك العصير رغم الطقس البارد؟
*
*
ابتسمت وكان في ابتسامتها الكثير من الفطنة والنباهة وقربت وجهها إليه وقالت هامسة:
*
*
- لقد أعجبني جدا، لذا طلبت واحدا لك على حسابي هذه المرة.
*
*
نظر إلى ما بقي من عصير في كأسها وتمنى لو بإمكانه شرب ما بقي منه ليشعر أنه اقترب جدا إلى خفق قلبها وليتحسس عطر أنفاسها، كانت فكرته غريبة كفكرة المجانين، لكنها كانت فكرة جامحة، وبين أخذ ورد بين الصمت والكلمات، فتحت شهيته للحديث دون عقدة، وبذكائها مهدت له طريقا للحديث والكلام دون أن يشعر أنها تريد منه أن يتحدث. حدثته عن أمور عادية ورويدا رويدا تسربت إلى ذاته وشرحت روحه بمشرط خبير لا يخطئ ، حتى وجد نفسه يحكي لها عن نفسه.
*
*
كانت تنصت له بصمت دون أن تسأله أو تقاطعه واضعة وجهها بين كفيها، فبدا كقمر فوق قطعة سحاب ، مثل أم رؤوم تتابع باهتمام حديث طفلها الذي دخل لأول مرة إلى المدرسة، وجاء بعد ساعة منها ليحكي لها عن عالم جديد بلغة الأطفال الأبرياء، ومرة على مرة ترتشف رشفة من فنجان قهوتها وهي تتابع باهتمام ما يقولهّ هذا الطفل الكبير الماثل أمامها. وحين توقف حديثه، ابتسمت وقالت:
*
*
- لك في الحياة تجارب كثيرة، كأنك في العقد الخامس أيها العجوز.. وضحكت وضحك معها ورد عليها.
*
*
- رغم ذلك، لم يمضِ من عمري سوى ثمان أعوام بعد العشرين..
*
*
نظرت إليه وقبل أن تصل حافة فنجانها إلى شفتيها قالت:
*
*
- لازلت صغيرا جدا
*
*
أراد أن يسألها عن الأعوام التي مرت من عمرها، فأحجم عن الفكرة لعلمه بطبائع النساء حين تخفين أعمارهن، أو خشي أن يتسبب سؤاله بكسر أحد حلقات الجمال الذي بدأ فلم يجد سوى أن يعود إلى الصمت.
*
*
انتبهت إلى ساعتها، فعلم أنها تأخرت وقالت بهدوء:
*
*
- أستئذنك الآن
*
*
كاد قلبه يفر من بين ضلوعه وهو يسمع منها ذلك. قام من مكانه بسرعة واتجه ناحيتها وسحب من خلفها الكرسي بأدب، فاستلطفت تصرفه وكان شكرها له ابتسامة عذبة فرت من ثغرها لتستقر في قلبه، كان قريبا منها جدا هذه المرة، فلم تكن تفرقهما طاولة أو وردة وأشياء مبعثرة على طاولتهما، وقال لها وهي ترتدي معطفها مستعدة للخروج:
*
*
- هل تسمحين لي بمرافقتك فالجو ماطر ولا مطارية لك؟
*
*
ردت بهدوء وابتسامتها الرائعة مثل حلم لا تفارقها.
*
*
سأقبل فقط كي تقيني من المطر لا غير.
*
*
وسعد ببعض لحظات سيكون فيها معها وكانت كل لحظة معها وثانية كأنهما عمر جميل، فكل الأشياء المعنوية معها صارت لها روح وقلب ونبض.
*
*
وخرجا جنبا إلى جنب وهو لا يصدق أن الحلم معه يتقي معه وابل المطر تحت مطريته التي صارت عالما آخر، فكل شيء تكون هي محوره يصير عالما قائما بذاته، ومضيا معا في الزقاق الطويل على وقع المطر، ولم يشعر بنفسه إلا وهو يناولها المطارية وينزع قفازه الجلدي ويناولها إياه وقال بصوت جهور:
*
*
ارتديها، فالبرد يكاد يعض.
*
*
قالت بدهشة: وأنت؟
*
*
رد ضاحكا:
*
*
يديك أرق
*
*
لم ترد على كلماته فقط، قالت بصوت يكاد يكون همس:
*
*
إنه دافىء
*
*
شعر أن الدنيا لا تسعه وهو يسمع منها كل هذا وما عاد يشعر بالبرد، وكأن وجودها يذيب صقيع العالم كله، حتى تمنى لو دام هذا المطر إلى آخر العمر ليسير معها حتى نهاية العالم تحت وقع المطر، الذي بدت حباته وهي تسقط حولهما كأنها كائنات شفافة راقصة مبتهجة بزوج تحت المطر.
*
*
ووصلا إلى آخر الزقاق، حيث كانت تركن سيارتها، دخلت بسرعة وأدارت المفتاح لتشغيل المحرك وقبل أن تنطلق بسيارتها، قال لها بصوت وكأنه استجداء.
*
*
هل يمكن أن أراك مرة أخرى ..؟
*
*
ابتسمت وهي تحول عصا تحويل السرعة، قبل أن تنطلق وقالت:
*
*
يقولون أجمل الأشياء تصنعها الصدفة، إذا أترك الصدفة للقائنا، فربما يكون أجمل من هذا اللقاء.
*
*
وانطلقت بسيارتها بعدما ودعته بابتسامة أروع من حلم .
*
*
وبقي يشيعها بنظراته إلى أن اختفت في زحمة الطريق، وهنا شعر أن هناك من حوله سيارات ومحلات تجارية وأناس يمشون والمطر ينهمر وابلا من السماء، ومضى وحيدا تحت المطر تاركا مظلته مكان سيارتها وكأنه يتطهر من هموم الدنيا كلها، لم يكن يشعر بالبرد ولا حتى بوقع المطر، فصوتها الدافئ ونور عينيها اللوزيتين بددا كل شعور منه بالبرد، ومضى وحيدا تحت المطر.
*
*
*
.. يتبع
*


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.