يركز التكوين الأكاديمي الحالي بكليات الطب الجزائرية "على العلاج" على حساب الوقاية حيث يتم تدريب طبيب المستقبل على كيفية إعداد الوصفة حسبما أكده الدكتور فتحي بن اشنهو ممارس سابق بالصحة الجوارية. وعبر الدكتور بن أشنهو في حديث لواج عن أسفه الشديد لتركيز كليات الطب الوطنية على العلاج "متجاهلة" في ذلك الجوانب الوقائية عكس ما تنص عليه المؤسسات الدولية وحتى الدول المتقدمة المنتجة للأدوية. وأشار في هذا المجال إلى توصيات المنظمة العالمية للصحة التي تدعو فيها إلى تكوين الطبيب على وصف التسميات الدولية المشتركة للأدوية وليس"الإسم التجاري" له ملاحظا أن ما يحدث في الجزائر هو عكس ذلك مشيرا في نفس الصدد على سبيل المثال إلى المريض الذي يقصد الصيدلية لاقتناء الأدوية "مركزا على أسمائها التجارية". ويرى نفس المتحدث أن الشركات الصيدلانية العالمية تلعب "دورا كبيرا" في هذا المجال وذلك من خلال الإغراءات التي تقدمها وتأثيراتها على الطبيب مؤكدا بأنها تحتل فضاء التكوين الطبي المتواصل في ظل غياب من يقوم به داعيا السلطات العمومية إلى التحكم في زمام الأمور و "إستعادة هذا الدور". ويخفى الدور الذي تقوم به هذه الشركات في مجال التكوين المتواصل -حسب نفس المتحدث- "مهمة تجارية بحتة" أي بيع الأدوية وإستمرار هذه الممارسة طوال السنة غالبا ما يكون"على حساب" الوقاية. ودعا الدكتور بن اشنهو بالمناسبة مجلس أخلاقيات المهنة إلى تقنين دور هذه المخابر والتفطن إلى هذا الأسلوب من التعامل مع الأطباء و رسم خطة تكوين متواصل يهتم بنوعية الأدوية الموصوفة وفعاليتها صحيا والتصدي للممثلين التجاريين للمخابر العالمية الذين هدفهم "بيع المنتوج". ومن جهة اخرى ثمن الدور الذي لعبته المنظومة الصحية بعد الإستقلال من أجل وقاية المواطن من الأمراض المعدية التي كانت متفشية أنذاك ونجحت في القضاء عليها بفضل برنامج وقائي ناجع داعيا إلى تبني "برنامجا ممثلا للوقاية" من الأمراض المزمنة التي تعرف بأمراض العصر. وفي هذا المجال شدد نفس المتحدث على "إعادة تفعيل" مكاتب النظافة البلدية وإعادة النظر في الطب المدرسي دون الإستغناء عنه وذلك بإختيار أطباء أكفاء في هذا المجال معتبرا "التكفل الجيد بالتلاميذ في سن مبكرة هو وقاية الأجيال الصاعدة". ودعا بالمناسبة إلى تعزيز التربية الغذائية لمواجهة "إنفجار" الإصابة بداء السكري وضغط الدم الشرياني والسمنة مثمنا الدور الذي تلعبه المطاعم المدرسية في إعداد وجبات صحية تساهم في تدريب الجيال الصاعدة على آداب الأكل والذوق السليم. محلات "الفاست فود" تحاصر المؤسسات التربوية والجامعية وتأسف من جهة أخرى لمحاصرة المؤسسات التربوية والجامعات بمحلات بيع الاكلات السريعة (الفاست فود) التي غالبا ما لا تحترم قواعد النظافة ناهيك عن مكوناتها "غير الصحية" حاثا الأولياء على مكافحة هذه الثقافة وإشراكهم في التربية الصحية للقضاء على عامل السمنة. وحث الدكتور بن أشنهو على ضرورة تعزيز التكوين في الوقاية الصحية وذلك بمحاربة الإعلانات والإشهار المغرض و "وضع سياسة وقائية وطنية شاملة" في الميدان. فيما يتعلق بالوقت الذي يخصصه الأطباء للمريض أكد نفس المتحدث بأن غالبية الأطباء "لا يحترمون مدة المعاينة الطبية" التي تنص عليها القوانين الجزائرية وتوصيات منظمة الصحة العالمية أي تخصيص "سبعة دقائق على الأقل" لمعاينة كل مريض. وأكد في نفس المجال بأن الدراسات التي أجريت في الميدان أثبتت أن معظم الأطباء لايخصصون "إلا أربعة دقائق فقط" لكل معاينة وهو وقت يراه الدكتور بن أشنهو "غير كافي تماما" لإجراء الفحوصات والقيام بالتربية الصحية والوقاية. ودعا إلى تحسيس الأطباء حول ضرورة الإستفادة من التكوين المتواصل لتحيين معلوماتهم وإكتساب المعارف الجديدة متأسفا لبعضهم الذين يتعاملون مع المرضى كإداريين. وفيما يتعلق بالدور الذي تلعبه جمعيات المرضى بالمجتمع يرى الدكتور بن أشنهو بأن هذه الأخيرة غالبا ما تظهر إلى الميدان بمبادرة من أحد أعضائها نتيجة معاناته من مرض ما أو سوء التكفل به بالمنظومة الصحية داعيا إلى إعادة النظر في دور وقوة هذه الجمعيات في الدفاع عن حقوق المرضى وكيفية مشاركتها في إعداد البرامج الوطنية الصحية. ومن جهة أخرى أكد رئيس النقابة الوطنية للوكالات الصيدلانية الدكتور فيصل عابد على ضرورة مشاركة كل الفاعلين في المجال الصحي في الوقاية ولاسيما الصيدلي الذي هو في إتصال مباشر مع المريض ويلعب -حسبه- "دورا هاما" في التحسيس والتوعية حول كيفية تناول الأدوية و"توجيه المريض عند تعقيدات المرض قبل زيارة طبيبه". ودعا نفس المتحدث إلى ضرورة تنظيم وتعزيز الكشف المبكر عن الأمراض الثقيلة عن طريق الوسائل التقليدية غير المكلفة باعتبارها -كما أضاف- "أحسن وسيلة" للوقاية من هذه الأمراض "المكلفة"متأسفا لحرمان المرضى غير المؤمنين إجتماعيا من العلاج والصعوبة "الكبيرة" التي يتلقونها لإقتناء الأدوية. وركز على ضرورة الإهتمام بالوقاية من طرف الفاعلين في الميدان لمواجهة "لوبيات " الشركات الصيدلانية المتعددة الجنسيات التي استغلت الفراغ المسجل في التكوين المتواصل لإملاء شروطها في مجال وصف الأدوية بطريقة غير مباشرة.