كثيرا ما يلجأ المدونون ورواد مواقع التواصل الاجتماعي الى فايسبوك وتويتر وحتى يوتوب، للتعبير عن أرائهم ومواقفهم، أو لنقل أحداث آنية، ما دام العالم قد تحول الى قرية صغيرة بفضل ثورة التكنولوجيات الحديثة، التي جعلت من شاب يقطن على بعد مئات أو آلاف الكيلومترات عن موقع الحدث، متابعا مباشرا، ولكافة التفاصيل أولا بأول. لكن غير المألوف، هو أن يتم اللجوء الى تلك الوسائل والتكنولوجيات الحديثة، للنبش في التاريخ والبحث في طيات الأرشيف، لاستخراج هذه الصورة أو ذلك التصريح المصور بالفيديو، ومقارنتها بمواقف صاحبها في الوقت الراهن. مثل هذا الاستنجاد بالتكنولوجيا لاستحضار مواقف الأمس ومقارنتها بآراء اليوم، كثيرا ما باتت تكرر في الجزائر، بمناسبة كل حدث سياسي كبير. فبعد رئاسيات 2014، ها هي تشريعيات 2017، تلقي بضلالها على الشارع الجزائري، ومعها تصدر مواقف وآراء يريد بها البعض توقيع بصمته على المشهد وجلب انتباه الرأي العام. وبالموازاة مع ذلك، هنالك أعين الكثير من رواد الفايسبوك واليوتوب، لاقتناص أي فرصة من شأنها فضح أصحاب المواقف المتقلبة ومحترفي وضع الأقنعة من سياسيين وإعلاميين وحتى شخصيات عمومية منهم شبان يصنعون الحدث من حين لآخر. هكذا انقلب عارف مشاكرة من المعارضة إلى الموالاة في منتصف عام 2014، وبعد إجراء الانتخابات الرئاسية وفوز الرئيس بوتفليقة بعهدة رئاسية رابعة، تجدد الجدل حول أهليته لقيادة البلاد، ومعه قاد البعض حملات هجوم أو دفاع عن هذا الموقف أو ذاك، وكان من بين المواقف المسجلة والمحسوبة على الموالاة، أو ما يسمى بأبواق السلطة، ما صرح به بالصورة والصوت، الناشط عارف مشاكرة، الذي سجل لقطات فيديو يرد فيها على منتقدي ومناهضي العهدة الرابعة. ولأن الحرب سجال، يوم لك ويوم عليك، فقد كانت ردة الفعل والهجوم المضاد من جانب رافضي العهدة الرابعة، على عارف مشاكرة، سريعة وفورية، حيث تم نشر شريط فيديو لعارف مشاكرة نفسه، يتحدث فيه -شحما ولحما وصوتا- عن موقفه ويعبر عن رفضه للعهدة الرابعة. كانت تلك الفيديو مسجلة في أواخر عام 2013، وعمد ناشروها الى تبيان تناقض وتقلب مواقف صاحبها بحسب الظروف واتجاه الرياح، وكأن بهم يقولون نحاربك بسلاحك. ديزاد جوكر.. من أحضان عمار غول الى بطل قومي يحارب الأشرار! منذ أيام وعقب الضجة الكبرى التي أحدثتها فيديوهات البودكساتر الرافضة للمشاركة في الانتخابات التشريعية، وبالأخص تلك التي أطلقها اليوتوبر أنس تينا، وديزاد جوكر، لجأ البعض من خصومهم على شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي، الى الرد عليهم بقصف مماثل، وهو المصطلح المستعمل في مثل هذه الحملات والحروب الافتراضية على الأنترنت. تم القصف والرد على ديزاد جوكر من خلال نشر صورة قديمة له، جمعته بالشخصية الأكثر تعرضا للانتقاد والسخرية والاستهزاء على الفاسيبوك، والمتمثلة في شخص الوزير السابق عمار غول. ويظهر اليوتوبر شمسو مثلما يطلق عليه محبوه، رفقة الوزير عمار غول، وعلى محياهما ابتسامتين عريضتين، فيما كان غول يناول الشاب الواقف إلى جانبه علبة مفتوحة وعليها مجسم يد شبيهة برموز الإعجاب في الفايسبوك، ما يوحي بأن تلك العلبة كانت هدية من الوزير للمدون، الذي تحول اليوم بقدرة قادر الى شي غيفارا الجزائر، الذي يحارب السلطة والفساد والمحسوبية والسرقة، لوحده ويهزم جميع الأشرار. وبقدر ما كشفت تلك الصورة، التي يبدو أنه تم التقاطقها منذ سنوات قليلة، حالة الود التي كان يكنها مدون الفيديو ديزاد جوكر للسلطة آنذاك، بقدر ما كشفت عن حجم التغير في المواقف من النقيض الى النقيض، فما الذي تغير اليوم، مع العلم أن السلطة لم تتغير وبقيت هي نفسها، يقول أصحاب تلك الصورة.